- 100 - من حجة أبي بكر ألى ما قبل حجة الوداع


حجة أبي بكر الصديق

- بعث رسول الله في السنة التاسعة في شهر ذي الحجة ( مارس سنة 631 م ) أبا بكر الصديق يحج بالناس فخرج في ثلاثمائة رجل من المدينة وبعث معه بعشرين بدنة قلدها وأشعرها بيده الشريفة وساق أبو بكر رضي الله عنه خمس بدنات ثم تبعه علي
رضي الله عنه على ناقة رسول الله " القصواء " فقال له أبو بكر استعملك رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج . قال لا ولكن بعثني أقرأ براءة على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده وكان العهد بين رسول الله وبين المشركين عاما وخاصا . فالعام أن لا يصد أحد عن البيت إذا جاءه ولا يخاف أحد في الأشهر الحرم . والخاص بين رسول الله وبين قبائل العرب إلى آجال مسماة وكانت عادة العرب أن لا ينبذ العهد إلا من كان قريبا ممن اراد النبذ . فلذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه ولم يكتف بأبي بكر رضي الله عنه فحج بالناس . قرأ علي بن أبي طالب براءة ( 1 ) على الناس يوم النحر عند الجمرة ونبذ إلى كل ذي عهد عهده . وقال لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ثم رجعا قافلين إلى المدينة . وقد كان علي رضي الله عنه يصلي خلف أبي بكر إلى أن رجع إلى المدينة
_________
( 1 ) سورة براءة هي التوبة . قال صاحب الكشاف التوبة لها عدة اسماء . براءة والتوبة والمقشقشة والمبعثرة والمشردة والمخزية والفاضحة والمثيرة والحافرة والمنكلة والمدمدمة وسورة العذاب


سرية خالد بن الوليد إلى بني حارث بن كعب بنجران


- بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الأول سنة عشر ( يونية سنة 631 م ) سرية في اربعمائة إلى بني الحارث بن كعب بنجران ( 1 ) وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا فإن استجابوا لك فاقبل منهم وأقم فيهم وعلمهم كتاب الله وسنة نبيه ومعالم الإسلام فإن لم يفعلوا فقاتلهم . وكان أهل نجران على شريعة عيسى عليه السلام فخرج خالد حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون الناس إلى الإسلام ويقولون : يا أيها الناس أسلموا تسلموا فأسلم الناس ودخلوا فيما دعاهم إليه . فأقام خالد فيهم يعلمهم اإسلام وكتاب الله وسنة نبيه . ثم كتب خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد بن الوليد . السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته . فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو . أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم إلى الإسلام فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه وإن لم يسلموا قاتلتهم . وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة ايام كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثت فيهم ركبانا . يا بني الحارث اسلموا تسلموا فأسلموا ولم يقاتلوا وأنا مقيم بين أظهرهم وآمرهم بما أمرهم الله به وأنهاهم عما نهانا الله عنه وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكتب إلي رسول الله والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته
وهذا الكتاب شرح فيه خالد مهمته وأنه قام بها كما أمر . فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد . سلام عليك . فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو . أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسلك بنجران بني الحارث قد أسلموا قبل أن يقاتلوا وأ ] ابوا ما دعوتهم إليه من الإسلام وشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن قد هداهد الله بهذا فبشرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
فاقبل خالد بن الوليد إلى رسول الله وأقبل وفد بني الحارث بن كعب فيهم قيس بن الحصين بن يزيد بن قنان ذو الغصة . ويزيد بن عبد المدان . ويزيد بن المحجل . وعبد الله بن قريظ الزيادي . وشداد بن عبد الله القباني . وعمرو بن عبد الله الضبابي . فلما قدموا على رسول الله فرآهم قال من هؤلاء القوم كأنهم رجال الهند ؟ قيل يا رسول الله هؤلاء بنو الحارث بن كعب . فلما وقفوا عند رسول الله سلموا عليه . فقالوا نشهد أنك رسول الله وأن لا إله إلا الله . فقال رسول الله : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله ثم قال رسول الله أنتم الذين إذا زجروا استقدموا . فلم يراجعه منهم أحد . ثم أعادها رسول الله الثانية والثالثة والرابعة فقال يزيد بن عبد المدان نعم يا رسول الله نحن الذين إذا زجرنا استقدمنا . فقالها أربع مرات . فقال رسول الله : لو أن خالد بن الوليد لم يكتب إلي فيكم أنكم أسلمتم ولم تقتلوا لألقيت رءوسكم تحت أقدامكم . فقال يزيد بن عبد المدان : أما والله يا رسول الله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا . فقال فمن حمدتم ؟ قالوا حمدنا الله الذي هدانا بك . قال صدقتم . ثم قال رسول الله بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟ قالوا لم نكن نغلب أحدا . فقال رسول الله بلى قد كنتم تغلبون من قاتلكم . قالوا يا رسول الله : كنا نغلب من قاتلنا إنا كنا بني عبيد وكنا نجتمع ولا نتفرق . ولا نبدأ أحدا بظلم . قال صدقتم . ثم امر رسول الله على الحارث بن كعب قيس بن الحصين فرجع وفد الحارث بن كعب إلى قومهم ولم يمكثوا بعد أن قدموا إلى قومهم إلا أربعة أشعر حتى توفي رسول الله
_________
( 1 ) موضع بين اليمن ونجد


وفاة إبراهيم


- توفي إبراهيم ابن رسول الله في شهر ربيع الأول سنة عشر ( يونية 631 م )
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتمد على عبد الرحمن بن عوف وإبراهيم يجود بنفسه فلما مات دمعت عينا رسول الله وقال له عبد الرحمن أي رسول الله هذا الذي تنهى الناس عنه متى يرك المسلمون تبكي يبكوا . فلما سريت عنه عبرته قال إنما هذا رحمة وإن من لا يرحم لا يرحم إنما ننهى الناس عن النياحة وأن يتدب الرجل بما ليس فيه . ثم قال لولا أنه وعد جامع وسبيل مئتاء وأن آخرنا لاحق بأولنا لوجدنا عليه وجدا غير هذا وأنا عليه لمحزون تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وفضل رضاعة في الجنة . وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفن إبراهيم في البقيع ( 1 ) . وصلى عليه صلى الله عليه وسلم وكبر أربعا وقد أجمع جماهير العلماء على الصلاة على الأطفال إذا استهلوا ولما دفن أمر برش قربة ماء على قبره . ولما سوى جدثه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى كالحجر في جانب الجدث فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي بإصبعه ويقول " إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه فإنه مما يسلي بنفس المصاب "
وانكسفت الشمس يوم مات إبراهيم فأذاع الناس أن الشمس كسفت حزنا على موت إبراهيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ولا ينكسفان لموت أحد " . قال ذلك لأن الناس لما شاهدوا الكسوف قالوا انكسفت الشمس لموت إبراهيم ولو كان النبي مخادعا أو كاذبا لاستغل هذه الفرصة السانحة وأذاع في طول البلاد وعرضها أن الشمس انكسفت لوفاة ابنه وأن هذه إحدى معجزات النبوة لكنه أبى إلا الصدق وأذاع الحقيقة
قال مسيو در منجم في كتابه حياة محمد ( فصل 21 ) بمناسبة هذا الحادث : " إن محمدا كان واسع العقل فرد على هذه الخرافة الجميلة بقوله ( إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ) وهذه كلمات لا يقولها مخادع "
وهذا ما قلناه لأن المخادع يتعلق بالأوهام ويسارع إلى انتهاز مثل هذه الفرص ولكن النبي كان صادقا في أقواله . صادقا في أفعاله . لا يستند إلى الأكاذيب في رفع شأنه
_________
( 1 ) مقبرة أهل المدينة


بعث علي بن أبي طالب إلى اليمن


- بعث رسول الله علي بن أبي طالب إلى اليمن في شهر رمضان سنة عشر ( ديسمبر سنة 631 م ) فخرج علي في 300 فارس فلما انتهى إلى تلك الناحية فرق أصحابه فأتوا بنهب : غنائم ونساء وأطفال وكانت الغنائم نعما وشاء ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا المسلمين بالنبل والحجارة وخرج منهم رجل من مذحج يدعو إلى المبارزة فبرز إليه الأسود بن خزاعي فقتله الأسود وأخذ سلبه ثم صف علي رضي الله عنه أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان فقتل منهم نحو عشرين رجلا فتفرقوا وانهزموا فكف عن طلبهم قليلا ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام وجمع علي الغنائم فجزأها خمسة أجزاء فكتب على سهم منها لله وأقرع عليها فخرج أو السهام الخمس وقسم على أصحابه بقية المغنم ثم قفل علي رضي الله عنه فوافى النبي بمكة قد قدمها للحج سنة عشر وكان ذلك في الربيع
ملحوظة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا رضي الله عنه إلى اليمن سنة ثمان وهو أول بعث له إلى اليمن بعد فتح مكة وبعثه إلى همدان جميعا فكتب علي إلى رسول الله بإسلامهم فلما قرئ الكتاب خر ساجدا ثم رفع راسه وقال السلام على همدان . أما البعث الثاني فكان رمضان سنة عشر إلى مذحج


0 commentaires:

إرسال تعليق