- 88 - السرايا من غزوة بنو قريظة الى ما قبل الحديبية


سرية القرطا ( 1 ) واسلام ثمامة بن أثال الحنفي


- كانت هذه السرية لعشر خلون من المحرم سنة ست من الهجرة
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة الأنصاري في ثلاثين راكبا إبلا وخيلا . وأمره أن يسير الليل ويكمن النهار وأن يشن الغارة عليهم ففعل ما أمر به فلما أغار عليهم هرب باقيهم بعد من قتل وكان القتل منهم عشر وقيل نحو العشرين
واستاق 150 بعيرا و 3000 شاة فعدلوا الجزور بعشرة من الغنم
وقدم المدينة لليلة بقيت من المحرم وغاب تسع عشرة ليلة وأسر ثمامة بن أثال . روى ابن اسحاق عن أبي هريرة رضي الله عنه أن خيلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت رجلا ولا تشعرون من هو حتى أتوا به رسول الله . فقال أتدرون من أخذتم ؟ هذا ثمامة بن أثال الحنفي فربطوه بسارية من سواري المسجد بأمره صلى الله عليه وسلم لينظر حسن صلاة المسلمين واجتماعهم عليها فيرق قلبه . فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال عندي خير يا محمد ان تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت . فتركه حتى كان الغد ثم قال له ما عندك يا ثمامة ؟ قال ما قلت لك : أن تنعم تنعم على شاكر . فتركه حتى كان بعد الغد : فقال ما عندك يا ثمامة ؟ قال عندي ما قلت لك فقال : اطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) ثم قال والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض ألي من وجهك وقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي . والله ماكان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الذين كله إلي . والله ماكان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي . وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بخير الدنيا والآخرة وأمره أن يعتمر . فلما قدم مكة يلبي وينفي الشريك عن الله قال له قائل صبوت ؟ قال لا . ولكن أسلمت لله رب العالمين مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم وقيل أنه منع عن مكة الميرة من اليمامة حتى أكلت قريش العلهز ( 2 )
ثم صار ثمامة رضي الله عنه من فضلاء الصحابة وهدى الله به خلقا كثيرا من قومه ولم يرتد مع من ارتد من أهل اليمامة ولا خرج عن الطجاعة قط وقام مقاما حميدا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حين ارتدت اليمامة مع مسليمة فقال : { بسم الله الرحمن الرحيم . حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديدش العقاب } ثم قال : فأين هذا من هذيان مسيلمة ؟ فأطاعه ثلاثة آلاف وانحازوا إلى المسلمين
_________
( 1 ) القرطا بطن من بني بكر وكانوا ينزلون بناحية ضرية وهي قرية لبني كلاب على طريق البصرة إلى مكة وهي إلى مكة أقرب . وبها جبل يسمى البكرات وبين ضرية والمدينة سبع ليال
( 2 ) الوبر والدم


غزوة بني لحيان


- كانت في أول شهر ربيع الأول سنة ست من الهجرة ( يونية يولية سنة 627 م ) وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن على عاصم بن ثابت وأصحابه القراء الذين قتلوا ببئر معونة في شهر صفر من السنة الرابعة . فأظهر صلى الله عليه وسلم أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة فخرج من المدينة فسلك على غراب ( 1 ) على طريقه إلى الشام على مخيض ثم على البتراء ثم صفق ذات اليسار ثم على بين ثم على صخيرات اليمام ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة ثم أسرع السير حتى نزل على غران وهي منازل بني لحيان ( 2 ) إلى بلد يقال لها ساية . وكان معه 200 رجل ومعهم 20 فرسا واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم
وقد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان القوم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال . فأقام يوما أو يومين يبعث السرايا من كل ناحية من نواحيهم . ثم خرج حتى أتى عسفان فبعث أبا بكر رضي الله عنه في عشرة فوارس لتسمع بهم قريش فيذعرهم . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا . وكانت غيبته صلى الله عليه وسلم عن المدينة أربع عشرة ليلة
_________
( 1 ) جبل بناحية المدينة
( 2 ) غران واد بين أمج وعسفان


اغارة عيينة بن حصن


- ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يقم الا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري في خيل لغطفان ( 1 ) على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة وكانت عشرين لقحة وفيها رجل من بني غفار وامرأته فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح
الرجل الذي قتلوه هو ابن أبي ذر رضي الله عنه واسمه ذر وكان يرعى الإبل وامرأته التي أسروها اسمها ليلى وقد نجت لأنهم أوثقوها وكانوا يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم فانطلقت وركبت ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم ليلا على حين غفلتهم . ويقال ان الناقة اسمها العضباء . فنطلقت ولما علموا بها طلبوها فأعجزتهم ونذرت لئن نجت لتنحرنها . فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك . وقالت : يا رسول الله اني نذرت لله تعالى أن أنحرها إن نجاني الله عليها . فقال : بئسما جزيتها ان حملك الله عليها ونجاك أن تنحريها . أنه لانذر لأحد في معصية ولا لأحد فيما لا يملك . إنما هي ناقة من ابلي . ارجعي إلى أهلك على بركة الله
_________
( 1 ) 40 فارسا


غزوة ذي قرد وهي غزوة الغابة


- ذو قرد على نحو بريد من المدينة مما يلي بلاد غطفان . وكانت في ربيع الأول سنة ست ( يوليه سنة 627 م ) وفي البخاري أنها كانت قبل خيبر بثلاثة أيام وبعد الحديبية بعشرين يوما
وسببها اغارة عيينة بن حصن الفزاري على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم
لما أغاروا على اللقاح في يومهم ذلك جاء الصريخ فنادى الفزع الفزع ونودي يا خيل اركبي . وأول من نذر بهم سلمة بن عمرو الأكوع الأسلمي
ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسمائة واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم كعادته . وخلف سعد بن عبادة رضي الله عنه في 300 يحرسون المدينة . وعقد لواء للمقداد رضي الله عنه في رمحه . وقال امض حتى تلحقك الخيول وأنا على أثرك
وكانت نتيجة هذه الغزوة أنهم أدركوا العدو فهزموه وقتلوا وؤساءه واستنقذوا اللقاح . وقيل بعضها ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد وهو محرز بن نضلة . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ ذا قرد في اتجاه خيبر فالتجأ العدو إلى بني غطفان . وقد أبلى في هذه الغزوة سلمة بن الأكوع بلاء حسنا وكان راميا
قتل أبو قتادة مسعدة بن حكمة الفزاري فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وسلاحه ولقى عكاشة بن محصن رضي الله عنه في طريقه أبان بن عمرو وابنه عمرا على بعير فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا
وكانت مدة غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أيام بذي قرد صلاة الخوف


سرية الغمر أو سرية عكاشة بن محصن الأسدي


- الغمر ماء لبني أسد على ليلتين من فيد قلعة بطريق مكة وكانت في شهر ربيع الأول سنة ست من الهجرة
خرج عكاشة رضي الله عنه في أربعين رجلا فنذر به القوم فهربوا فنزلوا بلادهم فوجدوا ديارهم خالية لهربهم . فبعث المسلمون طليعة فرأوا أثر النعم قريبا فقصدها فأصابوا رجلا منهم فأمنوه فدلهم على نعم لبنى عم لهم فأغاروا عليها فاستاقوا 200 بعير وأطلقوا الرجل وقدموا بالإبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقوا حربا


سرية محمد بن مسلمة الأنصاري إلى ذي القصة ( 1 )


- كانت في شهر ربيع الثاني ( الموافق شهر أغسطس سنة 627 م )
خرج محمد بن مسلمة ومعه عشرة إلى بني ثعلبة فورد عليهم ليلا بمن معه . وقد كمن لهم المشركون لشعورهم وبمجيئهم إليهم . فتركوا محمد بن مسلمة حتى نام هو وأصحابه ثم أحدثوا بهم فما شعر المسلمون الا بالنبل قد خالطهم . فوثب محمد بن مسلمة ومعه قوس فصاح في أصحابه . السلاح فوثبوا فتراموا بالنبل ساعة من الليل ثم انحاز أصحاب محمد إليه وقد قتلوا من القوم رجلا . ثم حمل القوم عليهم بالرماح فقتلوهم الامحمد بن مسلمة فوقع جريحا فحمله رجل من المسلمين حتى ورد به المدينة جريحا
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في ربيع الآخر في أربعين رجلا إلى مصارعهم فأغار عليم فلم يجد أحدا ووجد نعما وشاء فساقه وأصاب رجلا واحدا فأسلم فتركه وأخذ نعما من نعمهم فاستاقه وشيئا من متاعهم وقدم به المدينة وظاهر من ارسال محمد بن مسلمة في عشر رجال أن السبب هو ما بلغهم من أن بني ثعلبة وإنما جمعوا على أن يغيروا على سرح المدينة وهي ترعى بهيفاء ( 2 ) وكانت الماشية قد ازدادت بسبب ما غنمه المسلمون . فلما قتل محمد بن مسلمة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أباعبيدة طلبا لثأر المقتولين
_________
( 1 ) موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا من طريق الربذة ( الواقدي )
( 2 ) موضع على سبعة أميال من المدينة


سرية زيد بن حارثة


- وفي شهر ربيع الآخر أيضا كانت سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم ( 1 ) فأصابوا نعما وشاء ووجدوا جماعة منهم فأسروهم
ثم سرية زيد بن حارثة أيضا إلى العيص وكانت في جمادى الأولى سنة ست ( سبتمبر سنة 627 م )
وسببها أنه عليه الصلاة والسلام بلغه أن عيرا قد أقبلت من الشام فبعث زيد بن حارثة ومعه راكبا ليتعرض لها فأدركها وأخذها وما فيها وأخذ يؤمئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية بن خلف وأسر منهم ناسا : منهم أبو العاص بن الربيع . وأم هالة بنت خويلد أخت خديجة . وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين تجارة ومالا وأمانة . وهو زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدخلت زينب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته أن يرد عليه ما أخذ منه فقبل . وقال لها اكرمي مثواه ولا يخلص أليك فإنك لا تحلين له . ثم ذهب أبو العاص إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال ماله ثم أسلم وخرج فقدم المدينة
وكانت زينب هاجرت قبله إلى المدينة وتركته على شركة ثم بعد أن أسلم وهاجر ردها صلى الله عليه وسلم إليه وكان صلى الله عليه وسلم يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب من أبي العاص
_________
( 1 ) ناحية ببطن نخل . على أربعة أميال من المدينة


سرية أخرى لزيد بن حارثة


- هذه السرية إلى حسمى . أرض ينزلها حذام وراء وادي القرى وذلك من جهة الشام وكانت في جمادى الآخرة سنة ست ( اكتوبر سنة 627 م )
وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أوفد دحية بن خليفة الكلبي بكتاب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام فأعطاه جائزة وكساه . فلقيه الهنيد بن عارض في الطريق وهو عائد فقطعوا عليه الطريق وأصابوا كل شيء معه عند حسمى فسمع بذلك نفر من الضبيب رهط رفاعة بن زيد الجذامى ممن كان أسلم واستنفذوا ما كان في أيديهم وردوه على دحية
قدم دحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فبعث زيد بن حارثة في 500 رجل فكان زيد يسير الليل ويكمن بالنهار ومعه دليل من بني عذرة فأقبل بهم حتى هجموا على القوم فأغاروا عليهم وأكثروا فيهم القتل وقتلوا الهنيد وابنه وأخذوا ماشيتهم ونساءهم . فأخذوا من الإبل 1000 بعير ومن الشاة 5000 ومن السبى مائة من النساء والصبيان . ولا شك أن هذا الاحصاء تقريبي كما يستدل عليه من الأرقام
ثم رحل رفاعة بن زيد الجذامي في نفر من قومه فدفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه الذي كان كتبه له ولقومه حين قدم عليه فأسلم . فلما قرئ الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كيف أصنع بالقتلى ؟ فقال رفاعة أنت أعلم يا رسول الله لانحرم عليك حلالا ولا نحل لك حراما فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى زيد فرد عليهم كل ما أخذ منهم


سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دممة الجندل


إسلام الأصبغ بن عمرو الكلبي
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا دومة الجندل في ربيع الأول سنة خمس ( يولية سنة 626 م ) وقد تقدم ذكرها
أما هذه السرية فكانت في شعبان سنة ست ( نوفمبر سنة 626 م ) أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لهذه السرية وقد أصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأقعده بين يديه وعممه بيده . ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء ثم حمد الله وصلى على نفسه صلى الله عليه وسلم ثم قال " خذه يا ابن عوف اغزوا جميعا في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم " فأخذ عبد الرحمن اللواء . وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كلب بدومة الجندل وقال إن استجابوا لك فأسلموا فتزوج ابنة ملكهم . فسار عبد الرحمن بجيشه وكانوا 700 رجل حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام وقد كانوا أبوا أول ما قدم عليهم أن يعطوا الا السيف . ثم أسلم في اليوم الثالث ( الأصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانيا ) وكان ملكهم ورئيسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه وأقام عبد الرحمن بقيتهم بالجزية وتزوج تماضر بنت الأصبغ وقدم بها المدينة وفازت بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أم أبنه أبي سلمة


سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر


- خرج علي رضي الله عنه ومعه ( 100 ) رجل إلى بني سعد بن بكر في شعبان سنة ست . وكان قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم ساعون في جمع الناس لامداد يهود خيبر فأغازوا على نعم وشاء كثيرة وهرب الرعاء وساقوا النعم والشاء معهم وكانت 500 بعير و 200 شاة وقدم علي رضي الله عنه ومن معه المدينة


سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة


- كانت هذه السرية في رمضان سنة ست من الهجرة وسببها أن زيد بن حارثة رضي الله عنه خرج في تجارة إلى الشام ومعه بضائع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ( وهذه أول مرة نسمع فيها خروج أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجارة إلى الشام )
فلما كان بوادي القرى لقيه ناس من فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم . وقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فبعثه إليهم في جيش فأحاطوا بمن وجدوه من بني فزارة فقتلوهم وأخذوا ( أم قرفة ) ويه بنت ربيعة بن بدر الفزاري . وكانت ملكة رئيسة وذات شرف في قومها وكانت عجوزا كبيرة فأسرها قيس بن المحسر وقيل ابن سحل فقتلها قتلا عنيفا ربط رجليها بحبلين ثم ربطهما إلى بعيرين حتى شقها . وإنما قتلها كذلك لسبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لأنها حجزت ثلاثين راكبا من ولدها وولد ولدها . وقالت لهم اغزوا المدينة واقتلوا محمدا . وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك فقرع باب النبي صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وهو يجر ثوبه حتى اعتنقه وقبله وسأله فأخبره بما ظفر به . ذكر هذه الغزوة الواقدي وذكرها السيد دحلان في الجزء الثاني من كتاب السيرة النبوية وأني أشك في تفاصيل القصة بهذه الصفة . أشك في اسم قيس هذا الذي أسر أم قرفة فقد قيل أنه ابن المحسر وقيل ابن سحل وقيل ابن المحسن ( 1 ) وأشك في أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل بامرأة ويقتلها هذا القتل الشنيع مع العلم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة وأوصى عبد الرحمن بن عوف حين أرسله إلى دومة الجندل فقال : { اغزوا جميعا في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله ولاتغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا عهد الله وسيرة نبيه فيكم } وليس بين سرية عبد الرحمن بن عوف وسرية زيد بن حارثة إلى أم قوفة غير شهر واحد
وسيأتي في سرية عبد الله بن عتيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة
وعلى كل حال لا يمكن أن يبلغ النبي قتل أم قرفة على هذه الصورة الشنعاء من غير أن يبدى استياءه . لذلك كان ما روى من التمثيل بأم قرفة مردودا
_________
( 1 ) جاء في أسد الغابة " قيس بن المحسر الكناني الشاعر " واختلف في اسمه فقيل أيضا قيس بن مسحل وسماه ابن اسحاق مسحرا وقد أخرج أبو عمر قيس بن المحسر وذكر فيه أنه غزا مع زيد بن حارثة أم قرفة وقتلها ولم يذكر أنه مثل بها


سرية عبد الله بن عتيك لقتل سلام بن أبي الحقيق


- كانت هذه السرية لقتل أبي رافع عبد الله أو سلام بن أبي الحقيق اليهودي وهو من أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين حزبوا الأحزاب يوم الخندق وأعان المشركين بالمال الكثير
وقد اختلف المؤرخون في تاريخ هذه الغزوة فقد قيل أنها كانت في ذي الحجة سنة خمس بعد الخندق . وفي البخاري قال الزهري بعد قتل كعب بن الأشرف الواقع سنة ثلاث وذكرها أو جعفر محمد بن جرير الطبري في السنة الثالثة في النصف من جمادة الآخرة . أما الواقدي فإنه زعم أنه هذه السرية التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع أو سلام بن أبي الحقيق إنما وجهها إليه في ذي الحجة من سنة أربع من الهجرة . والثابت أن سلام بن أبي الحقيق كان من الذين حزبوا الأحزاب في غزوة الخندق وغزوة الخندق كانت في السنة الخامسة وكان سلام هذا ممن ذهب إلى خيبر بعد اجلاء بني النضير ثم أنه بعد الخندق أخذ يحرض بني فزارة والقبائل الأخرى ولذلك نرجح أن هذه السرية كانت في السنة السادسة كما ذكرها السيد دحلان فقد قال " إنها كانت في رمضان سنة ست " ( الموافق شهر ديسمبر سنة 627 م )
خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الخزرج وهم :
- 1 - عبد الله بن عتيك . - 2 - عبد الله بن أنس . - 3 - أبو قتادة . - 4 - الأسود بن خزاعي . - 5 - مسعود بن سنان الأسلمي . واستأذنوه في قتل سلام بن أي الحقيق وهو بخيبر لأن الأوس كانوا قد أصابوا كعب بن الأشرف فأراد كعب بن الأشرف فأراد الخزرج أني لا يكون للأوس فضل عليهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأمرهم صلى الله عليه وسلم بقتله ونهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة ( 1 ) وأمر عليهم عبد الله بن عتيك . فذهبوا إلى خيبر فكنوا فلما هدأت الرجل والحركة جاءوا إلى منزله وكان في حصن مرتفع فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد الله بن عتيك اجلسوا مكانكم فانى منطلق ومتلطف للبواب لعلى أدخل الحصن فأقبل حتى دنا من البواب ثم تقنع بثوبه شخصه كأنه يقضي حاجته مخافة أن يعرف فدخل واختبأ عند باب الحصن ثم صعد إليه وكان عبد الله بن عتيك يتكلم اليهودية فقدمه أصحابه ليتكلم بكلام أبي رافع فاستفتح باب غرفته فرأته امرأته . فقالت : من أنت ؟ قال : جئت أبا رافع بهدية . ففتحت له وقالت ذاك صاحبك . فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشار إليها بالسيف فسكتت . قال فقلت أبا رافع . لاعرف موضعه . فقال من هذا ؟ فأهويت نحو الصوت فضربته ضربة وأنا دهش فما أغنت شيئا ولم أقتله وصاح أبو رافع . فخرجت من البيت وكمنت غير بعيد فقالت امرأته يا أبا رافع هذا صوت عبد الله بن عتيك . قال ثكلتك أمك وأين عبد الله بن عتيك ؟ قال ثم دخلت عليه كأني أغيثه وغيرت صوتي . فقلت ما هذا الصوت يا أبا رافع . قال لأمك الويل إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف . فضربته ضربة أثخنته ولم أقتله فصاح وقام أهله وصاحت امرأته ثم وضعت ظبة السيف في بطنه حتى دخل في ظهره وسمعت صوت العظم فعرفت أني قتلته
وفي الطبري " ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها بالسيف ثم يذكر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يده "
قال ابن عتيك فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة وكان عبد الله بن عتيك سيء البصر ولما علم ابن عتيك أنه قتل أبا رافع أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ووقع في بعض الروايات أن الذي قتل أبا رافع عبد الله بن أنيس والصواب ما في صحيح البخاري أن الذي قتله هو عبد الله بن عتيك وفي أسد الغابة " الذي ولى قتل أبى رافع بن أبي الحقيق بيده وكان في بصره ضعف الخ "
_________
( 1 ) راجع الطبري


سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن رزام


- كانت سرية عبد الله بن رواحة الأنصاري الخزرجي إلى أسير بن رزام ( 1 ) اليهودي بخيبر في شوال سنة ست من الهجرة ( يناير سنة 628 م ) وسببها أنه لما قتل أبو رافع سلام بن الحقيق أمرت يهود عليها أسيرا فاقترح عليهم طريقة للانتقام من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقروه عليها وحاصلها أن يذهب إلى غطفان ويجمعهم ويسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقر داره . فسار إلى غطفان فلما بلغه صلى الله عليه وسلم وجه عبد الله بن رواحة في ثلاثة نفر في شهر رمضان سرا ليستكشف له الخبر فذهب إلى ناحية خيبر ثم عاد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمع ورأى وقدم عليه أيضا خارجة بن حسيل وقال له تركت أسير بن رزام يسير إليك في كتائب يهود . فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس له فانتدب له ( 30 ) رجلا فبعث عليه عبد الله بن رواحة فقدموا عليه فقالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه يستعملك على خيبر ويحسن إليك فطمع في ذلك فشاور يهود فخالفوه في الخروج وقالوا ماكان محمد يستعمل رجلا من بني اسرائيل . قال بلى قد مللنا الحرب . خرج أسير وخرج معه ثلاثون رجلا من اليهود مع كل رجل رديف من المسلمين . فلما كانوا بقرقرة ندم أسير على مسيره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد الفتك بعبد الله بن رواحة ففطن له وهو يريد السيف فاقتحم به عبد الله ثم ضربه بالسيف فقطع رجله فضربه أسير بمخرش في يده من شوحط فأمه وفي رواية عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأهوى أسير بيده إلى سيفي ففطنت له ( يتضح من ذلك أن أسيرا كان أعزل ) فدفعت بعيري وقلت غدرا أي عدو الله مرتينز فنزلت فسقت بالقوم حتى انفرد لي أسير فضربته بالسيف فاندرت عامة فخذه وساقه فسقط عن بعيره ومال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقتلوهم ولم يفلت منهم غير رجل واحد ولم يصب من المسلمين أحد ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثوه الحديث فقال " حقا قد نجاكم الله من القوم الظالمين "
_________
( 1 ) اسير بن رزام بهذا الضبط لكن مستر موير يقول أنه ابن زرام ويكتبه هكذا ( Osier ibn Zarim )


سرية كرزبن جابر الفهري


- كان كرز بن جابر الفهري رضي الله عنه أحد رؤساء قريش أسلم بعد الهجرة واستشهد عام الفتح وهو الذي خرج رسول الله لطلبه في غزوة بدر الأولى وقد مر ذكرها
كانت هذه السرية في جمادة الأولى سنة ست وسببها أن أناسا من عكل وعرنة ( 1 ) يبلغ عددهم نحو ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام وتلفظوا بكلمة التوحيد وكانوا حين قدموا المدينة سقاما مصفرة ألوانهم عظيمة بطونهم ( قال مستر موير أنهم كانوا مصابين بداء الطحال )
فقالوا يا رسول الله إنا كنا أهل ضرع ( أي ماشية وابل ) ولم نكن أهل ريف وكرهنا الأقامة بالمدينة فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل فأمر لهم بذود من الإبل ( 2 ) ومعها راع وأمرهم باللحوق بها لشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا حتى اذا كانوا ناحية الحرة وصحت أجسامهم باتباعهم اشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا بعد اسلامهم وقتلوا راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عبدا له اسمه يسار . وحين قتلوه مثلوا به فقطعوا يده ورجله وجعلوا الشوك في عينيه واستاقوا الذود وحمل يسار ميتا إلى قباء فدفن هناك . فهؤلاء أعراب قساة غلاظ القلوب يقابلون الاحسان بالإساءة يكرمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهب له الماشية ويرسل معهم الراعي رأفة بهم ويصف لهم الدواء الشافي لدائهم فيأخذون الإبل ويشربون ألبانها وتصح أجسامهم ثم يجحدون النعمة
ويكفرون بعد اسلامهم ويقتلون ذلك الراعي الأمين المسكين ويمثلون به أشنع تمثيل ويسيرقون الإبل . جرائم متعددة يقترفونها . فهل هؤلاء يستحقون العفو والاحسان والمعاملة الحسنة ؟ كلا بل الحكمة تقضي بقطع دابرهم واستئصال شأفتهم ليكونوا عبرة من اعتبر ولئلا يجرأ بعد ذلك أحد من أمثال هؤلاء اللصوص القتلة الخائنين أن يعبث بالاسلام والمسلمين . وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام لما جاءه الصريخ بما وقع جابر الفهري رضي الله عنه فلحقهم فجاء بهم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ولم يفلت منهم أحد وتركوا في ناحية الحرة في الشمس حتى ماتوا
وأنزل الله في هؤلاء { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } الآية وهؤلاء كفروا وقتلوا ومثلوا وقطعوا الطريق وسرقوا
_________
( 1 ) عكل حي من قضاعة وعرينة حتى من بجيلة
( 2 ) هي من الثلاثة إلى العشرة

0 commentaires:

إرسال تعليق