أبو علي محمد بن علي بن الحسين بن مقلة
ولد ابن مقلة في بغداد
يوم الخميس لتسع بقين من شوال سنة اثنتين وسبعين ومائتين للهجرة،
وضع القواعد المهمة في تطوير الخط العربي وقياس أبعاده وأوضاعه،
ويعتبر المؤسس الأول لقاعدتي الثلث والنسخ، وعلى طريقته سار الخطاطون من بعده.
تولى أول أمره بعض الأمور الإدارية في الدولة فولي بعض أعمال فارس يجبي خراجها
ثم عاد إلى بغداد يخدم في بعض الدواوين في كل شهر بستة دنانير ينسخ ويكتب إلى أن علق بأبي الحسن بن فرات الذي رفع من قدره وحسن من أحواله فعرض جاهه واشتهر
حتى روي خبر كتابته كتاب هدنة بين المسلمين والروم وبقي الكتاب إلى زمن السلطان محمد الفاتح حيث فتح القسطنطينية سنة 452 1م.
اختاره الخليفة العباسي المقتدر بالله وزيرأ له لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وثلثمائة للهجرة.
وقبض عليه يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثماني عشرة وثلثمائة للهجرة.
نفي إلى بلاد فارس بعد أن صودرت أمواله،
ولما آلت الخلافة إلى القاهر بالله أرسل إليه من بلاد فارس يستدعيه واتخذه وزيرأ يوم الخميس غرة عيد الأضحى من سنة عشرين وثلثمائة وخلع عليه وأكرمه.
ولم يزل وزيرأ للخليفة القاهر إلى أن اتهم بمعاضدة علي بن بليق الذي خرج على الخليفة ، فبلغ الخبر ابن مقلة أن الخليفة يريده فاختفى واستتر في أول شعبان سنة إحدى وعشرين وثلثمائة هجرية.
وبقي ابن مقلة يجتمع بالقواد سرأ ويغريهم بالخليفة، كما أنه كان يظهر متخفيأ فمرة بزي رجل أعجمي وأخرى بزي رجل مكدي وتارة بزي رجل فقير ناسك وأحيانآ بزي امرأة
وبقي على هذه الحالة إلى أن آلت الخلافة إلى الخليفة الراضي بالله لست خلون من جمادى الأولى من سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة هجرية.
فاستوزره الخليفة الراضي لتسع خلون من جمادى الأولى من السنة المذكورة.
عاش ابن مقلة حياة مترفة منعمة فنال ابنه كذلك الوزارة فهدأ واستراحت نفسه
ولكن حساده لم يتركوه والنعيم الذي اطمأن إليه،
فكان يطارده سوء حظه في كل وقت
حيث ساق إليه سوء طالعه الوزير المظفر بن ياقوت الذي كان له تأثير كبير على الخليفة ، فأوغر صدره ضد ابن مقلة واحتال في القبض عليه فاتفق مع الغلمان الذين يعملون في القصر إذا جاء الوزير أبوعلي ابن مقلة اقبضوا عليه، وأفهم الوزير المظفر الغلمان أن الخليفة لا يعارض هذا الإجراء وربما سره ذلك الأمر.
فلما وصل الوزير ابن مقلة الدهليز المتفق عليه في دار الخلافة وثب عليه الغلمان وأطبقوا عليه ومعهم ابن ياقوت وأرسلوه إلى الخليفة الراضي وقد عددوا للخليفة ذنوبأ وأسبابأ تقضي ذلك الاجراء. كما أنهم روجوا لذنوب لم يقترفها،
وقام الوزير ابن ياقوت بالتنكيل بابن مقلة وساعد على ذلك حقد وغضب الخليفة عليه.
وبقي ابن مقلة عرضة للمحن والفتن
إلى أن أصدر الخليفة أمرأ بقطع يده اليمنى فقطعت وذلك سنة أربع وعشرين وثلثمائة للهجرة في شهر جمادى الأولى ولأربع عشرة ليلة خلون منه ،
وذلك بإيعاز من ابن رائق الذي استولى على مقاليد الحكم وأقرن اسمه مع الخليفة في الدعاء على المنابر،
إلا أن الخليفة عاد وندم على إصداره ذلك الأمر المجحف بحق ابن مقلة وأمر الأطباء بمعالجته في حبسه
وفي ذلك قال الحسن بن ثابت بن سنان بن قرة الطبيب، وكان يدخل على ابن مقلة لمعالجته : كنت إذا دخلت عليه في تلك الحال يسألني عن أحوال ولده أبي الحسين فأعرفه أحواله فتطيب نفسه ثم ينوح على يده ويبكي ويقول: خدمت بها الخلفاء، وكتبت بها القرآن الكريم دفعتين تقطع كما تقطع أيدي اللصوص. فأسليه وأقول له: هذا انتهاء المكروه وخاتمة القطوع فينشدني ويقول :
إذا مات بعضك فابك بعضأ فإن البعض من بعض قريب
أن الخليفة الراضي أرسل إليه وخلى سبيله وأكرمه ورشحه للوزارة من جديد قائلأ : إن قطع اليد ليس مما يمنع من الوزارة،
وكان ابن مقلة يشد القلم على ساعده ويكتب،
كما كان يكتب بيسراه أيضأ كتابة جيدة.
ثم تعرض ابن مقلة للمحن الشديدة القاسية وذلك عند قدوم بحكم التركي بغداد
وكان من أتباع ابن رائق ألد أعداء ابن مقلة،
فأراد القادم الجديد أن يفرغ سمه وسم ابن رائق فما كان إلا أن أمر بقطع لسان ابن مقلة والحبس مدة طويلة
ولم يكن له من يخدمه، فكان يستقي الماء لنفسه من البئر فيجذب بيده اليسرى جذبة وبفمه الأخرى،
وله أشعار في حاله وما انتهى إليه أمره،
ورثاء يده والشكوى من المناصحة وعدم تلقيها بالقبول،
والندم على تقربه من الحكام والسلاطين.
ماسئمت الــــــحياة لكـ ـــــن توثقت بأيمانهم
فبعت ديني لهم بدنياي حتى حرموني دنياهم
ولقدحطت ما استطعت بجهدي حفظ أرواحهم
ليس بعد اليمين لذة عيش ياحياتي بانت يميني فبيني
ولم يزل على هذه الحال في سجنه إلى أن
توفي يوم شوال، سنة ثمان وعشرين وثلثمائة ودفن بدار الخليفة.
وسلم رفاته إلى أهله فدفنه ابنه في داره،
ثم نبشته زوجته ودفنته في دارها بقصر أم حبيب.
وبذلك خسر الفن بموته علما من أعلامه ومبدعأ من مبدعي الخط العربي الذي ينسب إليه وضع مقاييس الخط ومعاييره التي يضبط فيها وإن زاد عنها أوقصر ظهرت سماجة الخط واضحة، وبرزت عيوبه للعيان ،
وأطلق على هذا الخط اسم المنسوب لتناسب حروفه وجمال أشكالها اوتناسبها بشكل هندسي متقن مجؤد،
وعلى هذا الأساس وضع ابن مقلة قانونه الذي يضبط به أصول الخط، وبين ذلك في رسالة بين فيها وجوه تجويد الكتابة بحسن التشكيل وحسن الوضع،
قال فيها:
تحتاج الحروف في تصحيح أشكالها إلى خمسة أشياء :
الأول- التوفية : وهو أن يؤتى كل حرف من الحروف حظه من الخطوط التي يركب منها مقوس ومنحنومنسطح.
الثاني- الاتمام: وهو أن يعطى كل حرف قسمته من الأقدارالتي يجب أن يكون عليها من طول أوقصر أودقة أوغلظ.
الثالث- الاكمال: وهو أن يؤتى كل خط حظه من الهيئات التي ينبغي أن يكون عليها من انتصاب وتسطيحوانكباب واستلقاء وتقويس.
الرابع- الإشباع : وهو أن يؤتى كل خط حظه من صدر القلم التي يتساوى به فلا يكون بعض أجزائه أدق من بعض ولا أغلظ فيما يجب أن يكون كذلك من أجزائه بعض الحروف من الدقة باقية مثل الألف والراء.
الخامس- الإرسال: وهو أن يرسل يده بالقلم في كل شكل يجري بسرعة من غير احتباس يضرسه ولا توقفيرعشه.
وأما حسن الوضع قال الوزير ابن مقلة ويحتاج إلى تصحيح أربعة أشياء:
الأول- الترصيف: وهو كل حرف متصل إلى حرف.
الثاني- التأليف: وهو جمع كل حرف غير متصل إلى غيره على أفضل ما ينبغي ويحسن.
الئالث- التسطير: وهو إضافة الكلمة إلى الكلمة حتى يصير سطرأ منتظم الوضع كالمسطر.
الرابع- التنصيل: وهو مواقع المدات المستحسنة من الحروف المتصلة.
وقال في مواد البيان: وهذه المدات تستعمل لأمرين:
أحدهما: تحسن الخط وتفخمه في مكان كمايحسن مدة الصوت في اللفظ ويفخمه في مكان.
الثاني: أن المدة ربما وقعت ليتم السطر إذا فضل منه ما لايتسع لحرف آخر.
وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف فيجب على الكاتب أن يعرف مواضع المد وأحكامها لئلا يوقعها في غير المواضيع اللائقة بها فيشتبه الحرف بغيره ويفسد المعنى مثل أن يوقع المد في متعلم بين الميم والتاء فيتشبه به مستعلم.
رحم الله أبا علي ابن مقلة الكاتب الشهير والوزير الحاذق والخطاط المبدع
0 commentaires:
إرسال تعليق