س159: لو ذكرتم لنا أبرز الفتوحات الإسلامية التي حققها الشيعة في التاريخ؟


ج: لم يفتحوا شبراً واحداً من ديار الكفر، بل سلّموا ما استطاعوا عليه من بلاد المسلمين وعوراتهم للكفار من جميع الديانات، ويشهد لذلك التاريخ، فمن ذلك: ما ذكره بعض شيوخ الشيعة: عن بعض ما فعله شيخهم أبو طاهر القرمطي ببيت الله الحرام، والكعبة المشرفة، وحجاج بيت الله الحرام عام 317هـ.
حيثُ وصل حجاج بيت الله الحرام إلى مكة سالمين، وأتوا من كلٌ فجٌ عميق، فما شعروا إلاّ بأبي طاهر القرمطي قد خرج عليهم يوم التروية، فانتهب أموالهم واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام، وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقاً كثيراً، وجلسَ القرمطي على باب الكعبة، والحجاجُ يُصرعون في حوله والسيوف تُعمل فيهم، وهو يقول:
أنا لله وبالله أنا


يخلق الخلق وأفنيهم أنا

 وأمر القرمطي أن يُدفن القتلى في بئر زمزم، ودفن كثيراً منهم في أماكنهم من الحرم وفي المسجد الحرام، وأمر رجلاً وهدم فيه زمزم وأمر بقلع الكعبة، ونزع كسوتها عنها، وشقّقها بين أصحابه، وأمر رجلاً أن يصعد إلى ميزان الكعبة فيقتلعه، فسقط على أمّ رأسه فمات، فعند ذلك أنكفَّ عن الميزاب.
ثم أمر بأنّ يُقلع الحجر الأسود، فجاء رجل من جنوده فضرب الحجر الأسود بمثقل في يده وهو يقول: أين الطير الأبابيل، أين الحجارة من سجيل، ثمّ قلع الحجر الأسود وأخذوه معهم، فمكث عندهم اثنتين وعشرين سنة، ولم يُحج تلك السنة، حيث مُنع الناس من الوقوف بعرفة([1]).
وأيضاً: ما فعله شيخهم ابن العلقمي وزير الخليفة العباسي المستعصم، وكذا نصير الدين الطوسي، حيث اجتهد ابن العلقمي والطوسي في نقض الجيش الإسلامي، فطردا الكثير من الجيش الإسلامي ببغداد، حتى صار قوامه عشرة آلاف.
وكاتبا التتار، وأطمعاهما في أخذ بغداد، وكشفا لهم ضعف البلاد وعوراتها، ولما جاء جيش التتار، نهى ابن العلقمي الخليفة والمسلمين عن قتالهم، وأنّ التتار ما جاءوا إلاّ لمصالحتهم، وأقنع الخليفة بالخروج إلى التتار ومعه خاصته من أجل الصلح، وأشار ابن العلقمي وأخاه الوسي على التتار بعدم مصالحة المسلمين، بل ويقتل الخليفة ومن معه.
فقُتل الخليفة ومن معه جميعاً، ثم مال التتار على بغداد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان، ولم ينجُ أحدُ من أهل بغداد إلاّ أهل الذمة من اليهود والنصارى؟!
فقتلوا ما يقارب المليون من المسلمين ببغداد، ولم يُر في الإسلام ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المُسمّين بالتتر، وقتلوا الهاشمين وسَبَوا نساءهم من العباسيين وغير العباسيين([2]).
وبعد ذلك نرى شيوخ الشيعة يُجلّون شيخهم ابن العلقمي، وزميله الطوسي ويعدُّون فعلتهم بالمسلمين من عظيم مناقبهم.
فوصف المجلسي شيخه نصير الدين الطوسي بقوله: (وكان الشيخ الأعظم خواجه نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي، وزيراً للسطان هولاكو)([3]).
وقال الخميني: (ويشعر الناس بالخسارة.. بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي وأضرابه ممّن قدّم خدمات جليلة للإسلام)([4]).
وهذه الخدمات،كشفها شيخه الخوانساري من قبله في قوله في ترجمة النصير الطوسي: (ومن جملة أمره المشهور، المعروف المنقول حكاية استيزاره للسطان المحتشم.. هلاكو خان.. ومجيئه في موكب السلطان المؤيد مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد، لإرشاد العباد وإصلاح البلاد.. بإبادة.. ملك بني العباس، وإيقاع القتل العام من أتباع أولئك الطغام، إلى أن أسال من دمائهم الأقذار، كأمثال الأنهار، فأنهار بها في دجلة، ومنها إلى نار جهنم دار البوار)([5]).
وهذا شيخهم الآخر: علي بن يقطين، وزير الخليفة الرشيد، قتل في ليلة واحدة من المسلمين خمسمائة مسلم.
قال شيخهم الجزائري: (إنّ في أخبارهم: أنّ علي بن يقطين، وهو وزير الرشيد، قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين، فأمر غلمانه وهدموا أسقف الحبس على المحبوسين، فماتوا كلهم، وكانوا خمسمائة رجل تقريباً..)([6]).


([1]) انظر: كتاب المسائل العكبرية للمفيد، (ص:84-102).
([2]) مختصر أخبار الخلفاء، (ص:136-137)، لابن الساعي الشيعي، وانظر: أعيان الشيعة لمحسن الأمين (1/305).
([3]) بحار الأنوار (6/106/12)، وانظر: كشف اليقين، (ص:80)، للحسن بن يوسف بن علي المظهر الحلي المتوفى سنة (726هـ.
([4]) الحكومة الإسلامية، (ص:128).
([5]) روضات الجنات في أحوال العلماء السادات، لمحمد باقر الخوانساري المتوفى سنة 1125هـ (6/300-301)، وانظر: وسائل الشيعة للحر العاملي (3/483)، والكنى والألقاب لعباس القمي (1/356).
([6]) الأنوار النعمانية للجزائري (2/308). 

0 commentaires:

إرسال تعليق