مبررات تجسد الابن


 مبررات تجسد الابن 

 تساءل المحققون عن سبب تجسد الابن دون الأب وروح القدس؟ وتساءلوا لم كان التجسد الإلهي على صورة بشر؟ ما ضرورته؟ لماذا نزل الابن من عليائه ليدخل جوف امرأة ثم يخرج من فرجها؟ لم كان هذا كله؟

اجتهد رجال الكهنوت في الإجابة عن هذه الأسئلة، ولما لم يجدوا لها إجابة في ثنايا كتابهم أعملوا عقولهم، فصدرت عنهم أقوال مختلفة، كل بحسب ما أداه إليه عقله، إذ كما لم يجدوا في العهد الجديد ما يؤكد قول بولس بأن الإله قد تجسد أيضاً لم يجدوا في هذه الأسفار تبريراً له.
وقد انحصرت إجاباتهم في ثلاثة أقوال:
أولها: أن هذا السر لا نفهمه، وينبغي أن نؤمن به.ثانيها: أن التجسد كان لردم الهوة بين الله والبشرية وإيناسها برؤية الإله.ثالثها: أن التجسد كان ضرورة للتوفيق بين عدل الله ورحمته، حيث اقتضى عدل الله موت البشرية وتسلط الموت عليها واقتضت رحمته حياتها، فكان المسيح كبش الفداء.
وفي ذلك يقول أثناسيوس وهو أحد أهم رجال مجمع نيقية : "لهذا كان أمام كلمة الله أن يأتي بالإنسان الفاسد إلى عدم فساد، وفي نفس الوقت أن يؤمن مطالب الأب العادل المطالب به الجميع، وحيث أنه هو كلمة الأب ويفوق الكل، فكان هو وحده الذي يليق بطبيعته أن يجدد خلقه كل شيء وأن يتحمل الآلام عن الجميع لدى الآب…لأجل ذلك نزل إلى عالمنا كلمة الله الخالي من الجسد، العديم الفساد وغير المادي…و إذ لم يتحمل أن يرى الموت تصير له السيادة لئلا تفنى به الخليقة، وتذهب صنعه أبيه في البشر هباء، فقد أخذ لنفسه جسداً لا يختلف عن جسدنا…لأنه لو لم يكن الرب مخلص الجميع ابن الله قد جاء إلينا وحل بيننا ليوفي غاية الموت لكان الجنس البشري قد هلك".
ويرفض المسلمون هذا التبرير لأنه يظهر الإله العظيم عاجزاً عن العفو والغفران حائراً بين عدله ورحمته، ومثل هذا لا يقع به الحكماء من الناس فضلاً عن رب العالمين.
ثم ماذا بعد الجسد هل تغير حال البشر فلم يعد الموت متسلطاً عليهم؟
فيجيب أثناسيوس: "بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم…و عندما تم ذلك بدأ البشر يموتون، وصار عليهم من الفساد في ذلك الوقت فصاعداً، وصار له سلطان على الجنس البشري أكثر من سلطانه الطبيعي، لأنه أتى نتيجة تهديد الله في حال العصيان".
لكنا لم نعرف ما هو السلطان الطبيعي للموت؟ ولا ندري ما الفرق بين موت الناس قبل المسيح وبعده… كما يحق لنا أن نتساءل هنا عن سر تسلط الموت على غيرنا كأنواع الحيوانات المختلفة.
كما يذكر أثناسيوس سبباً آخر للتجسد فيقول: "عندما خلق الله الضابط للكل الجنس البشري بكلمته، ورأى ضعف طبيعتهم، وأنها لا تستطيع من نفسها أن تعرف خالقها، أو أن تكون فكرة عن الله على الإطلاق…لهذا تحنن الله على الجنس البشري على قدر صلاحه ولم يتركهم خالين من معرفته لئلا يروا أن لا منفعة على الإطلاق من وجودهم في الحياة".
لقد كان الهدف من التجسد إذاً أن تأنس البشرية برؤية ومعرفة ربها وأن تنهدم الهوة الواسعة بين الخالق والمخلوق وهو ما عبر عنه سنوت في كتابه "المسيحية الأصلية" حيث يقول: "توجد فقط هوة واسعة لا حد لها… ولو لم يكن الله بادر وتدراك الأمر لبقيت الحالة على ما هي عليه، ولظل الإنسان بلا رجاء يتخبط في دياجير اللا إرداية، ولكن الله تكلم، ولقد بادر وأعلن عن نفسه".
وهنا نتساءل كيف كانت صلة الأنبياء بربهم مع هذه الهوة؟ هل عرفوا ربهم المعرفة التي تدفعهم لعبادته وطاعته؟ أم كان إيمانهم باهتاً؟ وماذا تغير في حياة البشرية بعد تجسد الإله هل آمن الناس وعرفوا ربهم؟ وهل زال الإلحاد من البشرية؟
ثم أين الإيناس للبشرية في رؤيتها للرب وهو يصفع ويضرب ويجلد. إن هذا من شأنه أن يقلل من مقام الألوهية عندهم، فالنفس البشرية طلعة تتوقد أشواقها إلى المجهول، وتتحرك نزعاتها إلى عالم الغيب، فإذا انكشف لهم المجهول أو ظهر لهم ما وراء الغيب سكنت نزعاتها وبردت أشواقها نحو هذا الشيء الذي كانت تسعى إليه وتجدُّ في البحث عنه.
ثم ماذا عن باقي أجيال البشرية التي لم تأنس بمعرفة هذا المتجسد.هل من العدل أن تحرم منه؟ وكيف لها أن تعرف ربها ولم تراه ؟!
ثم لم كان أنسنا بالإله حال طفولته وشبابه فقط، ولم نأنس به أيضاً حال كهولته وهرمه. فلماذا؟!
ويرى شارل جنيبر ضعف هذه التبريرات، ويقرر أن بولس هو الذي قرر تجسد الإله، وجاء بالفكرة بعد أن أدرك " أن الأتباع الجدد من المشركين لم يكونوا ليتقبلوا كل القبول فضيحة الصلب، وأنه يجب تفسير ميتة عيسى المشينة - و التي لم يكف الأعداء بطبيعة الحال عن الرجوع إليها - تفسيراً مرضياً، يجعل منها واقعة ذات مغزى ديني عميق.
وأعمل الحواري (بولس) فكره في هذه المشكلة…ووضع حلاً كان له صدى بالغ المدى قد تجاهل فكرة عيسى الناصري التي أغرم بها الاثنا عشر، ولم يتجه إلا إلى عيسى المصلوب، فتصوره شخصية إلهية تسبق العالم نفسه في الوجود، وتمثل نوعاً من التشخيص…و قد عثر الحواري على العناصر الجوهرية في الأسرار، عثر عليها في غالب الظن دون أن يبحث عنها…"
وثمة حرج آخر واجهه بولس وغيره، وهو كيف انتهت حياة المسيح على الصليب، والتوراة تنص على لعن كل مصلوب (انظر التثنية 21/23).
كيف يصبح السيد المسيح ملعوناً، فرأى بولس أن يجعل من الملعون مثلاً أعلى في التضحية، وأن يجعل منه إلهاً نزل وتجسد ليفدي البشرية من خطاياها فصار لعنة ليفتديهم من لعنة الناموس، وكما قال بولس: "ولكن الله من محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا، فبالأولى كثيراً ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب، إنه وإن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه.." (رومية 5/8-10).
وأخيراً فإن هذا الذي تقوله النصارى في الرب جل وعلا من تعدد وتجسد نوع من العبث الإنساني وجرأة صارخة على مقام الرب جل وعلا وتطاول مستغرب، فإن المثّال كما يقول الأستاذ المهتدي محمد مجدي مرجان "حين يصنع تمثالاً فإنه يستطيع أن يهدمه، ولا يتصور أحد أن يدعي التمثال أنه من جبلة صانعه، أو أنه جزء أو عنصر من هذا الصانع.
ولكن الإنسان الضعيف أحد مخلوقات الله تطاول على صانعه، ثم أخذه الغي ولعبت برأسه نشوة الضلال، فقلب الوضع وعكس الآية، فقام بإعادة تكوين وتشكيل صانعه، ثم راح يعيد تقسيم خالقه إلى أقسام ثلاثة ابتدعها خياله جاعلاً كل قسم منها إلهاً قائماً بذاته، محولاً الإله الواحد إلى ثلاثة… ثم قام بتقسيم الأعمال والأعباء والوظائف بين آلهته الثلاثة التي صنعها عطفاً وإشفاقاً من أن يتحمل كل تلك الأعمال والأعباء والوظائف إله واحد. حقاً ما أشقى الإنسان".
والحق أن فكرة التجسد النصرانية أحد أسباب انتشار الإلحاد بين البشر، فإن الإنسان يميل بفطرته وعقله إلى تعظيم الخالق وتنـزيهه عن الشبيه والمثيل، فيما تجعله النصرانية إنساناً خرج من فرج امرأة من بني إسرائيل…
يقول كيرانس ايرسولد: "أما من وجهة نظر العلم فإنني لا أستطيع أن أتصور الله تصوراً مادياً بحيث تستطيع أن تدركه الأبصار أو أن يحل في مكان..".
وعندئذ يخير الناس بين المعتقد الخاطئ والفطرة الصحيحة المؤيدة بسلطان العقل، فلا يجد كثير منهم مفراً من الكفر بإله الكنيسة المصفوع والمصلوب، فيكثر الإلحاد. تعالى الله عما يقول هؤلاء علواً كبيراً.
ومن الآثار السيئة التي تتركها عقيدة التجسد إضعاف المثل والقيم التي جاء بها المسيح ودعا إليها، ثم كان بسبقهم إليها قدوة صالحة لأتباعه، لكن أثر هذا الخلق يضيع مع القول بالألوهية، إذ لن يتصور البشر إمكانية تطبيق هذه المثل التي سبقهم إليها إله.
وصدقت دائرة المعارف الأمريكية في قولها: "لو كان إلهاً فإن المثل التي ضربها لنا بعيشته الفاضلة يفقد كل ذرة من القيمة حيث إنه يمتلك قوى لا نملكها. إن الإنسان لا يستطيع تقليد الإله".
ويقول توماس أكمبسفي كتابه "على خطى المسيح": "إذا كان المسيح إلهاً فإن المرء لا يستطيع اقتفاء أثره والسير على منهجه".

هل المسيح هو الله ؟

وقد اهتم المحققون بمناقشة الطبيعة الواحدة للمسيح والتي تقول بها الكنيسة الأرثوذكسية المصرية (المرقسية).
وفي بيان معتقدها يقول حبيب جرجس عميد الكلية الاكليريكية بمصر موضحاً عقيدة الأرثوذكس المصريين في مسألة الطبيعة الواحدة : "إن فادينا العظيم قد تنزل عن سماء مجده، وقبل أن يتحد بالإنسان باتخاذه جسداً حقيقياً بنفس عاقلة ناطقة، فحبل به بقوة الروح القدس… واتحادهما بدون اختلاط ولا امتزاج، يصيران شخصاً واحداً، ذا طبيعة واحدة…صار المسيح ذاتاً واحدة جوهراً واحداً طبيعة واحدة، مشيئة واحدة".
ولعل هذا المذهب أشد مذاهب النصارى كفراً، إذ أنه جعل الله هو المسيح عليه السلام كما قال الله عنهم: [  لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ] (المائدة :17).
ويعجب المسلمون كيف جعل أتباع هذا المذهب الله بشراً؟ فالقديم الأزلي لا يصير محدثاً، ولا يجري عليه ما يجري على البشر من عوارض كالنوم والنسيان والأكل والشرب وكونه يرى…
لكن النصوص المقدسة تثبت أن المسيح ليس الله، فثمة مفارقات واضحة بينهما، فالمسيح بشر، أصابته العوارض التي تصيب سائر البشر، وهي عوارض تنزه النصوص التوراتية، بل والإنجيلية الله عز وجل عنها.
فالمسيح مولود امرأة، وهيهات لمولود المرأة، ابن آدم الدود، أن يكون إلهاً، فقد جاء في التوراة "فكيف يتبرر الإنسان عند الله وكيف يزكو مولود المرأة. هوذا نفس القمر لا يضيء والكواكب غير نقية في عينيه. فكم بالحري الإنسان الرمّة وابن آدم الدود" (أيوب 25/4-5).
فالمسيح نام في السفينة (انظر مرقس 4/35-38)، أما الله "إنه لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل" (المزمور 121/4).
والمسيح كان جسداً مرئياً، والله لا يرى "الذي لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية" (تيموثاوس (1) 6/16) وهو ما يقوله يوحنا: " الله لم يره أحد قط " (يوحنا 1/18).
يمضي يوحنا فيقول: " الله روح" (يوحنا 4/24)، أي ليس جسماً في حين كان المسيح جسماً محسوساً باللمس والمسيح عن نفسه يقول: " انظروا يديّ ورجليّ، إني أنا هو، جسوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا، أراهم يديه ورجليه" (لوقا 24/37-41).
بل لا تقدر الأجسام أن ترى الله، ومن رآه يموت (انظر الخروج 10/28) فكيف يزعم هؤلاء بأن البشر رأوه.
والمسيح كان صوته مسموعاً، أما الآب فالأسفار تخبر أن أحداً لم يسمع صوته، ولم يره "والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي. لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته" (يوحنا 5/37)
وكيف يقول النصارى: إن جسداً بشرياً قد اكتنفه في بطنه إلى حين ولادته، والله غير ذلك "العلي لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي" (أعمال 7/48) ومن المحال أن يكتنفه جسد أرضي مهما عظم، فالسماوات والأرض لا تسعه " هل يسكن الله حقاً على الأرض؟ هوذا السماوات وسماء السماوات لا تسعك، فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت" (ملوك(1) 8/27)
والمسيح صلب - كما ذكرت الأناجيل - ومات، والله عن نفسه يقول: "حي أنا إلى الأبد" (التثنية 32/40)، ويقول: "أقسم بالحي إلى أبد الآبدين" (الرؤيا 10/6)، وهو "الذي وحده له عدم الموت ساكناً في نور، لا يدنى" (تيموثاوس (1) 6/16).
كما أفادت نصوص أخرى عجزاً للمسيح وقعوداً عن مرتبة الألوهية فدل ذلك على أنه ليس الله فقد جهل موعد الساعة " وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السماوات، إلا أبي وحده " (متى 24/36).
وقال عن نفسه: "أنا لا اقدر أن أفعل من نفسي شيئاً " (يوحنا 5/30).
لذا عجز أن يعد ابني زبدى بالملكوت (انظر متى 20/23)، ولما سماه أحدهم صالحاً قال: "لم تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد، وهو الله" (لوقا 18/18-20).
وذكر بولس أن للمسيح شركاء "من أجل ذلك مسحك الله بزيت الابتهاج أكثر من شركائك" (عبرانيين 1/8-10) فهل هؤلاء شركاء له حتى في الألوهية؟.
كما ثمة نصوص أفادت بأن المسيح عبد إلهاً غيره، ناداه وهو على الصليب: " إلهي إلهي لماذا تركتني" (متى 27/46).
وقال عن الله: " أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يوحنا 20/17).
كما كان المسيح يعبد ربه ويصلي له، ومن ذلك صلاته ليلة أن جاء الجند للقبض عليه (انظر متى 26/39)، فإذا كان هو الله فلمن كان يصلي، هل الله يصلي لله؟ وهل الله يدعو الله؟ ثم هل يستجيب الله لدعاء الله؟!
وقال للشيطان لما طلبه أن يسجد له: "مكتوب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد:" (متى 4/10).
كما تثبت النصوص تغايراً بين المسيح والله، وتذكر عشرات النصوص أن المسيح مرسل من الله والمرسَل غير المرسِل، منها "الكلام الذي تسمعونه ليس لي، بل للآب الذي أرسلني" (يوحنا 14/24).
وأكد يوحنا المغايرة بين الآب والابن، وأنهما ليسا واحداً في قوله على لسان المسيح : " لم أتكلم من نفسي، لكن الأب الذي أرسلني، هو أعطاني وصية ماذا أقول، وبماذا أتكلم" (يوحنا 12/49)، فإذا كان الابن مساوياً للآب في كل شيء أو هو الآب نفسه، فلم كان الابن لا يتكلم من تلقاء نفسه بل لابد له من موافقة الآب الذي أرسله وأعطاه وأوصاه بالكلام الذي ينبغي أن يقوله.
ويقول المسيح أخرى: "أرسلتني إلى العالم…ليؤمن العالم أنك أرسلتني…" (يوحنا 17/21-24).
ومن النصوص التي أفادت المغايرة قول بولس عن المسيح "الذي أقامه من الأموات" (كولوسي2/12)، فالقائم من الموت غير الذي أقامه.
ويقول بولس: " نشكر الله أبا ربنا يسوع المسيح" (كولوسي 1/3) فالأب ليس الابن، بل أبوه.
ويقول المسيح: "كما أحبني الأب" (يوحنا 15/9)، ويقول: " ليفهم العالم أني أحب الآب وكما أوصاني الآب " (يوحنا 14/31)، فالمحب غير المحبوب، والموصي غير الموصى.
ويقول: "ما سمعته من أبي" (يوحنا 1/15)، فالسامع ليس القائل.
ويؤكد الفرق بينه وبين الله، فيقول: "أبغضوني أنا وأبي" (يوحنا 15/24).
ومما يفيد أيضاً المغايرة بين الأقانيم الثلاثة قول بطرس: "يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيراً" (أعمال 10/38)، فالله مسح عيسى بالروح القدس، فهم ثلاث شخصيات متمايزة منفصلة.
وجاءت نصوص تقول بأن المسيح بعد القيامة "ارتفع وجلس عن يمين الله" (مرقس 16/19) ويقول بولس: "المسيح جالس عن يمين الله" (كولوسي 3/1)، فالذي عن اليمين غير للذي عن شماله.
وقد قال لمريم: " وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يوحنا 20/17)، فالصاعد غير الذي يصعد إليه.
كما أن هذه الغيرية تنطوي على عدم تساوٍ بين الله والمسيح، فقد قال المسيح: "أبي أعظم مني" (يوحنا 14/28)، وقال: "أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل" (يوحنا 10/29)، وقال: "الحق الحق أقول لكم: إنه ليس عبد أعظم من سيده، ولا رسول أعظم من مرسله" (يوحنا 13/26)، وقال: "الحق أقول لكم، لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل" (يوحنا 5/19).
وأكد بولس خضوع المسيح في النهاية لله فقال: " ومتى أخضع له الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل، (أي لله) كي يكون الله الكل في الكل " (كورنثوس (1) 15/28)، فهو ولاشك دون الآب خاضع له، وليس هو الآب، فهل هذان أقنومان متساويان أم شخصان متغايران؟
كما يتغاير الابن عن روح القدس، ولا يتساويان، لذا يقول المسيح: "ومن قال كلمة عن ابن الإنسان يغفر له، وأما من قال عن روح القدس فلن يغفر له، لا في هذا العالم، ولا في العالم الآتي" (متى12/32).
فدل النص على أن روح القدس أفضل من المسيح، وهو أيضاً مخالف لترتيب صيغة التثليث التي تقدم المسيح على الروح القدس.
ومما يؤكد المغايرة بين هذه الأقانيم وعدم تساويها تحريم الكنيسة تغيير ترتيب الثالوث كالقول باسم الروح القدس والابن والآب، إذ يعتبر هذا القول هرطقة، وقد كان قولاً شائعاً في أوربا في العصور الوسطى، وقد حاربته الكنيسة حتى اندثر؟ فمنع هذه الصيغة دال على عدم التساوي، والأمر بالمحافظة على الترتيب المشهور مشعر بأهمية بعض الأقانيم على بعض.
وأخيراً: الله ليس له شبيه ولا نظير، لا في السماء ولا في الأرض، لا المسيح ولا غيره " قال: أيها الرب إله إسرائيل، لا إله مثلك في السماء والأرض" (أيام (2) 6/14)، وقال: " لأنه مَن في السماء يعادل الرب؟ من يشبه الرب بين أبناء الله؟" (المزامير 89/6).

0 commentaires:

إرسال تعليق