- 81 - غزوة بدر الثانية أو غزوة بدر الكبرى


غزوة بدر الثانية أو غزوة بدر الكبرى


- بدر بلدة بالحجاز إلى الجنوب الشرقي من الجار وهو ساحل البحر بينما نحو مرحلة ويسمونها بدر حنين وهي في سهل يليه في الشمال إلى الشرق جبال وعرة ومن الجنوب آكام صخرية ومن الغرب كثبان رملية
كانت غزوة بدر الكبرى يوم الجمعة في شهر رمضان في السابع عشرة على رأس
تسعة عشر شهرا من الهجرة ( يناير سنة 624 م ) وكان سببها قتل عمرو الحضرمي واقبال أبي سفيان بن حرب من الشام في عير لقريش عظيمة وفيها أموال كثيرة ومعها ثلاثون أو أربعون رجلا من قريش منهم مخرمة بن نوفل الزهري وعمرو بن العاص
فلما سمع بهم رسول الله ندب المسلمين إليهم وقال هذه عير قريش فيها أموال فأخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم لأنهم ظنوا أن الرسول لا يلقى حربا
وكان أبو سفيان قد سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريده فحذر واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري بعشرين مثقالا وبعثه إلى مكة يستنفر قريشا ويخبرهم الخبر فسار وألقى فيهم النفير فخرجوا مسرعين ومن تخلف أرسل مكانه آخر ولم يتخلف أحد من أشراف مكة إلا أبو لهب وبعث مكانه العاص بن هشام نظير أجر قدره 40 . 000 درهم وكان السبب في خروجهم حماية العير وانقاذها


قوة قريش


- كان الذين خرجوا من قريش نحو 1000 منهم 600 دارع ومعهم 100 فرس عليها 100 درع سوى دروع المشاة
وكان حامل لوائهم السائب بن يزيد ثم أسلم رضي الله عنه وهو الأب الخامس للامام الشافعي رضي الله عنه
وكان معهم أيضا 700 بعير . وخرجوا ومعهم القيان ومعهم القيان وهن الأماء المغنيات يضربن بالدفوف يغنين بهجاء المسلمين وهم في غاية البطر والخيلاء حين خروجهم اعتمادا على كثرة عددهم وعددهم قال تعالى : { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله . والله بما يعملون محيط }
وكان المطعون لهذا الجيش اثني عشر رجلا . وكان كل واحد منهم ينحر كل يوم عشرة جزر وهؤلاء الأثنا عشر هم : أبو جهل . وعتبة وشيبة ابنا ربيعة . وحكيم بن حزام . والعباس بن عبد المطلب . وأبو البختري . وزمعة بن الأسود . وأبي بن خلف . وأمية بن خلف . والنضر بن الحارث . ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وفيهم أنزل الله تعالى : { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونه ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون }


قوة المسلمين


- كان عدة الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم 313 . وقيل لما عد صلى الله عليه وسلم أصحابه فوجدهم ثلاثمائة وثلاثة عشر فرح . وقال : عدة أصحاب طالوت الذي جازوا معه النهر . وخرجت معه الأنصار ولم تكن قبل ذلك خرجت معه . ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج لبس درعه ذات الفضول وتقلد سيفه العضب
وتخلف ثمانية من أصحابه صلى الله عليه وسلم بسهامهم وأجورهم : ثلاثة من المهاجرين : عثمان بن عفان خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مرضة فأقام عليها حتى ماتت . وطلحة بن عبيد الله . وسعيد بن زيد بعثهما يتجسسان خبر العير وخرجا في طريق الشام
وخمسة من الأنصار : أبو لبابة بن عبد المنذر الأوسي خلفه على المدينة . وعاصم بن عدي العجلاني خلفه على أهل العالية . والحارث بن حاطب العمري رده من الروحاء إلى بني عوف لشيء بلغه عنهم . والحارث بن الصمة كسر بالروحاء . خوات بن جبير كسر أيضا . وهؤلاء ثمانية لا اختلاف فيهم . وكانت الإبل سبعين يتعاقب النفر البعير . وكانت الخيل فرسين فرس للمقداد بن عمرو . وفرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوى . وكان اللواء مع مصعب بن عمير . وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان احداهما مع علي بن أبي طالب يقال لها العقاب والأخرى مع بعض الأنصار وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة الأنصاري فكانت قوة المسلمين قليلة بالنسبة لقوة عدوهم


رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه


- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلين يتجسسان أخبار عير أبي سفيان وهما بسبس بن عمير وعدي بن أبي الزغباء فمضيا حتى نزلا بدرا فأناخا إلى تل قريب من الماء وأخدا يستقيان من الماء فسمعا جارتين تقول احداهما لصاحبتها ان أتاني العير غدا أو بعد غد أعمل لهم أي أخدمهم ثم أقضيك الذي لك . فانطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما سمعا
فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلب العير وفي حرب النفير يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم خير أصحابه بين أن يذهبوا للعير أو إلى محاربة النفير وأخبرهم بمسير قريش . وقال لهم : إن الله وعدكم احدى الطائفتين : أما العير وأما قريش . وكان العير أحب إليهم ليستعينوا بما فيها من الأموال على شراء الخيل والسلاح . وقال بعضهم هلا ذكرت لنا القتال حتى نتأهب له إنا خرجنا للعير . وفي رواية يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتكلم المهاجرون فأحسسوا ثم استشارهم فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن
وكان صلى الله عليه وسلم يخشى أن تكون الأنصار لا ترى وجوب نصرته عليها الا ممن دهمه فجأة من العدو بالمدينة فقط وان ليس عليهم أن يسير بهم من بلادهم إلى عدو . فلما قال لهم أشيروا علي . قال : له سعد بن معاذ رضي الله عنه وهوسيد الأوس بل هو سيد الأنصار . وكان فيهم كالصديق رضي الله عنه في المهاجرين . قال والله لكأنك تريدنا يا رسول الله . قال : أجلز قال قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ماجئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودا ومواثيق على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك الحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا . انا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء . لعل الله يريط فينا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله . فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله ونشطه ذلك للقاء الكفار . ثم قال رسول الله سيرواعلى بركة الله وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين أما العير وإما النفير


الخلاف بين أبي سفيان وأبو جهل


- كان أبو سفيان قد ساحل وترك بدرا ثم أسرع فنجا فلما رأى أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش بالجحفة أن الله قد نجى عيركم وأموالكم فاجعوا
فقال أبو جهل والله لانرجع حتى ترد بدرا ( وكانت بدر موسما من مواسم العرب تجتمع لهم بها سوق كل عام ) فنقيم بها ثلاثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسق الخمر فتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا . ويقال كان أبو جهل وقتئذ يبلغ من العمر سبعين سنة
فلما بلغ أبا سفيان كلام أبي جهل قال : هذا بغى والبغي منقصة وشؤم لأن القوم انما خرجوا لنجاة أموالهم وقد نجاها الله . ولما قال أبو جهل ما قال رجع من قريش بنو زهرة وكانوا نحو المائة وقيل ثلاثمائة فلذا قيل لم يقتل أحد منهم بدر . وكان قائد بني زهرة الأخنس بن شريق الثقفي وكان حليفا لهم . فقال لهم : يا بني زهرة قد نجى الله أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل فإنه كان في العير وإنما نفرتم لتمنعوه وماله فارجعوا فإنه لا حاجة لكم أن تخرجوا في غير منفعة دعوا ما يقول هذا يعني أبا جهل وكذلك لم يخرج من قريش بنو عدي بن كعب فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد . لكن هذا الخلاف لم يمنع نشوب الحرب


مسير الجيشين ونزول المطر


- مضت قريش حتى نزلت بالعدوة ( 1 ) القصوى من الوادي
ونزل المسلمون على كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب . وسبقهم المشركون إلى ماء بدر فأحرزوه وحفروا القلب لأنفسهم ليجعلوا فيها الماء من الآبار المعينة فيشربوا منا يسقوا دوابهم
وأدرك المسلمين النعاس وأصبحوا لا يصلون إلى الماء للشرب والغسل والوضوء . فأرسل الله عليهم مطرا سال منه الوادي فشرب المسلمون واتخذوا الحياض على عدوة الوادي واغتسلوا وتوضأوا وسقوا الركاب وملأوا الاسقية وأطفأت المطر الغبار ولبد الأرض حتى ثبتت عليها الأقدام والحوافر وضر ذلك بالمشركين لكون أرضهم كانت سهلة لينة وأصابهم مالا يقدرون معه على الأرتحال وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله { إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم و يثبت الأقدام }
وباب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه . ويصلي تحت شجرة ويكثر في سجوده " يا حي يا قيوم " يكرر ذلك حتى أصبح
قال علي رضي الله عنه فلماأن طلع الفجر نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عباد الله فجاء الناس من تحت الشجر والحجف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خطب وحض على القتال
_________
( 1 ) العدوة جانب الوادي والقصوى البعدى


بناء حوض على القليب


- قال ابن اسحق خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر فنزل به فقال الحباب بن المنذر بن الجموح رضي الله عنه يا رسول الله هذا منزل أنزلكه الله تعالى لا تتقدمه ولا تتأخره عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة . فقال بل هو الرأي والحرب والمكيدة . قال فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فإني اعرف غزارة مائه فننزل به ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون . فقال صلى الله عليه وسلم اشرت بالرأي . فنهض صلى الله عليه وسلم ومعه من الناس حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية وقد كان الخباب خبيرا بالآبار في تلك الجهة وقد قبل رسول الله مشورته وهي فكرة سديدة لها أهمية حربية فإن الجيش يكون على إتصال دائم بالماء الذي لا غنى عنه


بناء العريش


- وبعد ذلك قال سعد بن معاذ رضي الله عنه يا رسول الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه وندع عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ولو ظنوا أنك نلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعكم الله بهم يناصحوك ويجاهدون معك . فأثنى عليه صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير وقال يقضى الله خيرا من ذلك يا سعد . ثم بنى له ذلك العريش فوق تل مشرف على المعركة فدخله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقام سعد بن معاذ متوشحا بالسيف
وعن علي رضي الله عنه انه قال اخبروني من أشجع الناس . قالوا أنت . قال اشجع الناس أبو بكر رضي الله عنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوى إليه أحد من المشركين فكان أبو بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما دنا منه أحد إلا وأبو بكر رضي الله عنه شاهر بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوي أحد إليه إلا هوى إليه أبو بكر رضي الله عنه . وجاء أن لما التحم القتال وقف أيضا على باب العريش سعد بن معاذ رضي الله عنه وجماعة من الأنصار . والعريش شيء يشبه الخيمة يستظل به وكان من جريد . قال السيد السمهودي ومكانه ( العريش ) عند مسجد بدر وهو معروف عند النخيل والعين قريبة منه


عتبة بن ربيعة ينصح قريشا بالرجوع


- تقدم قبل ذلك أن أبا سفيان كان من رأيه الرجوع لنجاة عير قريش وأموالها وأن أبا جهل كان مصمما على الحرب . فلما اطمأنت قريش بالجهة التي نزلوا فيها ارسلوا عمير بن وهب الجمحي يستطلع فجال بفرسه حول عسكر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد أنهم يبلغون ثلاثمائة رجل يزيدون أو ينقصون وقال لهم لقد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا . رجال يثرب تحمل الموت الناقع ألا ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي لا يريدون أن يقبلوا إلى أهليهم زرق العيون كأنهم الحصى تحت الحجف . قول ليس لهم منعة إلا سيوفهم . والله ما نرى أن نقتل منهم رجلا حتى يقتل رجل منكم فإذا أصابوا منكم عدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم . فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة . فقال : يا أبا الوليد إنك كبير قريش والمطاع فيها هل لك أن تذكر بخير إلى آخر الدهر ؟ فقال : وما ذاك يا حكيم ؟ قال : ترجع بالناس . فقام عتبة خطيبا . فقال : يا معشر قريش والله ما تصنعون شيئا أن تلقوا محمدا وأصحابه لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قد قتل ابن عمي أو ابن خالي أو رجلا من عشيرتي . فارجعوا وخلوا محمد وسائر العرب فإن أصابه غيركم فذاك إذا أردتم وإن كان غير ذلك ولم تعدموا منه ما تريدون . يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة وأنتهم أني لست بأجبنكم
فلما بلغ أبا جهل هذا الكلام عن عتبة رماه بالجبن . وقال : ( والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ) فأفسد أبو جهل على الناس رأي عتبة
تعديل صفوف المسلمين ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما أصبح المسلمون عدل النبي صلى الله عليه وسلم صفوف أصحابه وأقبلت قريش ورآها صلى الله عليه وسلم فقال :
اللهم هذه قريش اقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك . اللهم فنصرك الذي وعدتني


اقتحام الحوض


- خرج الأسود المخزومي وكان شرسا سيء الخلق . فقال أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه . فلما أقبل قصده حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فضربه دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما ثم اقتحم الحوض زاعما أن تبر يمينه فقتله حمزة في الحوض . والأسود هذا هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي أخو عبد الله بن عبد الأسد المخزومي رضي الله عنه زوج أم سلمة رضي الله عنها . وهو أول قتيل قتل يوم بدر من المشركين وهو أول من يأخذ كتابه بشماله يوم القيامة . وأما أخوه عبد الله بن عبد الأسد فهو أول من يأخذ كتابه بيمينه كما جاء ذلك في أحاديث متعددة


المبارزة


- التمس عيبة بن ربيعة بيضة أي خوذة يدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسع راسه لعظمها فتعمم ببردة له ( 1 ) خرج عتبة بعد أن تعمم بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة حتى انفصل من الصف ودعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار وهما عوف ومعاذ ابنا الحارث الأنصاريان وعبد الله بن رواحة الأنصاري . فقالوا لهم من أنتم ؟ قالوا رهط من الأنصار . قالوا : ما لنا بكم من حاجة إنما نريد قومنا ونادى مناديهم يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فناداهم أن أرجعوا إلى مصافكم وليقم إليهم بنو عمهم . ثم قال صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث . قم يا حمزة . قم يا علي فبارز عبيدة وكان أسن المسلمين عتبة وكان أسن الثلاثة وبارز حمزة شيبة وبارز علي الوليد بن عتبة فقتل حمزة شيبة وعلي الوليد واختلف عبيدة وعتبة ضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا عبيدة فحاذياه إلى أصحابه . وكانت الضربة التي أصابت عبيدة في ركبته فمات منها لما رجعوا بالصفراء
_________
( 1 ) قد كان المشركون مجهزين بأسلحة تفوق أسلحة المسلمين فدروع المسلمين كانت قليلة والظاهر أنه لم تكن لديهم خوذ في حين أن المشركين كانوا يضعون خوذا على رؤوسهم تقيهم النبال والسيوف


تعديل صفوف المسلمين والحث على الجهاد


- قال ابن اسحاق لما قتل المبارزون خرج صلى الله عليه وسلم من العريش لتعديل الصفوف فعدلهم بقدح في يده ( 1 ) فمر صلى الله عليه وسلم بسواد بن غزية حليف النجار وهو خارج من الصف فطعنه صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح وقال : " استو يا سواد " فقال : يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني من نفسك ( 2 ) فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال : استقد فاعتنق سواد النبي صلى الله عليه وسلم وقبل بطنه . فقال : ما حملك على هذا يا سواد ؟ فقال : يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك . فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير ( 3 ) ثم لما عدل الصفوف قال لهم : " إن دنا القوم منكم فانصحوهم واستبقوا نبلكم ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم " وخطبهم خطبة حثهم فيها على الجهاد والمصابرة ثم عاد إلى العريش
_________
( 1 ) سهم لا نصل فيه ولا ريش
( 2 ) أي مكني من القود أي القصاص
( 3 ) قال صاحب أسد الغابة : " رويت هذه القصة لسواد بن عمرو لا لسواد بن غزية "


ألوية المسلمين والمشركين


- كان لواء رسول الله الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ولواء الأوس مع سعد بن معاذ وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعار المهاجرين " يا بني عبد الرحمن " وشعار الأنصار " يا بني عبد الله " وشعار الأوس " يا بني عبيد الله " . ويقال بل كان شعار المسلمين جميعا يومئذ " يا منصور أمت "
وكان مع المشركين ثلاثة ألوية . لواء مع ابي عزيز بن عمير ولواء مع النضر بن الحارث . ولواء مع طلحة بن أبي طلحة وكلهم من بني عبد الله


تزاحف الناس والتحام القتال


- بعد أن عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وأقبل نفر من قريش حتى وردوا حوضه صلى الله عليه وسلم فقال دعوهم فما شرب منه رجل يومئذ إلا قتل إلا حكيم بن حزام فإنه أسلم . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحملوا على المشركين حتى يأمرهم وكان صلى الله عليه وسلم قد أخذته سنة من النوم فاستيقظ وقد اراه إياهم من منامه قليلا فأخبر أصحابه فكان تثبيتا لهم ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض المؤمنين وأخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريش وقال شاهدت الوجوه ونفخهم بها ثم أمر أصحابه فقال شدوا فكانت الهزيمة
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في العريش يوم بدر اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم أن تعلك هذه العصابة اليوم فلا تعبد وفي رواية أن تهلك هذه العصابة من أهل الإيمان اليوم فلا تعبد في الأرض
وروى النسائي والحاكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قاتلت يوم بدر شيئا من قتال ثم جئت لاستكشاف حال النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده " يا حي يا قيوم " لا يزيد على ذلك فرجعت فقاتلت ثم جئت فوجدته كذلك فعل ذلك أربع مرات وقال في الرابعة ففتح عليه
لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر . وقال والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن " بخ . بخ . ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء . ثم ألقى التمرات من يده وقاتل حتى قتل . ورمي مهجع مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل فكان أول قتيل . ثم رمي حارثة بن سراقة الأنصاري فقتل . وقاتل عوف بن العفراء حتى قتل . واقتتل الناس اقتتالا شديدا فانهزم المشركون فقتل من قتل منهم وأسر من أسر . كان بدء القتال في الصباح وكانت الهزيمة في الظهر . وقتل عمرو بن الحمام فكان أول قتيل من الأنصار
وفي يوم بدر دعا أبو بكر الصديق ابنه عبد الرحمن إلى المبارزة وكان أسن أولاده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " متعنا بنفسك أما علمت أنك مني بمنزلة سمعي وبصري " ثم أسلم عبد الرحمن في هدنة الحديبية
وقتل أبو عبيدة بن الجراح أباه وكان مشركا
وقتل بلال أمية بن خلف الجمحي صديق عبد الرحمن بن عوف في الجاهلية لأنه كان يعذبه بمكة على أن يترك الإسلام ( 1 ) . وكان ابن عفراء ضرب أبا جهل حتى أثبته وقطع ابن الجموح رجله . فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ا لناس بأن يلتمسوا أبا جهل في القتلى خرج معهم عبد الله بن مسعود فوجده وهو بآخر رمق فوضع رجله على عنقه وحز رأسه وحمل رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد القاء الرأس بين يديه خرج يمشي مع ابن مسعود حتى أوقفه على أبي جهل . فقال : الحمد لله الذي أخزاك يا عدو رسول الله . هذا كان فرعون هذه الأمة ورأس قاعدة الكفر قال ابن مسعود ونفلني سيفه وكان قصيرا عريضا فيه قبائع فضة وحلق فضة
_________
( 1 ) راجع تعذيب المسلمين في هذا الكتاب


امداد المسلمين بالملائكة يوم بدر


- وردت الآيات والأحاديث على أن الله تعالى أمد المسلمين بالملائكة يوم بدر فقاتلوا معهم . فلما انقضى أمر بدر أنزل الله عز وجل فيه من القرآن سورة الأنفال فمما أنزل خاصا بالملائكة قوله تعالى { إذ تستغثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألفس من الملائكة مردفين . وما جعله الله إلا بشرى وضلتطمئن به قلبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم }
وقوله تعالى : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان }
وقال تعالى في سورة آل عمران : { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرن . إذء تقل للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف منض الملائكة منزلين . بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتكثم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم }
وجاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال . قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب


سيما الملائكة يوم بدر


- كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد ارسلوها خلف ظهورهم إلا جبريل عليه السلام فإنه كان عليه عمامة صفراء . وقيل حمراء . وقيل بعض الملائكة كانوا بعمائم صفر . وبعضهم بعمائم بيض . وبعضهم بعمائم سود . وبعضهم بعمائم حمر
وعن ابن مسعود رضي الله عنه كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر
وكان الزبير بن العوام رضي الله عنه يوم بدر متعمما بعمامة صفراء وكانت خيل الملائكة بلقا مسومة ( 1 )
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الغمام ظلل بني اسرائيل في التية هو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر
_________
( 1 ) مزينة


القاء القتلى في القليب


- أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى من المشركين أن ينقلوا من مصارعهم وأن يطرحوا في القليب فطرحوا في القليب إلا ما كان أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأه فذهبوا ليحركوه فتقطعت أوصاله فألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة . والسبب في القاء قتلى المشركين في القليب كثرة حيفهم . فكان جرهم في القليب أيسر من دفنهم
ولما ألقوا في القليب وقف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم أمنتكم فكذبتموني وصدقني الناس . ثم قال : يا عتبة يا شيبة يا أمية بن خلف يا أبا جهل بن هشام ( وعدد من كان في القليب ) هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا . فقال له أصحابه أتكلم قوما موتى ؟ ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني


الأسرى وفداؤهم


- كان فداء الأسرى أربعة آلاف إلى ما دون ذلك . فكان يفادي بهم على قدر أموالهم . وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون فمن لم يكن له فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة فعلمهم فإذا حذقوا فهو فداؤه . فكان زيد بن ثابت ممن علم ( 1 )
وكان من بين الأسرى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه ويكنى أبا الفضل بابنه الفضل . وكان أسن من رسول الله بسنتين . وقيل بثلاث سنين . وكان في الجاهلية رئيسا في قريش وغليه عمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية . خرج مع المشركين يوم بدر فأسر وشد وثاقه فسهر النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ولم ينم . فقال له بعض أصحابه : ما يسهرك يا نبي الله ؟ فقال أسهر لأنين العباس فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي لا أسمع أنين العباس . فقال الرجل أنا أرخيت من وثاقه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فافعل ذلك بالأسرى كلهم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم افد نفسك يا عباس وابني أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث ابن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو بمائة أوقية وكل واحد بأربعين أوقية . فقال للنبي صلى الله عليه وسلم تركتني فقير قريش ما بقيت . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين المال الذي دفعته لأم الفضل ( 2 ) وقلت لها إن أصبت فهذا لبني : الفضل وعبد الله وقثم ؟ فقال والله إني أشهد أنك رسول الله إن هذا شيء ما علمه إلا أنا وأم الفضل . أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله
وفي رواية قال للنبي صلى الله عليه وسلم لقد تركتني فقيرا ما بقيت . فقال له كيف تكون فقير قريش وقد استودعت بنادق الذهب أم الفضل وقلت لها إن قتلت فقد تركته غنية ما بقيت . فقال أشهد أن الذي تقوله قد كان وما اطلع عليه إلا الله . ونطق بالشهادة بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد قيل أن العباس كان قد أسلم . وكان يكتم اسلامه . فقد جاء في بعض الروايات أن العباس رضي الله عنه قال علام يؤخذ منا الفداء وكنا مسلمين ؟ وفي رواية وكنت مسلما ولكن القوم استكرهوني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم اعلم بما تقول فإن يك حقا فإن الله يجزيك . ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا . وقد أنزل الله في العباس رضي الله عنه : { يايها النبي قل لمن في أيديكثم من الأسرى إن يعلم الله في قلبكم خيراص يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم ( 3 ) } وعند نزول هذه الآية قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم ورددت أنك كنت أخذت مني أضعاف ما أخذت . وقد صدق الله وعده له فأعطاه الله مالا عظيما حتى كان عنده مائة عبد في يد كل عبد مال يتاجر فيه . وبلغ ما دفعته قريش فداء للأسرى أكثر من ( 20 . 000 ) درهم
وكان الأسرى : النضير بن الحارث العبدري وكان أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم . وكان يقول في القرآن أنه أساطير الأولين . ويقول لو شئنا لقلنا مثل هذا وغير ذلك من الأقاويل . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فضرب عنقه . فلما بلغ الخبر أخته قتيلة وقيل أنما هي بنته ورثته بأبيات ثم أسلمت . وفي أسد الغابة أن قتيلة بنت النضر . قال الواقدي هي التي قالت الأبيات التالية في رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قتل أباها النضر بن الحارث يوم بدر وهي :
يا راكبا إن الأثيل مظنة ... من صبح خامسة وأنت موفق
أبلغ بها ميتا بأن تحية ... ما أن تزال بها النجائب تخفق
مني إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بواكفها وأخرى تخنق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقق
قسرا يقاد إلى المنية معتبا ... رسف المقيد وهو عان موثق
أمحمد أولست صفو نجيبة ... من قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق
فالنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان العتق يعتق
وحين سمع النبي صلى الله عليه وسلم بكى وقال لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه ( 4 )
وكان من الأسرى أيضا عتبة بن أبي معيط بن ذكوان المكنى بأبي عمرو بن أمية بن عبد شمس . وكان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم ومن المستهزئين به . جاء عن ابن عباس أن عقبة لما قدم للقتل نادى يا معشر قريش ما لي أقتل بينكم صبرا ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بكفرك واجترائك على الله ورسوله . وعقبة هذا هو الذي وضع سلال الجزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد
فالنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط هما الأسيران اللذان أمر صلى الله عليه وسلم بقتلهما أما سائر الأسرى فقد استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرهم أبا بكر وعمر وعليا رضي الله عنهم فيما هو الأصح من الأمرين القتل أو أخذ الفداء
_________
( 1 ) راجع طبقات ابن سعد
( 2 ) يعوني زوجته
( 3 ) سورة الأنفال
( 4 ) أي لقبل شفاعتها عنده فلا ينافي أن ما فعله حق


رأي أبي بكر رضي الله عنه في الأسرى


- قال أبو بكر يا رسول الله . أهلك وقومك وفي رواية هؤلاء بنو العم والعشيرة والأخوان قد أعطاك الله الظفر بهم ونصرك عليهم أرى أن تستبقيهم وتأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى الله أن يهديهم بك فيكونون من عضدا


رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه


- قال يا رسول الله قد كذبوك وأخرجوك وقاتلوك ما أرى م رأى أبو بكر . ولكني أرى أن تمكنني من ( فلان ) قريب لعمر فاضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل أخيه فيضرب عنقه وتمكن حمزة من العباس أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم أنه ليس في قلوبنا رحمة على المشركين هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم . وعلى كل حال كان رأي عمر ضرب أعناق الأسرى فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما علي رضي الله عنه فلم يذكر عنه جواب مع أنه أحد الثلاثة المستشارين . قال العلامة الزرقاني لأنه لما رأى تغير المصطفى صلى الله عليه وسلم حين اختلف الشيخان لم يجب أو لم تظهر له مصلحة حتى يذكرها
وكان رأي عبد الله بن رواحة احراقهم في واد كثير الحطب
لكن رسول الله أخذ برأي أبي بكر رضي الله عنه . وقال لا يفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق . وأنزل الله تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخشن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم } فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم ولو نزل العذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب . ولم يقل وابن رواحة لأنه أشار باضرام النار وليس بشرع
وهذه الآية لرأي عمر رضي الله عنه . وهذا من المواضع التي جاء القرآن فيها موافقا لقول عمر رضي الله عنه وهي كثيرة نحو بضع وثلاثين أفردت بالتأليف
ولما استقر الأمر على الفداء فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى في أصحابه . وكان أول أسير فدى أبو وداعة الحارث . فداه ابنه المطلب ( وكان كيسا تاجرا ) بأربعة آلاف درهم ثم أسلم وقد عده بعضهم من الصحابة . وعند ذلك بعثت قريش في فداء الأسارى . وكان الفداء فيهم على قدر أموالهم وكان من أربعة آلاف درهم إلى ثلاثة إلى ألفين إلى ألف
وكان من الأسرى أبو العاص بن الربيع فإنه أسلم بعد ذلك وهو زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها . وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد رضي الله عنها أخت خديجة أم المؤمنين . ولم يكن في ذلك الوقت تزوج الكافر بالمسلمة محرما وإنما حرم ذلك بعد لأن الأحكام إنما شرعت بالتدريج
وقدمت زينب المدينة بعد شهر من بدر . وقد جاء بها زيد بن حارثة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلم زوجها وهاجر وردها إليه صلى الله عليه وسلم بغير عقد بل بالنكاح الأول . وقيل عقد عليها قعد آخر وولدت له ( أمامة ) التي كان يحملها صلى الله عليه وسلم على ظهره وهو يصلي . ثم لما كبرت تزوجها علي رضي الله عنه بعد خالتها فاطمة رضي الله عنها بوصية من فاطمة لعلي بذلك
ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من الأسرى بغير فداء منهم أبو عزة عمرو الجمحي الشاعر . وقد كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين بشعره . فقال : يا رسول الله إني فقير وذو عيال وحاجة قد عرفتها فأمنن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلقه وأخذ عليه عهدا أن لا يظاهر عليه أحدا . ولما وصل إلى مكة قال سحرت محمدا ورجع لما كان عليه من الإيذاء بشعره ولما كان يوم أحد خرج مع المشركين يحرض على قتال المسلمين بشعره فأسر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه . فقال : اعتقني وأطلقني فإني تائب . فقال صلى الله عليه وسلم " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " فضربت عنقه وحمل رأس إلى المدينة وأنزل الله فيه { وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم }


تأثير الإنتصار في المدينة


- كان لنبأ الإنتصار تأثير عظيم في النفوس فخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عدو بالمدينة وحولها وأسلم كثير من اليهود منهم عبد الله بن أبي لكنه لم يكن مخلصا في إسلامه بل ظل منافقا . ومع إنتصار المسلمين في بدر لم تنقطع معارضة اليهود ودسائسهم فكان لا بد من القضاء عليهم واستئصال شأفتهم . وقد كان المنافقون من الرجال ثلاثمائة ومن النساء سبعين وكانوا يؤذونه صلى الله عليه وسلم إذا غاب ويتملقون له إذا حضر
ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد بن رواحة بشيرا لأهل العالية ( 1 ) وزيد بن حارثة بشيرا لأهل السافلة بما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين
_________
( 1 ) هو موضع قريب من المدينة


رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة


- لما قارب رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة خرج المسلمون للقائه بما فتح الله عليه فتلاقوا معه بالروحاء وتلقته الولائد عند دخوله المدينة يلقن :
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع


وقع خبر الإنتصار على قريش


- سمعت قريش خبر انتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن رجع منهم من ساحة القتال ( 1 ) وقص أبو سفيان ما رأي علي أبي لهب ففقد رشده وضرب أبا رافع ضربا مبرحا ولم يعش بعدها أبو لهب إلا سبع ليال ومات مصابا بالجدري وبقي بعد موته ثلاثة أيام لا يقرب أحد منه خوفا من العدوى . ولما تحققت قريش خبر الهزيمة وما أصابهم من قتل وأسر ناحت على قتلاها شهرا وجز النساء شعورهن . ثم اتفقوا على عدم الاسترسال في الجزع لئلا يشمت بهم المسلمون وتواصوا على الأخذ بالثار
_________
( 1 ) قال الكلبي أن الحيسمان بن اياس هو الذي جاء بقتل أهل بدر إلى مكة وكان شهد بدرا مع المشركين ثم اسلم


أسباب انتصار المسلمين في موقعة بدر


- ليست موقعة بدر من الوقائع الكبيرة من حيث عدد جيوش المتحاربين واستعدادهم الحربي فإن عدد المسلمين كان نحو 300 يقابلهم نحو ألف من أهل مكة ولكنها موقعة مهمة لأنها كانت بمثابة الحجر الأساسي في إنتصار الرسول في الوقائع المقبلة . في هذه الموقعة انهزم أهل مكة وظهر ضعفهم في القتال على كثرة عددهم وفرسانهم وقد أبدى بعض المؤرخين استغرابه لما أصاب أعداء المسلمين من الفشل مع أنهم كانوا أكثر منهم عددا وكان معهم مائة فرس وسبعمائة بعير ومع ذلك لم يكتسحوهم أمامهم بفرسانهم وركبانهم بل ولوا هاربين والظاهر أن المسلمين كانوا أحسن نظاما فقد عدل صفوفهم النبي صلى الله عليه وسلم وخطب فيهم مستنهضا هممهم وكان يشرف على الموقعة مع ذلك العريش العالي ويصدر الأوامر فكان قائدا اما ولم يصدر من أصحابه أية مخالفة لأوامره أما أبو سفيان فلم يكن قائدا ماهرا وقد ساعد بناء الحوض وتوفر الماه على النصر . والقرآن الكريم والأحاديث النبوية تنص صراحة على أن الله سبحانه وتعالى أمد نبيه بمدد باطني فحاربت الملائكة مع المسلمين ونصروهم على أعدائهم وقد رآهم بعض الصحابة وبعض أهل مكة في ميدان القتال وذكروهم بسيماهم فقيل كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر وكان الزبير بن العوام متعمما بعمامة صفراء فقال صلى الله عليه وسلم نزلت الملائكة - أي بعضهم - بسيما أبي عبد الله يعني الزبير . وكانت خيل الملائكة بلقا مسومة - مزينة - . وعن علي كرم الله وجهه قال هبت ريح شديدة يوم بدر ما رأيت مثلها قط ثم جاءت أخرى كذلك ثم جاءت أخرى كذلك فكانت الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة أمام النبي صلى الله عليه وسلم وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الثالثة اسرافيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم . هذا وقد جيء بالعباس يوم بدر أسره أبو اليسر وكان مجموعا وكان العباس جسيما فقيل لأبي اليسر كيف أسرته ؟ قال أعانني عليه رجل ما رايته من قبل ذلك بهيئته كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أعانك عليه ملك كريم ( 1 )
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه قد رأيت جبريل وعلى ثناياه النقع . فقال رجل من بني غفار أقبلت أنا وابن عمر لي فصعدنا جبلا يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننظر لمن تكون الدائرة فننتهب فدنت منا سحابة فسمعت فيها حمحمة الخيل وسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم . قال فأما ابن عمي فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك فتماسكت . وقال أبو داود المازني إني لاتبع رجلا من المشركين لاضربه إذ وقع راسه قبل أن يصل سيفي إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف ( 2 ) فكيف بعد هذا كله نكذب امداد الله رسوله بالملائكة في موقعة بدر . إن الله قد اختص نبيه بمعجزات وهذه احداها ولا سبيل لانكارها وان أنكارها المستشرقون الذين كتبوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فقد وردت في القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة
وروى الصحابة رضي الله عنهم الذين شهدوا بدرا أنهم رأوا الملائكة بسيماهم وهم يحاربون . قال حويطب بن عبد العزى شهدت بدرا مع المشركين فرأيت عبرا رأيت الملائكة تقتل وتأسر بين السماء والأرض ولم أذكر ذلك لأحد ( 3 )
ومن أسباب انتصار المسلمين قوة العقيدة فإن لها تأثيرا عظيما في الحروب فشتان بين من يحارب بعقيدة راسخة لينصر الله ورسوله فإن قتل فاز بنعمة الشهادة وتنعم في دار الخلد وبين من يحارب وهولا يشعر بقوة العقيدة التي تدفع خصمه إلى القتال من غير مبالاة فالمسلمون كانوا يتوقون إلى الموت في سبيل الله فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من العريش يوم بدر وهو يقول { سيهزم الجمع ويولون البر } وحرض المسلمين وقال " والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر الا أدخله الله الجنة " فقال عمير بن الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن بخ بخ ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم ألقى التمرات من يده وقاتل حتى قتل ( 4 )
ويؤكد سير ويليام موير Sir William Muir أن الخوف الذي كان مستوليا على أهل مكة من أراقة دماء أقاربهم مع ما يقابل ذلك من رغبة المسلمين في القتال كان هو العامل المهم في انتصار المسلمين في موقعة بدر
_________
( 1 ) راجع تاريخ ابن الأثير
( 2 ) راجع تاريخ ابن الأثير
( 3 ) راجع تاريخ ابن الأثير
( 4 ) راجع اسد الغابة الجزء الثاني تحت اسم حويطب بن عبد العزى


زواج فاطمة


- كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلة نحيفة تبلغ العشرين من عمرها فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب بعد موقعة بدر بعد وقاة رقية وزواج أم كلثوم بعثمان بن عفان

0 commentaires:

إرسال تعليق