المبحث الخامس
سماحته في المعاملات المالية
من مظاهر رحمته، سماحته وسهولته في المعاملات المالية ، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحنات، و تجنب إرهاق الناس بالمطالبة أو المماطلة ..وكان يحث
على إنظار المعسر والرفق به، والتساهل في المعاوضات المالية، والمشاركة
في سداد الديون عن المدينين، والكرم والعطاء بين المتعاقدين.على إنظار المعسر والرفق به، والتساهل في المعاوضات المالية، والمشاركة
المطلب الأول : حثه على السماحة في المعاملات المالية :
أولاً: في البيع والشراء والقضاء :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا[1] إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى"[2] ..
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: "غفر الله لرجل كان قبلكم، كان سهلاً إذا باع، سهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى"[3].
وعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :"الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"[4].
ثانيًا: التيسير على المعسر :
عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "كان الرجلُ يُداينُ الناس، فكان يقولُ لفتاهُ: إذا أتيتَ مُعسِراً فتجاوَز عنه، لعلَّ اللهَ أن يَتجاوَز عنا .. فلَقِيَ اللهَ فَتجاوَزَ عنه"[5].
المطلب الثاني : نماذج سماحته في المعاملات المالية :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَعْرَابِ جَزُورًا أَوْ جَزَائِرَ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ - وَتَمْرُ الذَّخِرَةِ الْعَجْوَةُ - فَرَجَعَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى بَيْتِهِ وَالْتَمَسَ لَهُ التَّمْرَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ..
فَقَالَ: " لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزُورًا - أَوْ جَزَائِرَ- بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخْرَةِ، فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ !" ..
فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَا غَدْرَاهُ !!
قَالَتْ : فَنَهَمَهُ النَّاسُ. وَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ ! أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ ؟ !
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "دَعُوهُ ! فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا " .
ثُمَّ عَادَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: " يَا عَبْدَ اللَّه .. إِنَّا ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزَائِرَكَ وَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ عِنْدَنَا مَا سَمَّيْنَا لَكَ فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ " ..
فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَا غَدْرَاهُ .. ! فَنَهَمَهُ النَّاسُ وَقَالُوا : قَاتَلَكَ اللَّهُ ! أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ ..؟ !
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " دَعُوهُ ! فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا" .. فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا .
فَلَمَّا رَآهُ لَا يَفْقَهُ عَنْهُ؛ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ : " اذْهَبْ إِلَى خُوَيْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقُلْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ لَكِ إِنْ كَانَ عِنْدَكِ وَسْقٌ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ؛ فَأَسْلِفِينَاهُ حَتَّى نُؤَدِّيَهُ إِلَيْكِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ " ..
فَذَهَبَ إِلَيْهَا الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ الرَّجُلُ فَقَالَ: قَالَتْ : نَعَمْ هُوَ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُهُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِلرَّجُلِ : "اذْهَبْ بِهِ فَأَوْفِهِ الَّذِي لَهُ" .
فَذَهَبَ بِهِ فَأَوْفَاهُ الَّذِي لَهُ ..
قَالَتْ عائشة : فَمَرَّ الْأَعْرَابِيُّ بِرَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَوْفَيْتَ وَأَطْيَبْتَ.
قَالَتْ عائشة : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ"[6].
[1] كريماً متساهلاً يوافق على ما طُلب منه.
[2] أي إذا طلب حقه
[3] صحيح – رواه البخاري في البيوع، بَاب السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ رقم 1934
[4] صحيح- رواه البخاري 1937
[5] متفق عليه- البخاري برقم 1936
[6] صحيح - رواه أحمد، برقم 25108، وعبد الرزاق، برقم 15358، وهو في السلسلة الصحيحة برقم 2677
0 commentaires:
إرسال تعليق