- 40 - الدعوة إلى الاسلام خفية


الدعوة إلى الاسلام خفية


- بعد أن نزلت سورة " يا أيها المدثر " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله تعالى وتتابع الوحي . ونزول هذه السورة ابتداء رسالته صلى الله عليه وسلم فهي متأخرة عن نبوته . وصار عليه الصلاة والسلام يدعوالناس إلى الإسلام
خفية ثلاث سنين إلى أن أمر باظهار الدعوة . وكان من أسلم إذا أراد الصلاة ذهب إلى بعض الشعاب ليستخفي بصلاته من المشركين حتى أطلع نفر من المشركين على سعد بن أبي وقاص وهو في نفر من المسلمين يصلون في بعض الشعاب فناكروهم وعابوا عليهم ما يضنعون وقاتلوهم فضرب سعد رجلا منهم فشجه وهو أول دم أهريق في الاسلام . فعند ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه دار الأرقم مستخفين بصلاتهم وعبادتهم إلى أن أمره الله تعالى باظهار الدين . ودار الأرقم هي دار للأرقم بن أبي الأرقم من السابقين في الإسلام وهي في أصل الصفا
وقد أسلم من الصحابة بدعاو أبي بكر عثمان بن عفان . والزبير بن العوام . وعبد الرحمن بن عوف . وسعد بن أبي وقاص . وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا ( 1 ) وهنا يجب أن نذكر شيئا عنهم :


1 - فعثمان بن عفان هوالخليفة الثالث . هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة ويقال له ذو النوريين لأنه تزوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية ثم أم كلثوم بعد وفاة رقية . ولد في السنة السادسة بعد الفيل وقتل شهيدا يوم الجمعة لثمان عشرة خلون من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وهو ابن 90 سنة وكانت خلافته ثنتي عشرة سنة
وفي زمنه كانت عزوة الاسكندرية ثم سابور ثم إفريقية ثم قبرس واصطخر الآخرة وفارس الأولى ثم خوز وفارس الآخرة ثم طبرستان ودار بجرد وكرمان وسجستان ثم الأساورة في البحر وغيرهن ثم مرو
وكان رضي الله عنه حسن الوجه رقيق البشرة كث اللحية أسمر كثير الشعر بين الطويل والقصير وكان محببا من قريش


2 - الزبير بن العوام كان عمره حين أسلم ثمان سنين وهو أحد الستة أصحاب الشورى الذي جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة في أحدهم : عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف . هاجر الزبير إلى الحبشة ثم إلى المدينة وهو أول من سل سيفا في سبيل الله شهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة وحصار الطائف والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد اليرموك وفتح مصر . وكان أسمر ربعة معتدل اللحم خفيف اللحية . وكان الزبير يوم الجمل قد ترك القتال وانصرف فلحقه جماعة من الغواة فقتلوه بوادي السباع بناحية البصرة وقره هناك في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وكان عمره حينئذ سبعا وستين وقيل ستا وثلاثين سنة


3 - عبد الرحمن بن عوف ولد بعد الفيل بعشر سنين قبل دخول رسول الله دار الأرقم . أحد العشرة المشهور لهم بالجنة وأحد الستة الذين هم أهل الشورى الذين أوصى إليهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه بالخلافة . وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد مع رسول الله بردا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وسائر المشاهد . وجرح يوم أحد إحدى وعشرين جراحة وجرح في رجله وسقطت ثنيتاه . وكان كثير الإنفاق في سبيل الله . أعتق في يوم أحدا وثلاثين عبدا . وكان كثير المال محظوظا في التجارة . وكان أبيض مشربا بحمرة حسن الوجه رقيق البشرة أعين أهدب الأشفار أقنى له جمة . ضخم الكفين غليظ الأصابع لا تغير بشعره . توفي سنة ثنتين وثلاثين وهو ابن ثنتين ودفن بالبقيع


4 - سعد بن أبي وقاص وكان عمره حين أسلم تسع عشرة سنة وهو أحد العشرة وأحد الستة أصحاب الشورى وهو أول من رمى بسهمه في سبيل الله وأول من أراق دما في سبيل الله . هاجر إلى المدينة قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها . شهد مع رسول الله بدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد . وكان يقال له فارس الإسلام . وأبلى يوم أحد بلاء شديدا وكان مجاب الدعوة . واستعمله عمر بن الخطاب على الجيوش التي بعثها إلى بلاد الفرس وهو كان أمير الجيش الذي هزم الفرس بالقادسية وبجلولاء وغنمتهم وفتح مدائن كسرى وبني الكوفة وولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه العراق . ورمى سعد يوم أحد ألف سهم . ولما قتل عثمان رضي الله عنه اعتزل سعد الفتن فلم يقاتل في شيء من تلك الحروب . توفي سنة خمس وخمسين بقصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة ودفن بالبقيع وكان آدم طوالا ذا هامة


5 - طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة الخير وطلحة الجود وهو من المهاجرين الأولين . لم يشهد بدرا وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد . قتل يوم الجمل لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وكان عمره أربعا وستين سنة وقبره بالبصرة مشهور يزار ويتبرك به
هذا الجزء يسير من تراجم الخمسة الذين أسلموا بدعاء أبي بكر وهم من الرجال الذي ذاع صيتهم في الإسلام لما قاموا به من جلائل الأعمال وقد أسلم بعد هؤلاء أبو عبيدة بن الجراح واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم وعثمان بن مظعون وأخواه قدامة وعبد الله ابنا مظعون وعبيدة بن الحارث وسعيد بن زيد وامرأته فاطمة بنت الخطاب وأسماء بنت أبي بكر وعائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة وخباب بن الأرت حيف بني زهرة وعمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود ومسعود بن القاري وهو مسعود بن ربيعة وسليط بن عمرو وأخوه حاطب بن عمرو وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة وامرأته أسماء بنت سلامة وخنيس بن حذافة بن قيس وعامر بن ربيعة وعبد الله بن جحش وأخوه أبو أحمد بن جحش وجعفر بن أبي طالب وامرأته أسماء بنت عميس بن النعمان وحاطب بن الحارث . وغيرهم إلى آخر من ذكرهم ابن هشام في سيرته فليراجعهم من شاء
قدمنا أن عثمان بن عفان قد أسلم أجابة لدعوة أبي بكر لكن الأستاذ مرجوليث في كتابه محمد ( 2 ) يزعم أن سبب اسلامه أنه كان يحب رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويريد أن يتزوجها . فلما بلغه أنها خطبت لغيره حزن وأخبر أبا بكر بما بلغه وصادف مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسر أبو بكر كلمات في أذن رسول الله وبذلك انتهى الأمر وأسلم عثمان وتزوج رقية ولم يذكر لنا مستر مرجوليث المصدر الذي استقى منه هذا الخبر بخلاف عادته في تأليفه والراجح أنه من ظنونه وأوهامه التي يدسها للطعن على الإسلام والمسلمين ثم تعرض بعد ذلك إلى خالد بن سعيد وسبب اسلامه . ذلك أن خالدا كان من السابقين إلى الإسلام فكان ثالثا أو رابعا وقيل كان خامسا في الإسلام وسبب اسلامه أنه رأى في النوم أنه وقف على شفير النار فذكر من سعتها ما الله أعلم به وكأن أباه يدفعه فيها ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بحقويه لا يقع فيها ففزع وقال : أحلف أنها لرؤيا حق ولقى أبو بكر رضي الله عنه فذكر ذلك له . فقال له أبو بكر أريد بك خير . هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه فإنك ستتبعه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع في النار وأبوك واقع فيها فلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد . فقال : يا محمد إلى من تدعو ؟ قال : أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يدري من عبده ممن لم يعبد . قال خالد فأنى أشهد أنلا إله إلا الله واشهد أنك رسول الله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه . وبعد أن ذكر الأستاذ مرجوليث رؤيا خالد باختصار وتعبير أبي بكر لها وأن هذه الرؤيا كانت سبب اسلام خالد بن سعيد تساءل هل الناس حقيقة يحلمون هكذا ؟ لكنه قال " إن فلاماريون وميرز ( Flammarion and Myers ) يجيبان نعم أنهم يرون مثل ذلك " وهما من العلماء المشهورين . المدهش أن الأستاذ مرجوليث لا يعلم أن الناس يرون أحلاما هكذا مع اقرار علماء النفس في أوربا وأمريكا بذلك والأحلام على العموم شائعة بين الناس . وليست رؤيا خالد من الأحلام المستغربة حتى يشك فيها مثل مرجوليث . أما إذا كان الشك لغرض فهذا أمر آخر
_________
( 1 ) كان كل من أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بزازا وكان الزبير جزارا وسعد بن أبي وقاس يصنع النبل
( 2 ). S Margliouth  -  Mohammed    Page 97

0 commentaires:

إرسال تعليق