الفصل السادس : رحمته للعالمين في مجال المرأة والطفل


المبحث الثالث

رحمته للبنات

المطلب الأول : فضل محمد  على البنات :
لو كانت الخدمة الوحيدة التي أداها نبينا محمد  للبنات أنه أنقذهن من عادة الوأد الجاهلية .. لكفى بذلك فضلاً له عليهن .. !
فقد " كانت قبائل العرب في الجاهلية تئد البنات كراهة لهن وازدراء لشأنهن، ومن لم يئدهن كان يضيق بهن ضيقًا شديدًا"[1].
أضف إلى ذلك الفضل العظيم أنه  غير أفكار المجتمع العربي القديم تغييراً جذرياً .. في تعامله مع البنات  .. 
ولقد كَلف النبي المجتمع الإسلامي أن  يتعهد البنات الصغيرات بالتعليم والتثقيف والرعاية،- كما يقول جاك ريسلر - حيث يتم "  تعليم البنات على تلقيهن تربية دينية قويمة ، وعلى تعويدهن على الصلاة، وجعلهن في وقت مبكر صالحات للأعمال المنزلية .وبعد سنوات أيضاً يعلمن قرض الشعر والفنون .."[2] ..
ويقول "ول ديورانت": "كانت البنات يذهبن إلى المدارس سواء بسواء، ونبغ عدد من النساء المسلمات في الأدب والفن"[3] .

المطلب الثاني : نماذج رحمتهr للبنات:
أولاً: حثه على الإحسان إليهن :
عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ   قَالَتْ:
جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ، مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي؛ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ،فَدَخَلَ النَّبِيُّ r، فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ:" مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ"[4] ..
فرعاية البنات في الإسلام ليس له جزاء إلا الجنة، فهن حائط الصد والحماية من النار يوم القيامة لمن أحسن إليهن .
كما في حديث آخر قال فيه النبي :
" من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته ؛ كن له حجابًا من النار يوم القيامة "[5]  ..

ثانيًا: عطفه على البنات :
عن أبي  قَتَادَةَ قَالَ:
خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ  وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَصَلَّى فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا[6] .
وتحكي أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عن ذكريات الطفولة، عندما زارت النبي برفقة أبيها- بعدما قدمت من الحبشة - .. قَالَتْ:
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ  مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "سَنَهْ سَنَهْ " .. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ "حَسَنَةٌ" ..  قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي أَبِي[7]  . فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "دَعْهَا " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " أَبْلِي وَأَخْلِقِي ، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي "[8].
انظر كيف تركَ النبيr هذه الصبية الصغيرة حتى تَلعبَ معه، وتعبث بثوبه وجسمه كما يحلو لها ، فلا ينهرها، بل تراه يمازِحُها، ويلاعبها، ويضحك إليها، ويخاطبها بلغتها لغة أهل الحبشة .. ويعلق على ثوبها، ويقول لها عِيشْي وَخَرِّقْي ثِيَابك وَارْقَعْيهَا.. كما يقول المسلم لأخيه عندما يلبس ثَوْبًا جَدِيدًا : تُبْلِي وَيُخْلِف اللَّه .. !

ثالثًا: إكرامه لعائل البنات :
كان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي، في أسرى معركة بدر (17 رمضان 2هـ/13مارس624م)، وكان محتاجًا ذا بنات، ولا يملك ثمن ما يفتدي به نفسه من الأسر .. فقال للنبي : يا رسول الله، لقد عرفتَ ما لي من مال، وإني لذو حاجة، وذو بنات فامنن عليَّ، فمن عليه رسول الله  وأخذ عليه ألا يظاهر عليه أحدًا . فقال أبو عزة يمدح رسول الله  على هذا العفو والكرم ونبل الأخلاق:
مَنْ مبلغ عني الرسول محمدًا 
š
šŠبأنك حق والمليك حميدُ š
Šš
وأنت امرؤ بُوِّئت فينا مباءةš
š
š
لها درجات سهلة وصعودُ 
Šš
فإنك من حاربته لمحاربٌ 
š
š
šشقيٌّ ومن سالمته لسعيدُ 
Šš
ولكن إذا ذكرت بدرًا وأهله š
š
š
تأوَّّبُ ما بي، حسرة وقعود[9]   






[1] نظمي لوقا : محمد الرسالة والرسول ، ص 95 – 96 .
[2] جاك ريسلر: الحضارة العربية ، ص 53
[3] ول ديورانت: قصة الحضارة  13 \ 306
[4] صحيح – رواه البخاري، باب رحمة الولد وتقبيله برقم 5536 
[5] صحيح -  السلسلة الصحيحة ، برقم  294
[6] صحيح – رواه البخاري، باب رحمة الولد وتقبيله برقم 5537 
[7] يعني منعني من العبث بخاتم النبي
[8] صحيح- رواه  البخاري باب رحمة الولد وتقبيله برقم 5534
[9] انظر: ابن كثير: السيرة النبوية 2\ 485

0 commentaires:

إرسال تعليق