- 66 - العداوة بين الأوس والخزرج


العداوة بين الأوس والخزرج


- كانت أول فتنة وقعت بين الأوس والخزرج حرب سمير وذلك أن رجلا حليفا يقال له كعب فاخرالأوس بشيء فغضب منهم رجل له سمير وشتمه ثم رصده حتى خلا به فقتله فغضب مالك بن عجلان وطلب الرجل عشيرته فأنكروا معرفته وعرضوا عليه الدية فقبلها فأرسلوا إليه نصف دية لأن الرجل حليف لا نسيب فأبى الا الدية كاملة فامتنعوا
ولج الأمر حتى أفضى إلى المحاربة فاقتتلوا مرتين كانت النصرة في الثانية منهما للأوس فلما افترقوا أرسلت الأوس إلى مالك أن حكم بيننا المنذر بن حرام التجاري الخزرجي وهو جد حسان بن ثابت فأجابهم إلى ذلك فحكم أن يؤدى الأوس إلى مالك دية الصريح ثن يعودون إلى سنتهم القديمة فرضوا بذلك وافترقوا وقد شبت البغضاء في قلوبهم وتمكنت العداوة بين القبيلتين
ثم ان كعب بن عمرو المازني الخزرجي تزوج امرأة من بني سالم فأمر أحيحة بن جلاح رئيس بني حججبا من الأوس جماعة أن يرصدوه ويقتلوه ففعلوا فدعا أخوه عاصم قبيلته للنصرة فاستعدوا والتقوا هم والأوس واقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت بنو حججبا وانهزم أحيحة فركض وراءه عاصم فأدركه وقد دخل باب الحصن وأغلقه فرماه بسهم فلم يصبه فقتل أخا له فعزم أحيحة أن يكبس بني النجار وكان متزوجا بأمرأة منهم فلم يرضها ذلك وخافت على قومها فسارت إليهم ليلا وقد نام أحيحة بعد سهر طويل وأنذرتهم . فلما أتاهم أحيحة إذا هم على سلاحهم فلم يقدر عليهم فضرب إمرأته حتى كسر يدها لما بلغه ما فعلت وطلقها
ثم كانت حرب بني وائل بن زيد من الأوس وبني مازن بن النجار من الخزرج وذلك أن الحصين بن الأسلت الأوسي نازع رجلا من بني مازن وقتله فتبعه قوم من بني مازن فقتلوه فبلغ ذلك أخاه أبا قيس بن الأسلت فجمع قومه وانضمت الأوس والخزرج كلها فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت الأوس
ثم كانت حرب بين بني ظفر من الأوس وبني مالك بن النجار من الخزرج وذلك أن رجلا من ظفر كان يمر إلى أرضه في أرض رجل من بني النجار فمنعه فلم يمتنع فنازعه فقتله الظفري فاجتمع قومها واقتتلا فانهزم بنو مالك بن النجار
ثم أن رجلا من بني النجار أصاب غلاما من قضاعة وقتله وكان عم الغلام جارا لمعاذ بن النعمان الأوسي فطلب معاذ ديته منبني النجار فامتنعوا فلقيهم بقومه عند فارع أطم حسان بن ثابت ولم يزل القتال بينهم حتى حمل الدية إليه عامر بن الأطناب فاصطلحوا حالا
ثم كانت الموقعة المعروفة بحاطب وهو حاطب بن قيس من بني أمية بن زيد بن مالك ابن عوف الأوسي وبينها وبين حرب سمير نحو مائة سنة وكان سبب هذه الحروب أن حاطبا كان رجلا شريفا سيدا فأتاه رجل من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان فنزل عليه ثم أنه غدا يوما إلى سوق قينقاع فرآه يزيد بن الحرث المعروف بابن فسحم وهي أمه وهو من بني الحرث بن الخزرج فقال يزيد لرجل يهودي لك ردائي إن كسعت هذا الثعلبي فأخذ رداءه وكسعه ( 1 ) كسعة سمعها من بالسوق فنادى الثعلبي يالحاظب كسع ضيفك وفضح . وأخبر حاطب بذلك فجاء إليه فسأله من كسعه فأشار إلى اليهودي فضربه حاطب بالسيف ففلق هامته فأخبر ابن فسحم الخبر وقيل له قتل اليهودي قتله حاطب فأسرع خلف حاطب فأدركه وقد دخل بيوت أهله فلقى رجلا من بني معاوية فقتله ( ولا ندري السبب الذي دعا ابن فسحم أن يحرض ذلك اليهودي على ضرب الثعلبي في دبره ) فثارت الحرب بين الأوس والخزرج وكان الظفر فيها للخزرج وهذا اليوم من أشهد أيامهم وكان بعده عدة وقائع كلها من حرب حاطب فمنها يوم الربيع ويوم البقيع والفجار الأول والثاني ويوم بعاث هو آخر الأيام بينهم
وفي يوم الفجار الثاني حالفت قريظة والنضير الأوس على الخزرج وجرى بينهم قتال سمي ذلك اليوم يوم الفجار الثاني وسبب حرب يوم بعاث هو أن قريظة والنضير جددوا العهود مع الأوس على الموازرة والتناصر واستحكم أمرهم وجدوا في حربهم ودخل معهم قبائل من اليهود غير من ذكرنا فلما سمعت بذلك الخزرج جمعت وحشدت وأرسلت حلفاءها من أشجع وجهينة وأرسلت الأوس حلفاءها من مزينة ومكثوا أربعين يوما يتجهزون للحرب والتقوا ( بيعاث ) وهي من أعمال قريظة . وعلى الأوس حضير الكتائب والد أسيد بن حضير وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي وتخلف عبد الله بن أبي ابن سلول فيمن تبعه عن الخزرج . وتخلف بنو حارثة بن الحرث عن الأوس فلما التقوا اقتتلوا قتالا شديدا وصبروا جميعا . ثم أن الأوس وجدت من السلاح فولوا منهزمين نحو العريض فلما رأى حضير هزيمتهم برك وطعن قدمه بسنان رمحه وصاح واعقراه كعقر الجمل والله لا أعود حتى أقتل فان شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا فعطفوا عليه وقاتل عنه غلامان من بني عبد الأشهل يقال لهما محمود ويزيد ابنا خليفة حتى قتلا وأقبل سهم لا يدري من رمى به فأصاب عمرو بن النعمان البياضي رئيس الخزرج فقتله فبينا عبد الله بن أبي ابن سلول يتردد راكبا قريبا من بعاث يتجسس الأخبار إذ طلع عليه بعمرو بن النعمان قتيلا في عباءة يحمله أربعة رجال كما كان قال له . فلما رآه قال ذق وبال البغى وانهزمت الخزرج ووضعت فيهم الأوس السلاح فصاح صائح يا معشر الأوس أحسنوا ولا تهللوا أخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب فانتهوا عنهم ولم يسلبوهم وإنما سلبهم قريظة والنضير وحملت الأوس حضيرا مجروجا فمات وأحرقت الاوس دور الخزرج ونخيلهم فأجار سعد بن معاذ الأشهلي أموال بني سلمة ونخيلهم ودورهم جزار بما فعلوا له في الرعل ونجى يومئذ الزبير بن اياس بن باطا ثابت ابن قيس بن شماس الخزرجي أخذه فجز ناصيته وأطلقه وهي اليد التي جازاه بها ثابت في الاسلام يوم بني قريظة
_________
( 1 ) كسعه ضرب دبره بيده


الخلاصة


- تبين ينا من تاريخ الخزرج والأوس أنهما ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء الذي خرج من اليمن بعد تفرق أهل سبأ بسيل العرم وأن هذا السيل ليس خرافة بل حدث مرارا وخرب السد فغرت البلاد
وقد لبث الخزرج والأوس حينا من الدهر مع اليهود يحيون الأرض الموات ويزرعونها وهم في عسر شديد . وكان اليهود هم أرباب الأموال فحدث نزاع وشجار بينهم وبين اليهود وهو أشبه بالثورات التي حدثت بين المزارعين أو العمال المتمولين في القرون الأخيرة
ثم نشبت حروب بن الأوس والخزرج فتارة كان النصر فيها للخزرج وأخرى للأوس وكان الظفر في أكثرها للخزرج . وأخيرا حالفت قريظة والنضير الأوس على الخزرج وأنضم بنو قينقاع إلى الخزرج على أن تلك الحروب الطاحنة بين القبيلتين الأختين كان سببها بناء على ما وصل إليه من تاريخها حزازات شخصية كان في الإمكان ملافاتها . لكن العداء أشتدد بينهما لما في طبيعة العرب من التمسك بالأخذ بالثار . وقد بلغت العداوة بين الخزرج والأوس مبلغا عظيما قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وآخر الحروب بينهم يوم بعاث الذي هزم فيه الخزرج وكان حوالي سنة 616 م فلما سئموا القتال أجمعوا على تتويج عبد الله بن أبي ابن ( 1 ) سلول ملكا عليهم وابن سلول هذا هو اللقب برأس المنافقين . وقد حسد النبي لأن الإسلام منع تتويجه وأخذته العزة فأضمر الشر وهو الذي قال في غزوة المصطلق " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " فقال ابنه عبد الله للنبي وهو الله الذليل وأنت العزيز يا رسول الله إن أنت أذنت لي في قتله قتلته فواللذه لو علمت الخزرج ما كان بها أحد أبر بوالده منى . ولكني أخشى أن تأمر به رجلا مسلما فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي على الأرض حيا حتىأقتله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل نحسن صحبته ونترفق به ما صحبنا ولا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ولكن بر أباك وأحسن صحبته
ولما أنعم الله على الخزرج والأوس بنعمة الإسلام اتفقت الكلمة واجتمع الشمل وتآخى الفريقان فوحد رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمهما ولقبهما بالأنصار لأنهم نصروه . وتوحيد الاسمين تحت راية الإسلام كان له أعظم أثر في النفوس إذ بذلك امتنع الشقاق وتصافت النفوس وساروا جميعا نحو غرض واحد ومبدأ واحد
جاء في دائرة المعارف الإسلامية في مادة أنصار ( صلى الله عليه وسلمnsar ) : " لكأن محمدا أراد أن يشابه بين كلمة الأنصار المطلقة على المسيحيين " وهذا خطأ واضح لأن كلمة أنصار جمع نصير أما نصارى فنسبة إلى قرية بالشام تسمى ناصرة أو نصران وفوق ذلك فإن سبب تسمية الخزرج والأوس بالأنصار معروف وهو لأنهم نصروه صلى الله عليه وسلم وقد جل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشبه والتقليد
_________
( 1 ) يقال عبد الله بن أبي ابن سلول بتنوين أبي وكتابة ابن سلول بالألف ويعرب إعراب عبد الله لأنه صفة له لا لأبي

0 commentaires:

إرسال تعليق