الثالث عشر: الأنبياء في التوراة


الثالث عشر: الأنبياء في التوراة

اصطفى الله عز وجل أنبياءه من بين سائر خلقه ، وحباهم بأن جعلهم حملة دينه إلى الناس ، وأسبق أقوامهم إليه ، وجعل منهم قدوة للعالمين { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } .
وهذا الذي يقتضيه العقل في هؤلاء الذين اختارهم الله لهداية خلقه ، أن يكونوا أحسن الناس سيرة ، وأصدقهم طوية ....

وتثني التوراة في بعض نصوصها على بعض هؤلاء الأنبياء فعن داود قال: " أنا أكون له أباً ، وهو يكون لي ابناً " ( صموئيل (2) 7/14 ).
وعن نوح قال: " كان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله ، وسار نوح مع الله " ( التكوين 6/9).
وعن إبراهيم تقول التوراة بأن الله قال له في المنام " يا إبرام أنا ترس لك ، أجرك كثير جداً " ( التكوين 15/1 ).
وعن إسحاق " وباركه الرب " ( التكوين 26/12 ) ... إلى غير ذلك
لكن ذلك كله يضيع في بحر الرذائل التي تلصقها التوراة بالأنبياء .

نوح عليه السلام في التوراة :
فقد تحدثت التوراة عن سكر نوح وتعريه داخل خبائه فأبصره ابنه الصغير حام ، وأخبر أخويه بما رأى فجاءا بظهريهما وسترا أباهما فلما أفاق من سكرته وعرف ما فعل ابنه حام الصغير قال : " ملعون كنعان (ابن الجاني حام)، عبد العبيد يكون لإخوته ... وليكن كنعان عبداً لهم ".
والقصة بتمامها: "وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً. وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه. فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجاً. فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما، ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما، ووجهاهما إلى الوراء. فلم يبصرا عورة أبيهما.
فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير. فقال: ملعون كنعان (أب الفلسطينيين الذي لا علاقة له بالحادثة، بل لعله لم يولد حينذاك) ، عبد العبيد يكون لإخوته. وقال: مبارك الرب إله سام.وليكن كنعان عبداً لهم.
ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام.وليكن كنعان عبدا لهم". ( التكوين 9/25 - 26 ) فبدلاً من أن يوجه ابنه الصغير صب لعناته على كنعان ابن حام ، كنعان الذي لعله لم يخلق بعد ، فما ذنب هذا ، بل وما ذنب أبيه الذي لم يكن ليستحق هذا كله ؟ وماذا عن الذي شرب الخمر. ما الذي يستحقه؟؟

إبراهيم عليه السلام :
وأما إبراهيم فتزعم التوراة أنه قال وأخطأ في حق الله لما أراد إهلاك قوم لوط، وخاطبه بأسلوب الناصح الغليظ، بأسلوب لا يقبل عاقل أن يخاطبه به صديقه أو ابنه " فتقدم إبراهيم وقال: أفتهلك البار مع الأثيم. عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة. أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه. حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر: أن تميت البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم. حاشا لك. أديان كل الأرض لا يصنع عدلاً" (التكوين 18/23) .

لوط عليه السلام :
وأما لوط عليه السلام النبي الذي حارب الشذوذ، فتذكر التوراة أنه لما أهلك الله قومه لجأ إلى مغارة مع ابنتيه فسقتاه الخمر، وضاجعتاه ولم يعلم بذلك ، وولد من هاتين الفاحشتين عمي ومؤاب ،ومنهما انحدر العمويون والمؤابيون أعداء بني إسرائيل، فاسمع إلى السفر : " وصعد لوط من صوغر، وسكن في الجبل وابنتاه معه. لأنه خاف أن يسكن في صوغر. فسكن في المغارة هو وابنتاه.
وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمراً، ونضطجع معه.فنحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة. ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.
وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي.نسقيه خمرا الليلة أيضاً، فادخلي اضطجعي معه.فنحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً . وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.
فحبلت ابنتا لوط من أبيهما. فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب.وهو أبو الموآبيين (أعداء بني إسرائيل) إلى اليوم. والصغيرة أيضا ولدت ابناً، ودعت اسمه بن عمي.وهو أبو بني عمون (وهم أيضاً أعداء بني إسرائيل) إلى اليوم". ( التكوين 19/30 - 37 ) .
ويذكر السفر تبريراً لهذه الفاحشة أن الكبيرة منهما قالت لأختها : " أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض .... نحيي من أبينا نسلاً " (التكوين 19/31 - 32) فيصور النص الأرض وقد خلت من الرجال، أو أن المغارة سيمكث فيها لوط وابنتاه إلى الأبد.
 
يعقوب عليه السلام :
وأما يعقوب عليه السلام أصل بني إسرائيل، فهو أيضاً لم يسلم من مخازي التوراة، ولم يشفع له أبوته لهم، فتذكر التوراة أنه اشترى بكورية أخيه عيسو الذي يكبره من أبيه إسحاق ( التكوين 25/32 - 33 ).
ثم تذكر أنه سرق البركة من أخيه الأكبر عيسو عندما خدع أباه إسحاق، فأوهمه أنه عيسو ، ولم يستطع إسحاق أن يفرق بين ابنه ملمس الأكبر وجلد المعزي الذي وضعه يعقوب على يده ( انظر : التكوين 27/16 - 24 ) .
فبارك يعقوب، وهو يظنه عيسو، وقال له: " رائحة ابني كرائحة حقل ، قد باركه الرب ، فليعطك الله من ندى السماء ، ومن دسم الأرض ، وكثرة حنطة وخمر ، ليستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل ، وكن سيداً لإخوتك، وليسجد لك بنو أمك ، ليكن لاعنوك ملعونين ، ومباركوك مباركين ". ( التكوين 27/27 - 29 ).
ثم بعد برهة جاء عيسو أباه فاكتشف الخدعة ، ولكن بعد فوات الأوان .
وهكذا فالبركة سرقت ، وهذا يعتبر كذباً على الله واهب البركة ، لا على إسحاق، ويتساءل المسلمون لماذا لم يسترد إسحاق بركته ؟ ثم ما هذه البركة التي تثمر خمراً واستعباداً للشعوب ؟
و هذه البركة لا يبدو لها عظيم أثر في حياة يعقوب، فقد جوزي على خديعته لأبيه ، فخدعه خاله لابان، وزوجه غير التي عقد له عليها ( انظر : التكوين 29/24 ).
وقد رد الصاع لخاله حينما خدعه في غنمه ( انظر : التكوين 30/37 - 42 ).
ثم لما شاخ اعتدى شكيم على ابنته واغتصبها ( التكوين 34/2 ).
ثم زنى أحد أبنائه " يهوذا " بكنته ثامار، وأحبلها اثنين من أبنائه ( التكوين 38/18 ).
ثم اعتدى ابنه البكر رؤابين على بلهة سرية يعقوب، واضطجع معها ، ولم يحرك يعقوب ساكناً ( انظر : التكوين 35/21 - 22 ) .

موسى وهارون :
كما تسيء التوراة إلى موسى، وتذكر كلمات لا يمكن أن تصدر من موسى لما فيها من إساءة أدب مع الله " فقال موسى للرب : لماذا أسأت إلى عبدك ؟ ولماذا لم أجد نعمة في عينيك حتى أنك وضعت ثقل جميع هذا الشعب علي ؟ ألعلي حبلت بجميع هذا الشعب ؟ أو لعلي ولدته " فإن كنت تفعل بي هكذا فاقتلني قتلاً، إن وجدتُ نعمة في عينيك فلا أرى بليتي " (العدد 11/10 - 15) .
وفي موضع آخر تذكر التوراة أن موسى أمر في حربه مع أهل مديان الذين مكث فيهم سنين أمر بقتلهم شر قتلة ، فلما لم ينفذ الجيش أمره " فسخط موسى على وكلاء الجيش رؤساء الألوف ورؤساء المئات القادمين من جند الحرب ، وقال لهم موسى : هل أبقيتم كل أنثى حية ؟ فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال ، وكل امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكر اقتلوها . لكن جميع الأطفال من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر أبقوهن لكم حيات" ( العدد 31/14 – 18).
ولم يخبر السفر عن طريقة التمييز بين الأبكار وغيرهن ، فهل يأمر نبي بمثل هذا ؟
كذا تذكر التوراة أن هارون هو الذي صنع لهم العجل ليعبدوه " قال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها. فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون. فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالإزميل، وصنعه عجلا مسبوكا. فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر" (الخروج 32/2-4).
ثم تذكر التوراة المحرفة أن الله حرم موسى وهارون من دخول الأرض المقدسة لخيانتهما لله: " فقال الرب لموسى وهارون: من أجل أنكما لم تؤمنا بي، حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياها" (العدد 20/12)

يوشع بن نون :
وأما يشوع وصي موسى فإن اسمه يقترن في التوراة بسلسلة من المجازر التي طالت النساء والأطفال والرجال والحيوان ، وكنموذج لهذه المجازر نكتفي بمجزرة أريحا التي لم ينج فيها سوى راحاب الزانية ومن يلوذ بها، وأما ما عداها فقد أمر يشوع : " حرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم بحد السيف " . (يشوع 6/21 ).
وفي موضع آخر تزعم التوراة أنه قال: " أحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها " (يشوع 6/24).
ويستمر سفر يشوع في عرض سلسلة من المجازر التي طالت النساء والأطفال الأبرياء، وكل ذلك بأمر من يشوع ، وحاشاه عليه السلام " وأخذ يشوع مقيدة في ذلك اليوم وضربها بحد السيف وحرّم ملكها هو وكل نفس بها.لم يبق شارداً. وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا.
ثم اجتاز يشوع من مقيدة وكل إسرائيل معه إلى لبنة وحارب لبنة. فدفعها الرب هي أيضا بيد إسرائيل مع ملكها فضربها بحد السيف وكل نفس بها. لم يبق بها شارداً، وفعل بملكها كما فعل بملك أريحا.
ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لبنة إلى لخيش ونزل عليها وحاربها. فدفع الرب لخيش بيد إسرائيل فأخذها في اليوم الثاني وضربها بحد السيف وكل نفس بها حسب كل ما فعل بلبنة. حينئذ صعد هورام ملك جازر لإعانة لخيش وضربه يشوع مع شعبه حتى لم يبق له شارداً.
ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لخيش إلى عجلون فنزلوا عليها وحاربوها وأخذوها في ذلك اليوم وضربوها بحد السيف وحرّم كل نفس بها في ذلك اليوم حسب كل ما فعل بلخيش. ثم صعد يشوع وجميع إسرائيل معه من عجلون إلى حبرون وحاربوها، وأخذوها وضربوها بحد السيف مع ملكها وكل مدنها وكل نفس بها.لم يبق شاردا حسب كل ما فعل بعجلون، فحرّمها وكل نفس بها.
ثم رجع يشوع وكل إسرائيل معه إلى دبير وحاربها. وأخذها مع ملكها وكل مدنها وضربوها بحد السيف، وحرّموا كل نفس بها.لم يبق شارداً. كما فعل بحبرون كذلك فعل بدبير وملكها وكما فعل بلبنة وملكها.
فضرب يشوع كل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح وكل ملوكها.لم يبق شارداً، بل حرّم كل نسمة كما أمر الرب إله إسرائيل " (يسوع 10/28- 40).
وقد رأينا بعد هذه السلسلة الطويلة من المجازر، والتي تذكر بمجازر اليهود اليوم كيف يقول السفر في آخره: " كما أمر الرب إله إسرائيل " ( يشوع 10/40 ) .

داود عليه السلام :
وأما داود عليه السلام والذي يصفه القرآن بالأواب، فتخصه التوراة بقبائح لم تذكر لغيره منها أنه لما أراد الزواج من ابنة شاول ملك إسرائيل الأول ( طالوت ) قدم إليه مهراً عجيباً فلقد " قام داود ، وذهب هو ورجاله ، وقتل من الفلسطينيين مائتي رجل ، وأتى داود بغلفهم (الجلدة التي تقطع في الختان)، فأكملوها للملك لمصاهرة الملك " ( صموئيل (1) 18/27 ) .
ثم تحكي التوراة قصة داود مع أوريا الحثي وزوجته " وكان في وقت المساء إن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحمّ. وكانت المرأة جميلة المنظر جداً. فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد: أليست هذه بثشبع بنت اليعام امرأة أوريا الحثّي .
فأرسل داود رسلا وأخذها، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهّرة من طمثها.ثم رجعت إلى بيتها.
وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت: إني حبلى. فأرسل داود إلى يوآب يقول: أرسل إلي أوريا الحثي.فأرسل يوآب أوريا إلى داود. فأتى أوريا إليه .. وقال داود لأوريا: انزل إلى بيتك واغسل رجليك.فخرج أوريا من بيت الملك وخرجت وراءه حصة من عند الملك.
ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده ولم ينزل إلى بيته. فأخبروا داود قائلين: لم ينزل أوريا إلى بيته. فقال داود لأوريا: أما جئت من السفر. فلماذا لم تنزل إلى بيتك. فقال أوريا لداود: إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء، وأنا آتي إلى بيتي لآكل واشرب واضطجع مع امرأتي. وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر.
فقال داود لأوريا: أقم هنا اليوم أيضاً وغدا أطلقك.فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده. ودعاه داود فأكل أمامه وشرب وأسكره. وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده وإلى بيته لم ينزل، وفي الصباح كتب داود مكتوباً إلى يوآب وأرسله بيد أوريا. وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه، فيضرب ويموت". (صموئيل(2)11/2-26).
وكان كما أراد ، ومات أوريا، وضم داود تلك الزانية إلى زوجاته، ومنها أنجب سليمان، أحد أجداد المسيح.
ثم تواصل الأسفار فتحكب لنا كيف اغتصب أبشالوم بن داود جميع سراري أبيه، وأمام جميع بني إسرائيل، " قال أخيتوفل لأبشالوم: ادخل إلى سراري أبيك اللواتي تركهنّ لحفظ البيت، فيسمع كل إسرائيل أنك قد صرت مكروهاً من أبيك، فتتشدد أيدي جميع الذين معك. فنصبوا لأبشالوم الخيمة على السطح، ودخل أبشالوم إلى سراري أبيه أمام جميع إسرائيل."(صموئيل (2) 16/20-22).
ثم تحكي الأسفار عن مجازر يشيب لها الولدان فعلها داود بالعمويين فقد " أخرج الشعب الذي فيها ووضعهم تحت مناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد ، وأمرَّهم في أتون الآجر ، وهكذا صنع بجميع مدن عمون ، ثم رجع داود ، جميع الشعب إلى أورشليم " (صموئيل (2) 12/31 ) .
و مثله تسيء التوراة إليه فتذكر أنه شبه الله بما لا يليق فقال: " استيقظ الرب كنائم كجبار معّيط من الخمر. فضرب أعداءه إلى الوراء. جعلهم عاراً أبدياً " (مزمور 78/56)
ونتساءل : فما فائدة النبوات بعد ذلك كله ؟ وهل هذا يصدر عن وحي السماء ؟ ثم لو كان ذلك الذي ذكرته التوراة من المخازي حقاً فما فائدة ذكره ؟ ما الفائدة منه حتى يسطره الله في وحيه ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .

 

0 commentaires:

إرسال تعليق