سادسا : أحداث الحمل إلى الميلاد
يقص الله عز وجل علينا الفترة من الحمل للولادة في سورة مريم بقوله تعالى : (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا *
فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا )[1].فحينما أحست مريم عليها السلام بأمر الولادة ، فرت بحملها هذا إلى مكان بعيد حتى لا يعلم أحدا بأمرها ، وهنا أرسل الله لها جبريل عليه السلام ليطئنها ويرشدها ماذا تصنع في مثل هذه الحال ، فأمرها أن تهز النخلة وتأكل من رطبها ، وكأنه يمثابة العلاج لها في مثل هذه الحالة ، حالة آلام الولادة ، ولا تحدث أحدا من البشر أن رماها بسوء حينما تأتي بالولد.
فكما نرى : إن أول ما تكلم فى المهد أنه عبد لله منذ فجر ولادته مثبتا أنه ليس بإله أو ابن إله أو أقنوم من الأقانيم ، وأنه مبارك من رب العالمين ، وبرا بأمه ، والذي بدله النصارى بعد وفاته ، فتحولوا من التوحيد للشرك والتنديد ، وبدلا من أن يصفوا المسيح بالبر لأمه وصوفوه بالعقوق.
فلما أتت به وهو صغير شكوا فيها ورماها اليهود بالزنا ، وكان الملك قد وجهها ألا تتكلم إن رأت من البشر أحدا ، فلم تتكلم ، وحين إذ تكلم المسيح في مهده فقال : أني عبد الله ونبي من الأنبياء ، جعلني مباركا وأوصاني بالصلاة والزكاة والبر بوالدتي وليس العقوق-الذي وصفه النصارى به في الكتاب المقدس-، وقد وردت القصة كاملة في القرآن الكريم ، قال تعالى : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)[2].
لقد كان كلام المسيح في المهد معجزة له ، وكرامة لأمه ، ودليلا عمليا على براءة مريم العذراء مما رماها به اليهود وكشفا لكذبهم وبهتانهم ، وردا إلهيا على غلوهم في الماديات وربط الأسباب بالمسببات.
وقد برأ القرآن مريم عليها السلام من فرية الزنا التي رماها بها اليهود رغم علمهم أنها من صالحيهم لما حدث لها من كرامات ، وأنها كانت في بيت زكريا نبي الله عليه السلام ، قال تعالى : (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا)[3].
وبعد الميلاد كانت فترة النفاس لمريم العذراء ، حتى أتمت أيامها ، ولما طهرت أخذوه للمعبد لتقديمه للرب حسب رواية لوقا للكتاب المقدس حيث قال : (و لما تمت ايام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به الى اورشليم ليقدموه للرب) [4].
إن هذا النص يحتوي على عدة دلالات لنقض العقيدة المسيحية ، منها :
1- بشرية المسيح ، فإن افترضنا جدلا أن يتجسد الإله ويخرج من فرج امرأة فهل يتسبب الرب في النجاسة أم التطهير؟! لا ريب أن الرب قدوس في كل الأديان ، ففي اليهودية والمسيحية والإسلام هو القدوس المطهر عن كل عيب ونقص.
وقولنا بالنجاسة للحائض والنفساء فهو حسب شريعتهم-اليهود والنصارى- ، وليس حسب شريعة الإسلام التي تذهب أن المؤمن لا ينجس ، أما في اليهودية والنصرانية فالمرأة في حيضها ونفاسها نجسة يجب اعتزالها ، ففي سفر اللاويين نجد النص التالي : (كلم بني اسرائيل قائلا اذا حبلت امراة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة ايام كما في ايام طمث علتها تكون نجسة ) [5].
2- أن الراوي لهذا الكتاب-لوقا- ذكر أنهم فرقوا بين المسيح العبد ، والإله الرب ، ولو كانوا يعتقدون ربوبيته ، فأين ذهبوا به؟! هل ذهبوا به لأورشليم ليقدموه للرب والرب معهم؟! لا ريب أن فكرة الربوبية لم تكن مطروحة حينئذ ، وإنما المطروح عبودية المسيح فحسب.
0 commentaires:
إرسال تعليق