- 89 - أمر الحديبية وما جرى فيها من أحداث


أمر الحديبية


- الحديبية هي بئر سمي المكان باسمها وقيل قرية أكثرها في الحرم على تسعة أميال من مكة
وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنه دخل البيت هو وأصحابه آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في ذي القعدة من السنة السادسة ( فبراير سنة 628 م ) معتمرا " زائر البيت " لا يريد حربا بعد أن مضى عليه صلى الله عليه وسلم ست سنوات بعد الهجرة في المدينة لم يزر فيها مكة ولم يعتمر ولم يحج . فخرج في هذه السنة معتمرا واستنفر العرب من البوادي ومن حوله من الأعراب ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش أن يتعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت فأبطأ عليه كثير من الأعراب . فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق من العرب وساق معه الهدى ( ما يهدي إلى الحرم من النعم ) وأحرم بالعمرة ليأمن الناس حربه وليعلموا أنه إنما خرج زائرا للبيت ومعظما له وأخرج معه زوجته أم سلمة رضي الله عنها واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه وجملة أصحابه الذين خرجوا معه 1400 إلى 1600
أما ما رواه ابن اسحاق من أنه صلى الله عليه وسلم ساق معه الهدي 70 بدنة ( 1 ) وكان الناس 700 رجل فكانت كل بدنة من عشرة نفر فلا بد أن يكون هذا العدد في بدء خروجهم قبل أن ينضم إليه صلى الله عليه وسلم من دعاهم من الاعراب ولم يخرج صلى الله عليه وسلم معه بسلاح الا سلاح المسافر السيوف في القرب . فلما كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال له " يا رسول الله هذه قريش قد سمعوا بمسيرك فخرجوا ومعهم العوذ المطافيل ( 2 ) قد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذي طوى يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبدا . وهذا خالد بن الوليد في خيلهم ( 3 ) قد قدموها إلى كراع الغميم ( 4 ) . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش ؟ فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله حتى يظهره الله أو ينفرد هذه السالفة . ثم قال من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها ؟ فقال رجل من أسلم أنا يا رسول الله فسلك بهم طريقا وعرا ( واسم هذا الرجل حمزة بن عمرو الأسلمي ) فخرجوا منه بعد أن شق عليهم وأفضوا إلى طريق سهلة عند منقطع الوادي . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس قولوا نستغفر الله ونتوب إليه . فقالوا ذلك . فقال والله إنها للحطة التي عرضت على بني اسرائيل فلم يقولوها
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض في طريق على ثنية المراة مهبط الحديبية من أسف مكة . فسلك الجيش ذلك الطريق فلما رأت خيل قريش فترة الجيش قد خالفوا رجعوا راكضين إلى قريش ( ذكر أن فرسان قريش كانوا 200 منهم عكرمة بن أبي جهل وكان قائدهم خالد بن الوليد )
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته القصواء فقال الناس خلأت فقال " ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة . لاتدعوني قريش اليوم إلى خطة وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة . لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني صلة الرحم الا أعطيتهم اياها "
ثم قال للناس انزلوا . قيل يا رسول الله ما بالوادي ماء ينزل عليه فأخرج سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل به في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن ( 5 ) واختلف فيمن نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل هو سائق بدنة ناجية بن جندب وقيل أنه البراء بن عازب وقيل عبادة بن خالد وفي البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم جلس على البئر ثم دعا باناء فمضمض ودعا ثم صبه فيها . ثم قال دعوها ساعة فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا . وفي حديث جابر عند البخاري ومسلم قال عطش الناس يوم الحديبية وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوة يتوضأ منها فأقبل الناس نحوه فقال ما بالكم ؟ قالوا يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا وجمع ابن حيان بينهما بأن ذلك وقع في وقتين . وكانت قصة الركوة قبل قصة البئر
فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه بديل بن ورقاء الخزاعي في رجال من خزاعة فكلموه وسألوه ما الذي جاء به فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا وإما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته . ثم قال لهم نحوا مما قال لبشر بن سفيان . فرجعوا إلى قريش . فقالوا يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد أن محمدا لم يأت لقتال . إنما جاء زائرا لهذا البيت فاتهموهم وجبهوهم وقالوا وإن كان جاء ولا يريد قتالا فوالله لا يدخلها عليها عنوة أبدا ولا تحدث بذلك عنا العرب
وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئا كان بمكة
ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال هذا رجل غادر فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا مما قال لبديل وأصحابه فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة وكان يومئذ سيد الأحابيش فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذا من قوم يتألهو فابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظاما لما رأى . فقال لهم ذلك . فقالوا له اجلس فإنما أنت اعرابي لا علم لك . فغضب الحليس عند ذلك وقال : يا معشر قريش والله ماعلى هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم . أيصد عن بيت الله من جاء معظما له والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لا نفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد . فقالوا له : كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به
ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي فقال يامعشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذ جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ وقد عرفتم إنكم والد واني ولد وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفس . قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمتهم . فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس بين يديه ثم قال :
يا محمد أجمعت أوشاب الناس ( 6 ) ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله لاتدخلها عليهم عنوة أبدا ( تكرر هذا الكلام فقد قاله " بشربن سفيان " ) وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا ( 7 )
وكان أبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا فقال ( امصص بظر اللات ( 8 ) أنحن ننكشف عنه ؟ )
فقول أبي بكر ( امصص بظر اللات ) مبالغة منه في سب عروة فإنه أقام معبود عروة وهو صنمه مقام امرأة تحقيرا لمعبوده وعادة العرب الشتم بذلك . وقد ساء أبا بكر قول عروة ان أصحابه صلى الله عليه وسلم ينكشفون عنه غدا أي يفرون فقال له ما قال وأجابه بما فيه تحقير له ولمعبوده
فقال عروة بعد أن سمع هذه الأهانة : من هذا يامحمد ؟ قال هذا ابن أبي قحافة . فقال أما والله لولا يد كانت لك عندي لكأفأتك بها ولكن هذه بها
قال الزهري إن اليد المذكورة هي أن عروة كان تحمل دية فأعانه فيها أبو بكر رضي الله عنه بعون حسن
ثم رجع عروة يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد فجعل يقرع يده إذا تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك فيقول عروة ويحك ما أفظك وأغلظك . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له عروة من هذا يا محمد . قال هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة . قال أي غدر قال أي غدر وهل غسلت سوأتك الا بالأمس
ولشرح هذا الموقف نقول . المغيرة بن شعبة هو ابن أخي عروة . وقد كان أثناء حديث عروة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيف بقصد الحراسة وعليه المغفر ( 9 ) فكان المغيرة كلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف ( 10 ) . وكانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة يريدون بذلك التحية والتواصل وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير فربما رأى عروة لمكانته ورفعته في قومه إنه نظير للنبي صلى الله عليه وسلم وما علم حينئذ أنه لا نظير له فاللائق منعه
قال ابن هشام : أراد عروة بقوله هذا ( أي غدر وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس ) إن المغيرة بن شعبة قبل اسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف فتهايج الحيان من ثقيف بنو مالك رهط المقتولين والأحلاف رهط المغيرة فودى عروة المقتولين ثلاث عشر دية وأصلح الأمر
وبعد أن قال عروة ما قال كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو مما كلم أصحابه وأخبره أنه لم يأت يريد حربا
فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى أصحابه وقد بهره ما رأى من احترام أصحابه صلى الله عليه وسلم له فقال :
أي قوم . فوالله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي . والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا . والله ما يتنخم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده اجلالا وتوقيرا وما يمددن النظر إليه تعظيما له وأنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ولقد رأيت قوما لا يسملونه لشيء أبدا فروا رأيكم
فلم يسمع القوم ما قاله عروة بن مسعود وما رغبهم فيه من الصلح فانصرف هو ومن تبعه إلى الطائف
قال ابن اسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعثت قريش أربعين أو خمسين رجلا منهم ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا فأخذوا أخذا فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل . ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال : " يا رسول الله أني أخاف قريشا على نفسي وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني . وقد عرفت قريش عدواني إياها وغلظتي عليها . ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحربهم وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته
فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فحلمه بين يديه ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 11 ) . فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به . فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم . إن شئت أن تطوف بالبيت فطف . فقال : ماكنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتبسته قريش عندها
فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل ( 12 )
وقيل أن عثمان بن عفان دخل مكة ومعه عشرة من الصحابة بأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزوروا أهاليهم ولم يذكروا أسماءهم . وقيل أن قريشا احتبست عثمان عندها ثلاثة أيام وأشاع الناس أنهم قتلوه هو والعشرة الذين معه . وعلى كل حال أبطأ عثمان رضي الله عنه عن الرجوع فقلق عليه المسلمون فلما بلغ ذلك الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نبرح حتى نناجز القوم أي نقاتلهم
والظاهر أن أبا سفيان لم يكن بمكة وقتئذ لأننا لم نسمع له رأيا ونرجد أنه كان غائبا في تجارة
_________
( 1 ) البدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة . سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها والجمع بدن
( 2 ) العوذ جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن . والمطافيل الأمهات التي معها أطفالها والمراد أنهم خرجوا بما ذكر لارادة طول المقام وعدم الفرار
( 3 ) لم يكن خالد بن الوليد قد أسلم خلافا لما زعمه بعض المؤرخين من أنه كان مع المسلمين
( 4 ) موضع قريب من مكة
( 5 ) سيرة ابن هشام
( 6 ) بمعنى اخلاط الناس
( 7 ) يريد أن أصحاب صلى الله عليه وسلم يفرون عنه غدا
( 8 ) البظر في قول أبي بكر رضي الله عنه هو الفرج واللات اسم صنم كانت تعبده ثقيف لأن عروة كان بالطائف فاللات كان معبوده
( 9 ) زرد ينسج على قدر الرأس
( 10 ) وهو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها
( 11 ) ابان بن سعيد بن العاس هو ابن عم عثمان أسلم بعد ذلك
( 12 ) ابن اسحاق


بيعة الرضوان


- دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ( 1 ) وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ينادي الناس إلى البيعة
قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه : بايعناه وبايعه الناس على عدم الفرار وأنه إما الفتح وإما الشهادة وفي رواية بايعناه على الموت . ولم يتخلف أحد من المسلمين حضرها الا الجد بن قيس أخو بني سلمية فكان جابر بن عبد الله يقول : والله لكأني أنظر إليه لاصقا بابط ناقته قد ضبأ إليها يستتر بها من الناس وكان أول من بايعه صلى الله عليه وسلم أبو سنان الأسدي
ولما لم يكن قتل عثمان رضي الله عنه محققا بل كان بالإشاعة بايع عنه النبي صلى الله عليه وسلم على تقدير حياته وفي ذلك إشارة منه إلى أن عثمان لم يقتل وإنما بايع القوم أخذا بثأر عثمان جريا على ظاهر الأشاعة تثبيتا وتقوية لأولئك القوم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال : اللهم هذه عن عثمان فإنه في حاجتك وحاجة رسولك وماذاك الا لأنه على عدم صحة القول بقتله وكان عدد اللذين بايعوه ( 1400 )
قال تعالى يذكر هذه البيعة { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } وبعد أن جاء عثمان رضي الله عنه بايع بنفسه
تأثير البيعة في قريش
لما علمت قريش بهذه البيعة خافوا وأشار أهل الرأي فيهم بالصلح على أن يرجع ويعود من قابل ثلاثا معه سلاح الراكب السيوف في القرب والقوس
_________
( 1 ) شجرة هناك من أشجار السمر . وقد بلغ عمر رضي الله عنه في خلافته إن ناسا يصلون عند الشجرة التي كانت البيعة عندها ويطوفون بها فخاف رضي الله عنه من اتساع الأمر وظهور البدعة وأن تعبد كالأصنام فأمر بها فقطعت


الصلح


- بعثت قريش سهيل بن عمرو ( 1 ) أخا بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له أئت محمدا فصالحة ولا يكن في صلحه الا أن يرجع عنا عامه هذا فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا فلما أقبل سهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل وطالت المراجعة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم . فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر أليس برسول الله ؟ قال بلى . قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال بلى . قال ؟ أوليسوا بالمشركين ؟ قال بلى . قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ( 2 ) . قال أبو بكر : الزم غرزه ( 3 ) فأني أشهد أنه رسول الله . قال عمر وأنا أشهد أنه رسول الله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال يا رسول الله : ألست برسول الله ؟ قال بلى . قال أولسنا بالمسلمين ؟ قال بلى . قال أوليسوا بالمشركين ؟ قال بلى . قال فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولو يضيعني . فكان عمر يقول : مازلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيرا
ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال اكتب " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل لا أعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم . فكتبها ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو . فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول لم أقاتلك . ولكن أكتب اسمك واسم أبيك . فقال رسول الله اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو . اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس فكيف بعضهم عن بعض على أنه من أتى محمدا من قريش بغير أذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه وان بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا سلال ولا أغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ( وكان علي رضي الله عنه وبعض الحاضرين من المسلمين منهم أسيد بن حضير وسعد بن عبادة يعارضون في محو كلمة رسول الله ) وتواثبت خزاعة وقالوا نحن في عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم وإنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها لأصحابك فأقمت بها ثلاث معك سلاح الراكب : السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها . وكتبت نسخة أخرى من هذا العقد لتبقى عند المسلمين لأن سهيلا قال يكون هذا الكتاب معي وقيل أن الذي كتب النسخة الأخرى محمد بن مسلمة ولم يكن أحد في القوم راضيا بجميع ما رضى بن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر
وقد جاء في كتاب الصلح " وإن بيننا عيبة مكفوفة " أي أمورا مطوية في صدور سليمة اشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينم من أسباب الحرب وغيرها وأنه " لا اسلال ولا أغلال " أي لا سرقة ولا خيانة
_________
( 1 ) كان سهيل سياسيا قادرا وخطيبا مصقعا
( 2 ) أي الخصلة المذمومة
( 3 ) أي ركابه


مزايا هذا الصلح


- نقل النووي عن العلماء " أن المصلحة المترتبة على هذا الصلح هي ما ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده المتظاهرت التي عملها النبي صلى الله عليه وسلم وخفيت عليهم فحمله ذلك على موافقتهم وذلك أنهم قبل الصلح لم يكونوا يختلطون بالمسلمين ولا تظهر عندهم أمور النبي صلى الله عليه وسلم كما هي ولا يجتمعون بمن يعلمهم بها مفصلة . فلما حصل الصلح اختلطوا وجاءوا إلى المدينة وجاء المسلمون إلى مكة وخلوا بأهلهم وأصدقائهم وغيرهم ممن يستنصحونهم وسمعوا منهم أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته الظاهرة وأعلام نبوته المتظاهرة وحسن سيرته وجميل طريقته وعاينوا بأنفسهم كثيرا من ذلك فمالت أنفسهم إلى الإيمان حتى بادر خلق منهم إلى الإسلام قبل فتح مكة فأسلموا فيما بين صلح الحديبية وفتح مكة كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما وازداد الذين لم يسلموا ميلا إلى الإسلام . فلما كان يوم الفتح أسلموا كلهم لما قد تم لهم من الميل "
وأنا نضيف إلى ذلك ان مزايا هذا الصلح التي غابت عن أصحابه صلى الله عليه وسلم ولم تخف عنه عظيمة جدا فقد اعترف له صلى الله عليه وسلم في هذه المعاهدة بأنه قوة مستقلة نظير قريس وإن الهدنة توجد للمسلمين فرصة لنشر دينهم في جزيرة العرب بلا معارضة ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان واثقا من جهة أخرى من اخلاص أصحابه وحبهم له وشدة تمسكم بالعقيدة الاسلامية فلا ينضمون إلى قريش بينما كان يتوقع اسلام بعض القبائل وفوق ذلك فقد سمح له زيارة مكة لتأدية الفريضة الدينية مع المسلمين في العام القابل والأقامة بها مدة ثلاثة أيام من غير أن يتعرضوا لهم بسوء وبسبب ماجاء في هذه المعاهدة من المزايا ازداد عدد المسلمين زيادة عظيمة فبعد أن كان عدد جيش الحديبية ( 1400 ) بلغ عددهم عند فتح مكة بعد عامين ( 10 . 000 ) وفي رائرة المعارف الاسلامية " إن محمدا صلى الله عليه وسلم فاز في صلح الحديبية على قريش فوزا سياسيا باهرا ( 1 ) "
لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلح قام إلى هديه فنحره ثم جلس فحلق رأسه وقيل أن الذي حلقه في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي . فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله المحلقين . قالوا والمقصرين يا رسول الله ؟ قال يرحم الله المحلقين . قالوا والمقصرين يا رسول الله ؟ قال يرحم الله المحلقين . قالوا يرحم الله المحلقين . قالوا والمقصرين يا رسول الله ؟ قال والمقصرين فقالوا ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين ؟ قال لم يشكوا
واهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في هديه جملا لأبي جهل في رأسه برة من فضة يغيظ بذلك المشركين وكانت بدنة صلى الله عليه وسلم التي نحرها بالحديبية 70 وكانت اقامته صلى الله عليه وسلم بالحديبية نحو عشرين يوما
قال الزهري في حديثه ( ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه ذلك قافلا حتى إذا كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح { انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما } ثم كانت القصة فيه وفي أصحابه حتى انتهى إلى ذكرالبيعة فقال تعالى { إن الذين يبايعونك إنما يبايعن الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما }
واختلف الناس في المراد من الفتح فقال ابن عباس وأنس والبراء بن عازب رضي الله عنهم : الفتح هنا فتح الحديبية . وقيل الفتح المراد هو فتح مكة فنزلت السورة عند مرجعه من الحديبية عدة له بفتحها وعبر فيه بالماضي لتحقق وقوعه
ونرجح إن الفتح المقصود هو فتح الحديبية لأن هذه الآيات قد نزلت بعد انصرافه منها وهذا الفتح مقدمة لفتح مكة وقد روى الأمام أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمع بن جارية الأنصاري الأوسي : قال شهدنا الحديبية فلما انصرفنا عنها وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كراع الغميم ( 2 ) . وقد جمع الناس وقرأ عليهم ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) فقال رجل يا رسول الله أو فتح هو ؟ قال : أي والذي نفسي بيده أنه لفتح . وروى موسى بن عقبة والزهري والبيهقي عن عروة بن الزبير قال أقبل النبي صلى الله عليه وسلم راجعا فقال رجل من أصحابه ما هذا بفتح . لقد صددنا عن البيت وصد هدينا بئس الكلام بل هو أعظم الفتح قد رضي المشركون ان يدفعوكم بالراح عن بلادهم وسألوكم القضية ويرغبوا إليكم في الأمان ولقد رأوا منكم ما كرهوا وأظفركم الله عليهم وردكم سالمين مأجورين فهو أعظم الفتوح . أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم . أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا فقال المسلمون صدق الله ورسوله هو أعظم الفتوح والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ولأنت أعلم بالله وأمره منا
_________
( 1 ) encyclopaedia of Islam . see Hu
( 2 ) هو موضع أمام عسفان


تنفيذ المعاهدة


- قد راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفيذ هذه المعاهدة بدقة فكان في مدة الصلح يرد الرجال المهاجرين ولا يرد النساء بعد الأمتحان وكان الامتحان ان تستحلف المرأة الهاجرة أنها ما هاهرت ناشزا ولا هاجرت الا لله ورسوله . قال تعالى { يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } فلما هاجرت إليه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها وكانت أسلمت بمكة وبايعت قبل أن يهاجر صلى الله عليه وسلم ثم خرجت في مدة الصلح مهاجرة ماشية على قدميها من مكة إلى المدينة وصحبت رجلا من خزاعة وهي أخت عثمان بن عفان لأمه لم يردها النبي صلى الله عليه وسلم لأن الشرط يقضي برجوع الرجال فقط . ولماخرج أخواها عمارة والوليد في ردها بالعهد أخبرها رسول الله بأن النساء المؤمنات لا يرجعن وأن الشرط في الرجال فقط وإن النساء يمتحن فرجعا إلى مكة وأخبرا قريشا بذلك فرضوا به
ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بصير فذهب بعد أن قتل خنيسا الذي كان جاء في طلبه إلى محل في طريق الشام يمر به ذوو الميرة واجتمع جمع من المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة فكانوا يتسللون إليه وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي رده صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وخرج من مكة في سبعين راكبا أسلموا فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدة الهدنة خوفا من أن يردهم إلى أهلهم وانضم إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب ممن أسلم حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل فقطعوا مارة قريش لا يظفرون بأحد منهم الا قتلوه ولا تمر بهم عير الا أخذوها حتى كتبت قريش له صلى الله عليه وسلم تسأله بالأرحام الا آواهم ولا حاجة لهم بهم فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير أن يقدما عليه وإن من معهم من المسلمين يلحق ببلادهم وأهليهم ولا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش ولا لعيرهم فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما وأبو بصير مشرف على الموت لمرض حصل له فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يقرأه فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا وقدم أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ناس من أصحابه ورجع باقيهم إلى أهلهم وأمنت قريش على عيرهم وتحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية " سيجعل الله لأبي جندل وأصحابه فرجا ومخرجا "

0 commentaires:

إرسال تعليق