- 85 - أحداث غزوة بدر الاخيرة الى ما قبل الأحزاب


غزوة بدر الأخيرة


- تسمى غزوة بدر الصغرى وبدر الموعد للمواعدة عليها مع أبي سفيان يوم أحد وتسمى بدر الثالثة . وتسمى أيضا غزوة السويق
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ومعه ألف وخمسمائة من أصحابه
وعشرة أفراس وذلك في شهر شعبان لميعاد أبي سفيان . واستعمل على المدينة عبد الله بن رواحة الخزرجي رضي الله عنه . وحمل اللواء علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وخرج أبو سفيان في قريش وهم ألفان ومعهم خمسون فرسا حتى نزل موضعا قريبا من مر الظهران ثم بدا له الرجوع فقال يا معشر قريش إنه لا يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن وإن عامكم هذا عام جدب وإني راجع فارجعوا فرجع ورجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق . يقولون إنما خرجتم تشربون السويق . هذه حيلة دبرها أبو سفيان لأنه لم يكن يريد حربا بل خرج لئلا يقال أخلف وعده ولم يخرج على أنه لم يعارضه أحد من قريش في الرجوع فكان الجيش كذلك لا يريد الحرب وكان أبو سفيان قد بعث إلى المدينة شخصا اسمه نعيم ليرجف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة العدو ليحملهم على عدم الخروج وذلك ليكون له في عذر في الرجوع إلى مكة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبال بما سمع من كثرة عدد الجيش وتثبيط همة الناس فقال والذي نفسي بيده لو لم يخرج معي أحد لخرجت وحدي
وأقام صلى الله عليه وسلم ببدر ثمانية أيام ينتظر أبا سفيان وفي هذه المدة باع المسلمون ما معهم من التجارة فربحوا كثيرا
وفي سنة أربع هذه تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بنت أبي أمية . وفيها أمر رسول الله زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود . وفي جمادى الأولى من هذه السنة توفى عبد الله بن عثمان بن عفان وكان عمره ست سنين وهو ابن بنت رسول الله رقية وفيها ولد الحسين رضي الله عنهما


غزوة دومة الجندل وهي أول غزوات الشام


- دومة الجندل مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال وبعدها من المدينة خمس عشرة ليلة وهي أقرب بلاد الشام إلى المدينة وبقرب تبوك
وكانت هذه الغزوة في ريع الأول سنة خمس ( يولية سنة 626 م ) واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري . وسببها أنه بلغه أن بها جمعا كثيرا يظلمون من مر بهم وأنهم يريدون الدنو من المدينة فخرج صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه ومعه دليل له من بني عذرة يقال له مذكور فاصابهم الرعب وتفرقوا ثم عاد إلى المدينة . قال ابن الأثير وغنم المسلمون إبلا وجدت لهم وقال ابن اسحاق ثم رجع رسول الله قبل أن يصل إليها ولم يلق كيدا فأقام بالمدينة بقية سنته


تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش


- تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش في شهر صفر من السنة الخامسة ( يونيه سنة 626 م ) وهي أخت عبد الله بن جحش وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت قديمة في الإسلام . تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها زوجها زيد بن حارثة
كان زيد بن حارثة مولى خديجة وهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وهو ابن ثماني سنوات فأعتقه وتبناه . وكانوا يدعونه زيد ابن محمد . وقد زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت عمته " زينب بنت جحش " إلا أنه كان يشكوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها تؤذيه وتتكبر عليه بسبب النسب وعدم الكفاءة فكان يقول له " أمسك عليك زوجك " : أي لا تطلقها . لكنه لم يطق معاشرتها وطلقها . وهذا طبيعي لأن الإنسان لا يستطيع معاشرة زوجة تتكبر عليه وترى نفسها ارقى منه . وبعد أن انقضت عدتها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإبطال عادة التبني بفعله فإن الشرع يستفاد من فعله كما يستفاد من قوله . وذلك أن الله أراد نسخ تحريم زوجة المتبني . قال تعالى { ما كان محمد أبضا أحد من رجالكم } وقال { ادعوهثم لآبائهم هو أقسط عند الله } فكان يدعى بعد ذلك زيد بن حارثة . وقال تعالى : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا }
وقد كان الله أوحى إلى رسوله أن زيدا سيطلق زوجته ويتزوجها بعده إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم بالغ في الكتمان وقال لزيد " أمسك عليك زوجك " فعاتبه الله على ذلك حيث قال { وإذ تقول للذى أنعضم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } وهو عتاب على ترك الأولى وكان الأولى في مثل ذلك أن يصمت عليه الصلاة والسلام أو يوفوض الأمر إلى رأي زيد رضي الله عنه . ولم يبادر النبي صلى الله عليه وسلم بما أوحى إليه من تطليق زيد لزينب مخافة طعن الأعداء والمنافقين فعوتب عليه . وللقصاص في هذه القصة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول ويجب صيانة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثله
وكانت زينب بنت جحش تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول زوجني الله من السماء . وأولم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبز ولحم . وكانت امرأة صالحة صوامة قوامة كثيرة الخير تعمل بيدها وتتصدق به . وكان اسمها برة فسماها رسول الله زينب وهي وقتئذ بنت خمس وثلاثين سنة . وبسبب زينب نزل الحجاب
توفيت سنة عشرين وهي بنت ثلاث وخمسين سنة وهي أول نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم موتا بعده . أرسل إليها عمر بن الخطاب أثني عشر درهم كما فرض لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فأخذتها وفرقتها في ذوي قرابتها وأيتامها ثم قالت : " اللهم لا يدركني عطاء لعمر بن الخطاب بعد هذا " فماتت وصلى عليها عمر بن الخطاب ودخل قبرها أسامة بن زيد ومحمد بن عبد الله بن جحش . وعبد الله بن أبي أحمد بن جحش . قيل هي أول امرأة صنع لها النعش ودفنت بالبقيع فيما بين دار عقيل ودار ابن الحنفية


غزوة المريسيع أو غزوة بني المصطلق


- المريسيع ماء لبني خزاعة وتسمى هذه الغزوة غزوة بني المصطلق وهم بطن من خزاعة وكانت في شعبان سنة خمس من الهجرة ( ديسمبر سنة 626 م ) وسببها أن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي كان قد جمع الجموع لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه كثير من المنافقين وكان معه ثلاثون من الخيل عشرة للمهاجرين وعشرون للأنصار واستعمل على المدينة زيد بن حارثة مولاه وقيل أبا ذر الغفاري . وخرجت معه عائشة وأم سلمة رضي اللع عنهما وقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاسوسا للمشركين وبلغ عليه السلام المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل وصف أصحابه للقتال ودفع راية المهاجرين لأبي بكر رضي الله عنه والأنصار لسعد بن عبادة وحمل المسلمون على المشركين فقتلوا عشرة وأسروا باقيهم وكانوا أكثر من سبعمائة وسبوا الرجال والنساء والذرية وساقوا النعم والشاء ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد وهو هشام بن صبابة وقد قتل خطأ أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت وهو يرى أنه من العدو
وكانت من جملة السبي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار رئيس بني المصطلق . وعن عائشة قالت لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها . قالت عائشة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهتها وقلت يرى منها ما قد رايت فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك وقد كاتبت على نفسي فأعني على متابتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو خير من ذلك أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك فقالت نعم . ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ الناس أنه قد تزوجها فقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق فلقد أعتق بها مائة من أهل بيت المصطلق فما أعلم امرأة أعظم بركة منها على قومها . ولما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم حجبها وقسم لها . وكانت حين تزوجها رسول الله بنت عشرين سنة وتوفيت سنة خمسين وهي بنت خمس وستين سنة وبسبب زواجها هدى الله أكثر بني المصطلق إلى الإسلام ثم أسلم الحارث ومن هنا تظهر حكمة رسول الله في زواجها


قتل هشام بن صبابة


- قلنا إن هشام بن صبابة قتل خطأ أصابه رجل من الأنصار فبينا الناس على ذلك الماء ( المريسيع ) وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقاله جهجاه بن سعيد يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني يا معشر الأنصار وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين فغضب عبد الله بن أبي ابن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حديث السن فقال " أقد فعلوها قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ماعدونا وجلابيب قريش ما قال قائل . سمن كلبك يأكلك . أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الاذل " ثم أقبل على من حضره من قومه فقال : هذا مافعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب . فقال يا رسول الله مر به عباد بن بشر وقش فليقتله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فكيف يا عمر إذا تحدث الناس إن محمدا يقتل أصحابه ؟ لا ولكن أذن بالرحيل ) وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به وكان عبد الله بن أبي في قومه شريفا عظيما فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه من الأنصار يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حدبا على عبد الله بن أبي ودفعا عنه فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه تحية النبوة وسلم عليه . ثم قال يا رسول الله لقد رحت في ساعة مبكرة ما كنت تروح فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو ما بلغك ما قال صاحبكم ؟ قال وأي صاحب يا رسول الله ؟ قال عبد الله بن أبي . قال وما قال ؟ قال زعم ؟ أنه ان رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل . قال أسيد فأنت والله يا رسول الله تخرجه ان شئت هو والله الذليل وأنت العزيز . ثم قال يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاء الله بك وان قومه لينظمون له الحرز ليتوجوه فإنه ليرى انك قد استلبته ملكا
ثم متن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يكن الا أن وجدوا مس الأرض وقعوا نياما . وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي . ثم راح بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع يقال له نقعاء فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار . فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن ثابت بن التابوت أحد بنى قينقاع وكان من عظماء يهود وكهفا للمنافقين قد مات في ذلك اليوم ونزلت السورة التي ذكر الله فيه المنافقين في عبد الله بن أبي ابن سلول ومن كان على مثل أمره فقال { إذا جاءك المنافقون }
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أمر أبيه ماكان فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل اليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ماكان بها رجل أبر بوالده منى وأني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا
وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر فقال يا رسول الله جئتك مسلما وجئت أطلب دية أخى قتل خطأ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه هشام بن صبابة فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة


آية التيمم


- نزلت آية التيمم في هذه الغزوة وذلك بسبب أن عائشة رضي الله عنها انقطع عقدها فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام الناس معه على التماسه حتى ابتعدوا عن الماء ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه على فخذ عائشة رضي الله عنها . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فكان ضياع العقد سببا في نزول هذه الآية . وقال أبو بكر لابنته بعد أن كان يعاتبها " والله يا بنتي إنك كما علمت مباركة " وآية التيمم مذكورة في سورة النساء والمائدة


عائشة وحديث الأفك


- كان حديث الأفك في غزوة بني المصطلق ولا خلاف في ذلك ولكن علماء السير اختلفوا هل قصة آية التيمم أسبق أو قصة الأفكز وخلاصة حديث الأفك ان عائشة رضي الله عنها بعد غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحين آذنوا بالرحيل ابتعدت عن الجيش لقضاء شأنها وبينما هي مقبلة إلى رحلها وجدت أن عقدها قد انقطع فعادت بتحث عنه فوجدته . لكنها لما رجعت وجدت أن الجيش قد رجل فجلست وغلبها النوم فنامت فرآها صفوان بن المعطل السلمي وكان وراء الجيش فاستيقظت باسترجاعه فأناخ راحلته وأركبها وانطلق حتى أتى الجيش في نحر الظهيرة وهم نزول فأشاع عبد الله بن أبي في العسكر حديث الأفك وانتشر بعد دخولهم المدينة لشدة عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومرضت عائشة رضي الله عنها شهرا واستاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استياء شديدا ثم ذهبت عائشة إلى بيت أبيها . وقد علمت بحديث الناس . وقالت لأمها ماذا يتحدث الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر أثر الا أكثرن عليها . فبكت بكاء شديدا مما يتحدث الناس . وكانت لا تنام الليل من شدة الحزن والبكاء
قلق رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد قلقه واستبطأ الحي فلم ير غير استشارة أصحابه فدعا علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد واستشارهما في فراق أهله . فأما اسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يعلم من براءة أهله . وأما علي رضي الله عنه فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير . وسل الجارية التي كانت تخدم عائشة تصدقت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة وسألها فأقسمت أنها لم تر عليها شيئا . وكانت عائشة رضي الله عنها ترجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئها الله بها . وما كانت تظن ان الله تعالى منزلة في شأنها وحيا . وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حيرة إذ نزل الوحي عليه ببراءة عائشة رضي الله عنها . قال تعالى { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } ( 1 )
وعصبة الافك حسان بن ثابت رضي الله عنه ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش . وعبد الله بن أبي المنافق . لما نزلت براءة عائشة جلدهم رسول الله ثمانين جلدة الا عبد الله فإنه لم يجلد . وفي ذلك قول عبد الله بن رواحة :
لقد ذاق حسان الذي هو أهله ... وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح
تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم ... وسخطه ذي العرش الكريم فأبرحوا
قال السهيلي إن من نسب عائشة رضي الله عنها إلى الزنا كان كافرا لأن ذلك تكذيب للنصوص القرآنية ومكذبها كافر
وقال عروة ما رأيت أحدا أعلم بفقة ولا بطب ولا بشعر من عائشة ولو لم يكن لعائشة من الفضائل الا قصة الأفك لكفى بها فضلا وعلو مجد فإنها نزل فيها من القرآن ما يتلى إلى يوم القيامة
جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه . فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل دنونا من المدينة فآذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ( 2 ) ظفار ( 3 ) قد انقطع فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه فأقبل الذين يرحلون لي ( 4 ) فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهم اللحم ( 5 ) وإنما يأكلن العلقة من الطعام ( 6 ) فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس فيه أحد فأممت الموضع الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي . فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته فوطئ يدها . فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد اللهبن أبي ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض إنما يدخل فيسلم كيف تيكم لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع ( 7 ) متبررنا ( 8 ) لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن تنخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشى فعثرت في مرطها ( 9 ) فقالت تعس مسطح فقلت لها بئسما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا . فقالت ياهنتاه ( 10 ) ألم تسمعي ما قالوا فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا على مرضي . فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم . فقال كيف تيكم . فقلت ائذن لي إلى أبوي . قالت وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما . فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت أبوي . فقلت لأمي ما يتحدث الناس به ؟ فقالت يا بنية هوني على نفسك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة قط وضئة عند رجل يحبها ولها ضرائر ألا أكثرن عليها . فقلت سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم . ثم أصبحت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب . وأسامة بن زيد حين اسبلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله . أما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم . فقال أسامة أهلك يا رسول الله ولا نعلم الاخيرا . وأما علي فقال يا رسول الله لي يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة . فقال يا بريرة هل رأيت فيها شيئا يريبك ؟ فقالت بريرة لا والذي بعثك بالحق إن رأيت منا أمرا أغمصه ( 11 ) عليها قط أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام على العجين فتأتي الداجن فتأكله . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي الاخيرا . وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الاخيرا . وما كان يدخل على أهلي الا معي . فقام سعيد بن معاذ فقال يا رسول الله انا والله أعذرك منه ان كان من الأوس ضربنا عنقة . وإن كان من اخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك . فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحائن ولكن احتملته الحمية فقال كذبت لعمر الله والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين . فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول الله على المنبر فخفضهم حتى سكتوا وسكت وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولاأكتحل بنوم فأصبح عندي أبواي . وقد بكين ليلتين ويوما حتى أظن أن البكاء فالق كبدي . قالت فبينما هما جالسان وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينما نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل قبلها . وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء . قالت فتشهد ثم قال : يا عائشة لقد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه . فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة وقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال . قالت والله ما أدري ماأقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وأنا جارية حديثة السن لا اقرأ كثيرا من القرآن . فقلت : والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ووقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني لبريئة لا تصدقوني ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم إني لبريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله . ولكن والله ما ظننت أن ينزل الله في شأني وحيا يتلى ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله عليه الوحي . فأخذه ماكان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان ( 12 ) من العرق في يوم شات فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي : يا عائشة أحمدي الله فقد برأك فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد الا الله فأنزل الله عز وجل { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم } الآيات . فلما أنزل الله عز وجل هذا في برائتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه والله لاأنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة . فأنزل الله عز وجل { ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى } إلى قوله { والله غفور رحيم } فقال أبو بكر . بلى والله اني لا أحب أن يغفر الله لي . فرجع إلى مسطح الذي كان يجرى عليه . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمرى فقال يا زينب ما علمت ما رأيت ؟ فقالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري . والله ما علمت عليها إلا خيرا . قالت وهي التي كانت تساميني فعصمها اله بالورع اه
_________
( 1 ) سورة النور
( 2 ) هو خرز معروف في سواده بياض
( 3 ) مدينة باليمن
( 4 ) أي يضعون الرحل على بعيري
( 5 ) وفي رواية : والنساء يومئذ لم يهبلهن اللحم وهلبه اللحم تهبيلا إذا كثر عليه وركب بعضه بعضا . يقال رجل مهبل
( 6 ) القليل من الطعام
( 7 ) موضع خارج المدينة
( 8 ) موضع قضاء حاجتنا
( 9 ) كسائها
( 10 ) أي يا هذه
( 11 ) أي أعيبه
( 12 ) اللؤلؤ


0 commentaires:

إرسال تعليق