رابعا : الاصطفاء الإلهي لمريم عليها السلام
والمراد هنا نوعين من الاصطفاء إحداهما مقدمة للآخر :
الأول : اصطفاء تطهير من الرجس والتأييد بالكرامات :
ومن أجل هذا الاصطفاء تنازع بنو إسرائيل من أجل كفالتها تبركا بها كصالحة
من صالحي بني إسرائيل ، قال تعالى : (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ أن اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ *)[1].والثاني : الاصطفاء باختيارها لتكون مستقرا لأحد معجزات الله عز وجل ، وهي الحمل دون زواج بأحد أنبياء الله ، وخاتمهم لبني إسرائيل قبل بعثة النبي ، ألا وهو المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.
وقد بشرت الملائكة مريم عليها السلام بهذا الحدث وبصفات المولود منها كما في قوله تعالى : (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ أن اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ)[2] ، ولا ريب أن المراد واضح ، فالمراد هنا تسديد الله لهذه المخلوقات بما يعطيها من آراء صائبة عن طريق الإلهام والمكاشفة.
فما كان منها إلا التعجب من هذه الكرامة التي منحها الله عز وجل لها ، فدار بينها وبين جبريل عليه السلام الحوار الذي قصه الله عز وجل بقوله : (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[3].
أما في السنة فقد ورد فضل مريم عليها السلام من أوجه :
1- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عنها أنها من خير نساء العالمين حيث قال : (خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون )[4].
2- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنها أنها ممن كمل من النساء ، فقد روى الإمام البخاري من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا: مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)[5].
3- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنها من أهل الجنة بقوله : (سيدات نساء أهل الجنة أربع : مريم وفاطمة وخديجة وآسية)[6].
4- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن مريم عليها السلام والمسيح ولدها الوحيدان اللذان نجيا من نخس الشيطان ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب )[7].
0 commentaires:
إرسال تعليق