الروح القدس في محكمة التاريخ


الروح القدس في محكمة التاريخ

للمؤلف روبرت كيل تسلر

يقول عمـانويل ســفيدنبرج في كتابه : " المســيحية الحقة " صفحة 633 : " إنطلاقاً مما يســمى بالمجامع المســكونية [ العالمية ] إزداد الإقتناع العقلي بوجود ثلاثة آلهة ، لذلك لم يسـتطع أية معتقد آخر أن يظهر غير الذي كان مطبقاً على هؤلاء الثلاثة
[ آلهة ] في ذلك النظام الذي يقضي بالتقرب إلى الإله الأب والتضرع إليه والذي يُعزَى إليه إنصاف إبنه والذي ترفّق من أجل آلامه على الصليب وأرســل الروح القدس لكي يبرز لنا قدســية أعماله الأخيرة وجلالها من خلال ما قام به .

وهـذا هــو منبع تــلك . . . . الإعتقادات ، ومع ذلك إذا ما حاول المرء فـتح لفـائفه ، فلن يخرج منها للوهلة الأولى إعــتقاداً واحداً بل ثـلاثة - مندمجـين مثل العناق ثم ما يلبث أن ينفصــلوا بدقة وعناية . إذ من المســلم به أن الجوهر يربط ثلاثة أشخاص آلهة ببعضهم ولكنه يُفرق بينهم في الوظائف الممـيزة أي في الخلق والخلاص ، والأثر أو قُل : التخصيص ، والقضاء الملحق به ، والنتيجة ، وهنا يكمن الســبب في جعل الثلاثة آلهة إلهاً واحداً ولم يجعلوا الثلاثة أشــخاص أبداً شــخصاً واحداً ، ولم يريدوا بالطبع أن يُطمــس تخيل الثلاثة ألهة ، فلطالما يُعتبر كل شــخص على حدة إلهاً قائماً بذاته ، كما تقول شهادة العقيدة ، فلا بد إذن أن ينهار الكل تماماً مثل المنزل المشيد على ثلاثة أعمدة في كومة من التراب . ونفس الشيء تقوله عندما يصبح الثلاثة أشخاص شخصاً واحداً في صورة منطبقة " .
روح القدس العجيبة

وضعت المجامع الســكونية الخـمـس الأولى نيقيــة (325) والقـســطـنطـينية [ الأولى ] (381) وأفسس ( 431 ) وخلقدنيا ( 451 ) والقســطـنطـينية [ الثاني ] ( 553 ) الأسـس العقائدية* المسيحية الحالية وثبتتها ( وهي التي اعتدت أنا [ المؤلف ] أن أطلق عليها البولسية** [ نسبة إلى بولس ] ) .
وفي هذه المجاميع تم بحث التعاليم*** المسيحية بصورة مستفيضة من كل جوانبها ونوقشت بشكل سُــفســطائي ، ولإيضاح هذه المفاهيم نذكر العقيدة الأثناســيوســية [ نسبة لأثناسيوس راعي الكنيسة اليوناني الذي نادى بألوهية المسيح التي يتم استخدامها لليوم كطقس من الطقوس في مناسبات محددة في الكنيسة الكاثوليكية والتي نورد منها هنا للتوضيح :
تتمركز العــقيدة المســيحية الصـحيحة في عبادة إلهاً واحداً في ثـلاثـة أشخاص وثلاثة أشــخاص في إله واحد على ألا نخـلط الأشــخاص الثلاثة ولا نفصل الطبيعة الإلهية قلا نقول إذن أن :
الأب شخص بمفرده ، والإبن شخص بمفرده والروح القدس شخص بمفرده
ولكن ألوهية الأب والإبن والروح القدس هي نفس الألوهية ونفس العظمة ونفس الجلال الأبدي ، فالأب مثل الإبن ، والإبن مثل الروح القدس .
فالأب ليس مخلوقاً والإبن ليس مخلوقاً والروح القدس ليس مخلوقاً .
والأب أزلي والإبن أزلي والروح القدس أزلي
والأب خالد والإبن خالد والروح القدس خالد
وكذلك أيضاً فإن الأب على كل شيء قدير والإبن على كل شيء قدير والروح القدس على كل شيء قدير .
وبالرغم من ذلك فهم ليسوا ثلاثة قادرين على كل شيء بل واحد فقط هو القادر على كل شيء.
وبالمثل فإن الأب إله والإبن إله والروح القدس إله
وبالرغم من ذلك فهم ليسوا ثلاثة آلهة بل هم واحد فقط
والأب رب [ ســيّد ] والإبن رب [ ســيّد ] والروح القدس رب [ ســيّد ]
ولكنهم ليسوا ثلاثة أرباب ولكنهم واحد فقط .
وبنفس الطريقة فالحقيقة المسيحية تُحتِّم علينا أن نعترف بكل شخص على حدة كإله ورب ولكن يمنعنا إيماننا أن نذكرهم كثلاثة ألهة أو ثلاثة أرباب .
فالأب ليس مصنوعاً أو مخلوقاً أو مولوداً ، والإبن ليس بمصنوع أو مخلوق من الأب ولكنه مولود منه ، والروح القدس ليس مصنوعاً أو مخلوقاً أو مولودا من الأب أو الإبن ولكنه منبثق منهما.
ولكنه [رغم كل ذلك] أب واحد فقط وليس ثلاثة آباء
وإبن واحد فقط وليس ثلاثة أبناء
وكذلك روح قدس واحد وليس ثلاثة أرواح قدس
وبين هؤلاء الأشخاص لا يوجد الأول أو الاخر ولا الأصغر أو الأعظم وإنما الأزلية والعظمة للثلاثة مجتمعين . . . .
فالمسيح إله من جوهر الأب ، ولد قبل الزمن ، وإنسان من جوهر الأم ولد عندما جاء الوقت ، وإله كامل ، وإنسان كامل ، يتكون من الروح الحكيمة واللحم الادمي .
وهو يساوي الأب في ألوهيته إلا أنه يصغره نسبة لآدميته .
وعلى الرغم من كونه إلهاً وإنساناً إلا أنهما ليسا بإثنين بل هما المسيح . . . "
ومن ناحية أخرى أصاب ما يطلق عليها المسيحية تغييرات صحبتها لزمن يقرب من الألفي عام :
فقد جاءت فكرة الخطيئة الأزلية التي لا تمت للمسيح [ عليه الســلام ] بأية صلة على الإطلاق بكل ما تحمله من نتائج لعينة بعد إدانة البلاجيوســية [ نســبة إلى بلاجوس الراهب الأيرلندي ( 400 م ) الذي رفض فكرة الخطيئة الأزلية المتوارثة من عهد آدم لأنه أكل من الشجرة ، ونادى بأن الإنسان مخير له مطلق الإرادة على النقيض من إعتقاد" أوجو ستينوس " الذي نادى بمذهب الرحمة ]
وتقضي نظرية الخطيئة الأزلية بأن كل إنسان منذ ولادته إبن للشيطان ، وأن كل إنسان شرير وفاسد كلّيةً ولم يكن في مقدور الله أن يرضى إلا [ بسفك ] دم إبنه .
وكذلك أيضاً تكوَّن أساس المريمية ( تنادي بأن مريم العذراء هي التي ولدت الإله وكانت تعلن آنذاك في صورة إحتفالية ) .
أو تعاليم التعميد والإقرار بالذنب التي توجب الغفران [ وهو ما يتم بين المذنب والقسيس ، ويقوم القسيس بإعطائه الغفران على ذلك ] أو المبدأ القائل إن الكنيسة فقط هي التي تقوم بالمباركة.
وأولاً وقبل كل شيء التعصب العقائدي شىء غير مبارك حيث ينادى بأن عقائد الكنيسة إجبارية وملزمة لكل إنسان وأن قبولها هو الذي يجلب البركة
ومن هنا كان التعميد بالإكراه وتعقب المارقين [ من تعاليم الكنيسة ] ومحاكم التفتيش والإكراه الديني بشكله البربري " من منطلق الحب لأخيك الإنسان " ليس فقط من الأشياء التي تنتجها الكنيسة بل هي من الواجبات الحتمية على المؤمنين بها ( ! )
وحتى عبادة الأنصاب التذكارية تم إستحسانها حيث لم يسمح ببناء كنيسة دون إقامة نصب تذكاري ( ! )
والجدير بالذكر أن خَلْق تلك المؤسسة غير المرضي عنها [ غير المباركة ] لوظائف كنيسة الدولة الرسمية ( كان ذا شكل جد متطرف ) حيث أصبح من الضرورة بمكان تولي الأساقفة أيضاً مناصب الدولة العليا ( فيا لها من ردّة عن روح المسيح ! )
وقام المصلحون بتخطية* أسس العقيدة هذه بصورة مستفيضة ( قارن أ . فولفر** ، مسيحية اليوم ، A . Volfer , Das Christentum von morgan إصدار عام 1949 صفحة 65 ) .

وتعد قرارات تلك المجامع - وبالطبع أيضاًً كل قرارات المجامع المسكونية الأخرى - إجبارية على الإطلاق حيث تُعدها الكنيسة عقيدة أوحي بها الروح القدس ، كما يفترض التعليم الكنسي أن كل قرارات الكنيسة الرسمية التي تتعلق بالدين قد أوحي بها الروح القدس الذي يصل تأثيره في المجامع السكونية على الأخص إلى درجة الكمال .
لذلك يُعزى إليها أيضــاً - تبعاً لتعــاليم الكنيسـة - ســلطة عليا وإلتزام كبير ، والســبب في هذا واضــح : ففي أحـد هذه المجامع يجتمع كل معلمي الكنيســة 0 وهو ما يحدث اليوم مع البابا ) بصورة أســاســية ، وبما أن كل أســقف يعزى إليه التعليم الكنسي ويكون مزوداً [ بحق ] منح العفو [ الإلهي ] ، فلا بد إذن من التخمين أن مجمــوع كل حقوق العفـو الكنســية العـليــا تكون مؤثرة في هـذه المجامع .لأن كل أســقف لديه الروح القدـس بصــورة خاصة تبعاً للإعتقــاد الكنســيّ ( قارن الرســالة الأولى إلى أهل كورنثوس 7 : 40 ) [لاتمت هذه الفقرة بصلة ما إلى الموضوع الذى هو قيد المناقشة ، وأعتقد أنه يعنى (6:2-3) من نفس الكتاب: "ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم. فإنكات العالم يدان بكم أفأنتم غير مستأهلين للمحاكم الصغرى . ألستم تعلمون أنناسندين ملائكة فبالأولى أمور هذه الحياة"] وعندمــا نســتحضر كل ذلك في أذهـننا نقترب من أعطــاء قرارات المجمع ســلطة كـافيــة لأن الروح القدس فيها كان هو المؤثر [ صاحب القرار ] بصورة أساسية - وهو ما ينبغي علينا ألا نقبله .
ولسوف يُدهش ما سبق كل كاثوليكي وكل بروتستانتي ( يؤمن بقرارات تلك المجامع الأولى ، حيث يعتقد أنها تمت بالوحي المطلق للروح القدس ) إذا ما وَعى حقيقة وواقع تكوين قراءات هذه المجامع ، فهي تنبثق أساساً :
1 - من القياصرة الرومان ، أي هم الذين أوحوا بها [ وليس الروح القدس ] .
2 - وعلى الأخص قرارات المجمع الأول التي إتخذها قيصر لم يكن مسيحياً معمّداً بل كان بعيداً كل البعد عن الإيمان [ والعقيدة ] المسيحية .
3 - وبصفة عامة من قياصرة ( وزوجاتهم ) لا ترى في حياتهم الأخلاقية والأدبية أية إنطباع يدل على أنهم أشخاص يتمتعون بقدسية خاصة تجعلهم يقومون بتمثيل صوت الروح القدس .
إضافة إلى رقم ( 1 ) : كان القيصر الروماني في بداية القرن الرابع أيضاً رئيس قساوسة ديانة الدولة الرومانية والقس الأعلى ( وهو نفس اللقب الذي إتخذه البابا عنه ) .
وبذلك ترأس القيصر ديانة الدولة وأصبحت لديه الســلطة العليا لإتخاذ القرارات في أمور الدين والعقيدة وتنظيم " الكنيســة " . وعندما أصدرا قســطنطين وليتشينيوس مرسوم التسامح واعتنق قســطنطين نفسه الديانة المســيحية حيث عبد المسيح بعد ذلك ، إمتدت سلطته كرئيس للكهنة والرأس العليا لديانة الدولة بحرية تصرف كبيرة لتشمل الديانة المسيحية أيضاً ، فقد اعتبر قســطنطين حكومة الكنيســة المسيحية شأناً من شؤون الدولة والمجمع ضرباً من ضروب برلماناتها التي يشترك فيها ممثلوا الكنيســة والدين* ، من أجل ذلك كانت الحكومة هي التي تقرر ( بكل تعسف ) من تدعوهم من الأساقفة لهذه المجامع وكان على الأساقفة بالطبع الإنصياع والحضور ، وعند الضرورة إستعملت العنف في إحضارهم ، وكان من البديهي في نظر قســطنطين كأكبر موظفي الدولة أن يُعَيّن من يقود هذه المؤتمرات وكذلك لم يكن لافتاً للنظر آنذاك أن يكون بإمكان القيصر التأثير على المؤتمر في قراراته أو أن يفرض إرادته على التجمعات الكنسية حتى في مسائل العقيدة . إلا أن هذا ما كان يحدث غالباً .
ولهذه الأسباب كان القياصرة الرومان هم القادة القانونيون والفعليون للمجامع الرومانية الأولى ( فلم يكن يوجد في ذلك الوقت بابا معترف به : كوخ صفحة 37 ) .
أما من ناحية القيصر ومفهوم الديانة المسيحية فلم يكن هناك ما يلفت الأنظار ، وما يثير الدهشة هو سكوت الكنيسة المسيحية منذ البدء ورضاها بهذا الوضع المهين ، على الرغم من أنها قبل ذلك بقليل كانت تعتبر الإمبراطورية والإمبراطور كعالم الحيوانات الخارج من العالم الآخر .
أما تفصيلياً فيتراءى الموضوع كالآتي :
أ - مجمع نيقيــة : نادى بإنعقاده القيصر قســطنطين الأكــبر بمبادرة شــخصية منه ( وهذا ما يســري أيضــاً على المـجــامع الأربعة الأخـرى ، شفارتز : " ما قبل التاريخ " صفحة 238 ) ، لأنه كان يعلق أهمية كبــيرة على تحــقيق الســلام وتكوين كنيســة واحدة بقدر الإمكـان في إمبراطــورية واحــدة .
لــذلك فقــد كان يـنـتـقي الأســاقفة المــنـوط بـهم الإشتراك في المجمــع** ، حـتى أنه كان يلقي دائمــاً خطبة إفتتــاح المجمــع ( شــفارتز : " قسطنطين " (صفحة 126) - ويمارس البابا اليوم هذه الوظــيفة في المذهب الكــاثوليكي ) . ومن الثابت أن قســطنطين قد أدار المؤتمر بصــورة واقعية ( كوخ صفحة 37 ) فقد كان يشــعر بل ويتصــرف " كرئيس للمجمع " فكان يأمر الأســاقفة بما يجب عمله وما يجب تركه (أوســتروجرسكي صــفحة 39 وكوخ صــفحة 37 وما بعدها) ، وقد أعلن في مناســبة أخرى مؤكداً : " إني أرغب في قانون كنســي " ( كوخ صفحة 38 ) وقد قبلت الكنيســـة كل هذا صاغرة ، لـذلك أصبح القيصــر أســقفها العــام (الدولي) المعــترف به ( كوخ صــفحة 37 ) . ولم يكن غير قســطنطين الذي أدخــل ما تعارف عليه بصــيغة " هومسيوس "*** الشهيرة في قرارات مجمع نيقية وفرضها على الأساقفة المعارضين بإستعمال سطوته ( شفارتز : " أثناسيوس " ( صفحة 210 ) وليتسمان ( صفحة 274 ) . وبالمناسبة فهو لم يكن له تأثير فعّال وغير مباشر فقط على تكوين العقيدة بل كان أيضاً يصوت معهم ( دوريس صفحة 135 ) .
يقول شيفارتز : " أخطــر ما قام به قســطنطين هو إخضــاع كنيســة الدولة لتعليمات نيقية " ( أثناسيوس صفحة 263 ) .
وكما كانت الكنيسة إحدى مؤسسات الدولة أصبحت أيضاً قرارات المجامع وعلى الأخص البنود التي تخص العقيدة والتي رفعها قسطنطين إلى مرتبة القوانين التي تصدرها الدولة ، وبالتالي أصبح لها نفس الصورة الإلزامية للمفهوم القانوني العام ( فأصبحت بعد ذلك ملزمة لكل الرعية ، أما نظراً لتسامح قسطنطين فقد إقتصرت على شعب الكنيسة فقط ) .
وكذلك تحولت قرارات المجامع الأربعة المسكونية الأخرى بهذه الطريقة إلى قوانين عامة (إرجع إلى شفارتز : " ما قبل التاريخ " صفحة 238 ) .
ب - مجمع القسطنطينية [ الأول ] عام ( 381 ) : وفيه تم إعلان المسيحية ديناً رسمياً للدولة ، ونادى بتشكيله تيودوسيوس الأول ( الأكبر ) ( شتاين صفحة 305 ) .
وعلى أية حال يجب أن نطلق على هذا المجمع " مجمع هيكلي " أكثر من مجمع نيقية فلم يشترك فيه أحد من الغرب مطلقاً وبالإضافة إلى ذلك فقد تم دعوة عدد قليل نسبياً من الأساقفة ( شتاين 305 ) ويحكى عنه شفارتز قائلاً : إن تيودوسيوس فرض إرادته في هذا المؤتمر دون مبالاة ( المجامع صفحة 17 ) .
جـ - مجمع إفسس عام ( 431 ) : حيث حكم على نسطور بالإرتداد - تم عقده تحت لواء الحكومة وإفتتحاه تيودوسيوس وقالنتيان ( وثائق : هوفمان صفحات 3 ، 7 ) . وقد أدار المناقشات فيه كبار رجال الدولة ، ويبدو أن القيصر الروماني الشرقي وأوجوستا بولشيريا - وسيجيء الحديث عنها بعد ذلك - لم يشتركا في المحادثات إلا مرة واحدة ( إرجع أيضاً إلى شفارتز : " بولشيريا صفحة 211 ) إلا أنهما على الرغم من ذلك قد لعبا دوريهما كاملا ، على النقيض من المجامع السكونية الأربعة الأخرى حيث تكونت في هذا المجمع تحزُّبات بقيادة الأساقفة بسبب الظروف* الخاصة التي كانت تمر بها الدولة ، وقد كان هذا هو الوضع القائم إلى حد كبير .
وأخيراً تمكنت الحكومة هذه المرة من فرض قراراتها ، ومما لا شك فيه أن بولشيريا كان لها في المقام الأول الكلمة الحاسمة في مفاهيم مسائل العقيدة التي طرحت للمناقشة في هذا المجمع سواء أكانت بصورة مباشرة أم من خلال أصحاب الحظوة لديها .
د - مجمع خلقدنيا ( 451 ) : وقد دعا لعقده رسمياً القيصر مارتيانوس ، ومن الواضح أن وراء هذا العمل زوجة بولشيريا ، وكانت الإدارة القوية هنا أيضاً يسيطر عليها كبار موظفي الدولة ( شتاين صفحة 467 ) الذين قاموا بإدارة النظام بإحكام ، كما يقول شفارتز ( المجامع صفحة 17 ) .
وتمكنوا من فرض قواعد العقيدة [ المسيحية ] ضد رغبة الأساقفة الضعيفة بكل تعسف (راجع شفارتز صفحة 170 ) ويضيف شتاين أنه : " تحت ضغط الحكومة " تم التوصل إلى حل وسط ( صفحة 468 ) ، ويجب أن يفهم كلمة " الحكومة " هذه تعني في المقام الأول بولشيريا ، لأن مارفيانوس ترك هذه المسائل تماماً لزوجة ( شفارتز : " بولشيريا " صفحة 206 ) وقد أثبت شفارتز أن بولشيريا كانت تحكم قبضتها على لجام هذا المجمع ، بل إنه إستنتج أنها قد نادت بالعمل ضد رغبة الكنائس المختلفة بل ونفذتها ( شفارتز صفحات 206 و 211 ) .
هـ - مجمع القسطنطينية [ الثاني ] ( 553 ) : ويعد المجمع الخامس من نوعه وقد تم عقده تحت لواء القيصر جوستينيان الأول ( الأكبر ) ، ولم يكن هذا المجمع إلا للهتاف ، إذا أردنا أن نطلق عليه هذا الإسم ، وفيه أصدر القيصر جوستينيان - الذي كان يعد أهم رجال اللاهوت آنذاك وأكثر الحكام غشماً على الإطلاق - العقائد والتعليمات التي تخص المؤتمر قبل إنعقاده بزمن في صورة مراسيم وقوانين . ولم يعقد هذا المجمع إلا لأخذ موافقة الكنيسة فقط ( راجع في ذلك على سبيل المثال : ألفيزاتوس باسيم ، حيث تذكر القوانين العقائدية المختلفة لهذا القيصر والتي أمر فيها جوستينيان ، كما يؤكد ألفيزاتوس ، بما يجب الإيمان به من وجهة نظر عقائد الإمبراطورية ( صفحة 28 ) ، وكان عماد هذا المجمع هو مرسوم لجوستينيان تم التصديق عليه وسري كقانون على الرغم من تردد بعض الأساقفة الغربيين ( الفيزاتوس صفحة 28 وما بعدها ) . ويقول هارناك في هذا المجمع : " ولتدشين مراسم ( القيصر ) هذه ثم عقد المجمع السكوني الخامس . . . في مايو [ عام ] 533 في القسطنطينية . . . . وعقد المجمع فقط لإعطاء المراسيم القيصرية الشرف [ المجد أو المباركة ] الكنسي ( منقولة عن ألفيزاتوس صفحة 29 ) .
إضافة إلى النقطة ( 2 ) : بالنظر إلى الإفتراض رقم ( 2 ) : يُعد من الثوابت أن قسطنطين الأكبر قد تم تعميده قبل موته وبعد ( 15 ) عاماً من مجمع نيقية ( على أيدي أحد أتباع آريوس ) وهذا يعني أنه لم يكن قد تنصر بعد وقت إنعقاد مجمع نيقية ، كما كان لعدة سنوات متتالية طالباً للتعميد وبذلك كان محروماً من العشاء الأخير .
وما زال يُعد من أحد أسباب الجدل [ التي لم يتوصل فيها إلى حل حاسم ] ، عما إذا كان قسطنطين قد عرف أساساً العقيدة المسيحية واعتنقها ، إلا أنه من المؤكد أنه كان مرتبطاً بشدة بجانب ذلك على الأقل بعبادة الشمس وميترا .
ويدل على ذلك عملاتُه المعدنية التي كان يطبع عليها إلى وقت طويل من العصر المسيحي (الشمس التي لا تهزم ) ( دوريس صفحة 42 ) . وعند تدشين القسطنطينية شيّد عموداً ضخماً صُــوِّرت عليه صورته مع شــعار الشــمــس التي لا تهزم ( شــفارتز : " قســطنطين " صفحة 85 وليتســمان صفحة 276 ) : بل رضي للكنيســة أن تقف أمام هذا النُصُــب وتعظم القيصــر في مواكب من الشــموع وأدخنة البخور ( شــفارتز : " قســطنطين " صفحة 85 ) كما أمر عند تدشــين القســطنطينية بأن يحملوا شعار مذهب الصــدفية [ وهو مذهب فلســفي ينادي بأن العالم تحكمه الصــدفة وتســيطر عليه ] ( شفارتز صفحة 85 وأيضاً ليتسمان صفحة 276 ) كذلك من الثابت أنه سمح بين أعوام 333 و 337 لأحد المدن بتشييد معبد لعبادة قبيلته ( شفارتز " قسطنطين " صفحة 89 ، وليتسمان صفحة 268 وإينسلين صفحة 66 ، ويوضح تشريعه على سبيل المثال أيضاً مقدار بعده من الروح المسيحية ، حيث لم يلغ العبودية بل على النقيض من ذلك قد أقرها ، كما هدد زوجته الحرة التي كانت على علاقة بأحد العبيد بأقصى العقوبات بل هددها بالموت نفسه ( دوريس صفحة 71 ) .
أما عن عقيدة قسطنطين فقد إختلفت فيه الأراء إختلافاً بيناً ، فبناءً على الوثائق التي لدينا يجب علينا التسليم بأنه كانت لديه نظرة دينية بدائية جداً نظراً لكونه رجلاً عسكرياً وبطلاً حربياً وصحيح أن الأحجبة ( ؟ ) كانت عنده على درجة كبيرة من الأهمية حيث اعتقد أنها تساعده على النصر والنجاح وإن كانت عنده كثيرة ومتعددة حيث توضع بجانب بعضها البعض ، ومن المؤكد أن قسطنطين كان يؤمن أن إله النصارى قد ساعده في النصر غير المتوقع الذي أحرزه على ماكسنتيوس وهذا ما يجعلنا نستوعب سبب عبادته له بعد ذلك وقد عمل كل شيء حتى لا يغضب عليه ، أما عن المسيحية الحقة فلم تكن لديه في الحقيقة معرفة كبيرة بها ، ولكنه قد علم بعد ذلك بسنوات كيفية حل مشكلة الثالوث والمسائل المسيحية ( ! ) وفي النهاية فقد كان الدين والكنيسة بالنسبة لقسطنطين إلى حد كبير وسيلة لتحقيق غرضه ، أما هدفه الرئيسي فقد كان فرض سيطرته التواقة المتوهجة على العالم وتأمينها .
وفي الحقيقة فإن مسائل الخلاف عند أهل اللاهوت المسيحي لم تجذب إهتمامه إلا قليلاً وربما قد تضاحك عليها ، ومع أنه هو الذي قرر هذه المسائل العقائدية في مجمع نيقية إلا أن هذا لم يحدث بناءً على إقتناعه الشخصي بالدين ومن الواضح أنه قررها فقط لمسايرة الأغلبية ، حيث إنه قد إكتسب بخروجه من المحادثات الإنطباع أن الميول تسير في هذا الإتجاه ولأنه اعتقد أن هذا الحل سيكون أكثرها سلاماً بين محبي الصراع اللاهوتي حيث كان الموضوع يهمه بمفرده ، ونستنتج هذا دون أدنى شك من الكتابات الرقيقة المثيرة للإعجاب إلى إسكندر وأريوس ، والتي حاول فيها أن ينهي الخلاف قبل إنعقاد المجمع في صورة ودية ونقرأ فيها عتابه الموجه للإثنين بكلمات قال فيها : إنهما لن يستفيدا من إثارة المعارك الخطيرة وغير المفهومة لرجال اللاهوت وطالبهما بالتصالح والإحتفاظ لنفسيهما بالخلافات العقائدية ( ! ) التي لن تستفيد الأمة منها بشيء ( شفارتز : " قسطنطين " صفحة 123 ) .
ويتضح من هذا القدر الضئيل لإهتمام هذا الروح " القدس " رئيس مجمع نيقية بالموضوعات [ العقائدية ] الفاصلة . ويرى شفارتز أنه " كان من الأفضل لو كان قد ذلّل كل النظريات ( اللاهوتية) " ( أثناسيوس صفحة 264 ) .
ومثل هذه الحقـائق الثــابتة يجـب أن تمنع الكنائـس المســيحية أن تتكيف مع هـذه القرارات الأســاســية ، فكيف يتثنى تبعاً لقانون الكنيســة أن يكون لدى رجل غير معمد الروح القدس إذا كان المســيحيون العاديون بل والقســاوسـة التقليديون غير مؤهلين للإشتراك في أحد هذه المجامع [ ولماذا لم يوحد الروح القدس كلمته في قلوبهم حتى يومنا هذا ليتحدوا في مذهب واحد ؟ ] وهنا نؤكد مرة أخرى أن قســطنطين قد أعطى الكلمة النهائية المؤثرة في أهم الموضوعات التي ظهرت آنذاك .
وإضافة نقطة ( 3 ) : من الأصعب على عقل الإنسان السليم تقبل الواقع الذي يجعل القياصرة الرومان أناساً يثار حول أخلاقياتهم الشكوك إلى حد ما بل ويجعلهم أناساً يثار حولهم الكثير من علامات الإستفهام التي لا يمكن تخيل مقدارها .
أ ) يثار الكثير من الجدل حول شخص قسطنطين الأكبر عند المؤرخين ، ومما لا شك فيه أنه كان يتمتع بملامح حسنة توحي بالتسامح العام الحقيقي ، وفيما عدا ذلك كان يلجأ إلى القوة مثل أي حاكم غاشم ، أما بالنسبة للناحية الأخلاقية فهي أكثر من صعبة حيث يتراءى لنا تناسخ حقيقي للروح القدس يبدو كما لو كان قد استقل بتقرير المسائل العقائدية للكرة الأرضية .
ويقول المؤرخ شفارتز ( في كتابه " قسطنطين صفحة 64 ) عن قسطنطين الأكبر الذي كان أحد مغتصبي [ العرش ] ( فوجت صفحة 145 وما بعدها ) : " لا يجب أن نتجادل بشأن الأخلاق الشخصية للقيصر الأول الذي لم يكن مسيحياً ولكنه مات على الأقل كمسيحي مُعّمداً ، فلم تكن أرفع بكثير من أخلاقيات سلاطين الشرق " كما قال عنه القيصر جوليان إبن إبن أخيه [ أو أخته ] بعد ذلك : " إنه إعتنق المسيحية فقط لكي يكفّر عن آثامه وجرائمه " ( تعليق ذكر عند شفارتز في " قسطنطين " صفحة 64 ) .
لقد أظهر قسطنطين خُلُقاً وحشيةً جداً ، وهذا يتضح على سبيل المثال من سماحه للأهل ببيع أولادهم على الأقل في الأوقات الحرجة ( دوريس صفحة 65 ) كما قرر سكب الرصاص الساخن في فم العبد الذي يشارك في اختطاف سيده ( دوريس صفحة 64 ) .
أما من يقتل أباه فيحبس في جوال مليء بالثعابين تتم خياطــته ثم يُغرق ( دوريس صفحة 64) وإذا ما عمــقنا النظــر فســيفاجئنا الواقع أنه اقترف في عام 326 - أي بعد [ المفروض : قبل ] زمن من إعتناق المسيحية وبعد عام واحد من إنعقاد مجمع نيقية - سلسلة من جرائم قتل أقرباءه ، فلم يكتف بقتل حماه ماكسيميان وزوج أخته باسيانوس بل قتل أيضاً أبناءه لوســيانوس وكريسبوس ، حتى زوجته فاوستا لم تسلم من يديه فقد قام بإغراقها في ميــاه تغلي ( إرجع إلى دوريس صفحة 55 وكوخ صــفحة 22 وفرانتس جورز [ تمت ] " قتل أقرباء قســطنطين في " مجلة اللاهــوت العلمية " الجزء ( 30 ) لسنة 1887 صــفحة 343 - 377 وكذلك الجزء ( 33 ) لسنة 1890 صــفحة 320 وما بعدها ، وكذلك أيضاً بورشــارت في " زمن قســطنطين " صفحة 335 ، وفيكتور شــولتس بعنوان " قتل أقرباء قسطنطين في " المجلة اللاهوتية " لسنة 1899 وأخيراً أوتوزيك في " مجلة اللاهوت العلمية " الجزء ( 30 ) لسنة 1890 صفحة 63 وما بعدها وأيضاً هون صفحة 130 ) .
وعلى الرغم من كل أســباب التخــفيف التي يحاول البعض التماســها له إلا أنها في النهــاية حــالات قتــل .
أما الوثنيون فقد وصفوا قسطنطين بأنه لص ( كوخ صفحة 22 ) ، وبعد انتصاره على ماكسنتيوس أمر قسطنطين بخنقه هو وأتباعه المقربين وكان ذلك قبل إنعقاد المجمع بســنة ( فوجت صفحة 163 ) ، وكذلك يلقي الضوء أيضاً على الجانب الأخلاقي لقسطنطين قسمه الذي أداه لماكسنتيوس أن يبقيه حياً !
وبناءً على هذه الوقائع فقد قرر شتاين أن قسطنطين قد اقترف جرائم قتل لتنفيذ أغراضه (صفحة 297 ) ، ومن المسلم به أيضاً أن قسطنطين كان مجنوناً بالسلطة ومولعاً بالعظمة ، ويقال عنه أيضاً أنه كان ينظر لنفسه في المرآة يومياً عدة مرات ( فوجت صفحة 138 ) وهذه هي الروح غير المقدسة التي أوحت بقرارات مجمع نيقية ، كما تراءى هذا المفهــوم أيضاً لشــفارتز عندما قال : " لــذلك قرر شــفارتز أنـه لم يكــن له ( لقسطنطين ) الحق أن ينادي بعقد مجامع كنسية من تلقاء نفسه أو إصدار القرارات التي فرضها على المجامع [ الكنسية ] كما تدعي الكنيسة التي تنادي بأن الروح القدس هو الذي أوحى بهذه القرارات " ( "قسطنطين" صفحة 74 ) ، ويؤكد كوخ أيضاً أن مسيحية قسطنطين الشخصية والعملية كانت منحرفة (صفحة 23) ، ويرى بورشارت أن قسطنطين لم يكن متديناً مطلقاً حتى ولو أوهم نفسه بوقوفه وسط أمة الكنيسة فقد كان مجنوناً بشهوة السيطرة على العالم ، لذلك فقد جعلته أحلامه ينزلق على أمواج دماء الجيوش التي ذبحها ( إقتباس لكوخ صفحة 17 9 ، أما عن سمعته السيئة بسبب جرائم السلب التي إقترفها في حق الشعب البسيط فيقول هون : اعتاد المرء سماع البكاء والعويل في كل مدينة يتم فيها تحصيل الضرائب ، حيث كانت تجمع النقود باستخدام الكرابيج والتعذيب والتعسف حتى أن الأمهات كانت تبيع أطفالها ويدفع الآباء بناتهم للدعارة حتى يمكنهم دفع الضرائب ( هون صفحة 136 وما بعدها ) .ويتضح أيضاً من أحد الخطابات التي أرسلها قسطنطين بعد مجمع نيقية إلى الجمعيات المسيحية بُعد روحه هذا عن الروح القدس بمقدار عرض السماء ، حيث أعلن فيه بصورة صادقة أن إتفاق الــ ( 300 ) أسقف لا يُعد أكثر من قرار [ إرادة ] الله (فوجت صفحة 307) ، ولا يعد هذا من مختلف الجوانب إلا كذباً متعمداً .
ب ) أمّا تيودوســيوس الأول ( الأكبر ) فيســمو من الناحية الخُلُقية عن قســطنطين الأكبر بقليل وهذا يرجع أســاســاً إلى أنه لم يكن متســامحاً إلى أكبر درجة ، على النقيض تماماً من قســطنطين ، إلا أنه أصبح بعد ذلك النموذج الحي لجوســتنيان الأكــبر أو قــل أيضاً لمحاكم التفتيــش ، ويتضــح هذا من أمره الصــريح الحازم لكل رعاياه بإعتناق عقائد مجمع نيقية (شتاين صفحة 304 ) .
فقد حرم كل الأديان الأخرى وهدد أن التمسك بتعاليم أخرى سيؤدى إلى عقوبات صارمة ، أرحمها عقوبة الموت ، فكان فكان يعاقب أنصار ماني فقط من أجل أنهم أنصاره [ وهي ديانة أسسها ماني الفارسي في القرن الثالث الميلادي وتعتمد على الغنوصية ] فقط لأنهم أتباعه ( شتاين صفحة 308 ) .
وقد اســتعمل الســلاح في تنفــيذ هذا الأمر الذي يقضي بعدم ممارسة أية طقوس أخرى ( شتاين 305 ) ، وتحكي كتب التاريخ عنه إجمالياً أنه كان متوحشاً [ لا يرحم ] مع أصحاب العقائد الأخرى ( إنظر سيكلوم الثاني صفحة 166 ) ، ويتضح كذلك بعده عن الروح القدس في تعذيبه لفقراء الشعب عند جمعه للضرائب حيث فرض على الشعب أعباء لا يمكن تحملها وحصل عليها بأشد الوسائل وحشية وتعسفاً ، ومن أكثر الصور تعبيراً عن قسوة طباع هذا الحاكم على المسيحيين هو إصداره لقرارات يمنع فيها إيواء الفقراء المشردين ، وفرض على ذلك عقوبة صارمة لمن يقوم بإخفائهم من تعذيب جامعي الضرائب ( شتاين صفحة 303 ) !
ويقول شتاين ( صفحة 297 ) إن تيودوسيوس الكبير إقترف مظالم كثيرة ، فقد قام بعمل مذبحة دموية مريعة في سَــــالونيك عام 390 ، حيث قتل فيها 7000 فرد من المدينة دفعة واحدة ( أيضاً كارول في " المسيحي الأول الأثري " جزء 152 صفحة 2265 وما بعدها ) ولا يختلف في الواقع تيودوسيوس الكبير عن الكثير من الحكام الآخرين الذين اشتهروا أيضاً بمثل هذه الأعمال ، لذلك لا يمكن القول هنا إنه كان يتمتع بروح مقدسة ، وياليت العدالة كانت هي الصفة التي تميز قراراته العقائدية ومراسيمه الكنسية مثل التي أصدارها في المجمع المسكوني الثاني بالقسطنطينية .
جـ ) أما عن تيودوسيوس الثاني فقد كان حاكماً ضعيفاً فقط ولم يكن بالتأكيد شريراً على الرغم من أنه اقترف جرائم قتل ، بالإضافة طبعاً إلى حروبه ، وقد إتجه إلى غرامياته بدلاً من [التفرغ] للحكم ، وكان يتميز بلاطه بالمؤامرات التي يمكنها أن تملأ الروايات بموضوعات خصبة ، وقد إقترف هو نفسه عدة جرائم قتل في أسرته ( ارجع مثلاً إلى : شتاين صفحة 445 ، وبخصوص مقتل باولينوس ارجع إلى جولدنبننج صفحة 324 وبخصوص مقتل سيفرين ويوحنا صفحة 325 من نفس المرجع ) ، وهناك إحتمال كبير أنه كان ضحية مؤامرات بولشيريا التقية التي لم تستطع أن تتحمل أن يصبح مركز زوجة قيصر التي اختارتها بنفسها [ بوليستريا ] في مثل هذه القوة ( شتاين صفحة 426 ) لذلك لم تتورع أن تكيد لزوجة القيصر ( شتاين صفحة 444 ) حتى شك تيودوسيوس في وفاء زوجته ، ومن المسلم به أن بولشيريا قد تولت الحكم أكثر من أخيها ، فقد تولت زمام الحكم أولاً كحاكمة ، حتى إنها بعد ( 15 ) سنة قُدمت لأوجوستا تحت لقب " سيدة أوجوستا " ( جودلدنبننج صفحة 2180 ؛ ولكن بعد ذلك أصبحت شريكة في الحكم حتى موت أخيها وشاركها في ذلك زوجته وبعض أصحاب النفوذ وكريسافوس أيضاً ، وفي الحقيقة فإن روح بوليشيريا هو الذي حرك مجمع أفسوس ولكن هذا الروح كان تقياً ظاهرياً فقط ، أما مدى عدم قدسيته فيظهر بصورة أوضح فى الوقائع الثابتة التي أقسمت فيها الأيمان الكاذبة بسبب تفاحة لإرتباطها بمســألة غرامية ( جولدنبننج صفحة 324 ) ، وقد وصفها شتاين بأنها كانت تتراءى بالإيمان ، كما كانت مريضة بحب السيطرة ( صفحة 417 ) . كما ادعت مؤكدة أنها مازالت عذراء ( إرجع أيضاً إلى إسهابات ماركيان في ذلك ) . ويشكك شتاين في بقائها دائماً هكذا [ أي عذراء ] ( صفحة 465 ) ، وكانت مدبرة مكائد لا يرقى لها مثيل ( ف فيجاند ، تاسيم ) ، وكما قلنا لم يهدأ لها بال حتى صدق تيودوسيوس أن زوجته تخونه ولكي تؤكد أن زوجته بولشيريا لم يكن لديها الروح القدس بأي حال من الأحوال فيكفينا أنها أمرت بقتل منافسها على السلطة كريسافيوس بعد وفاة أخيها تيودوسيوس الثاني مباشرة ( شتاين صفحة 447 و 466 ) .
وما نعرفه أكثر من ذلك عن تيودوسيوس الثاني هو إسرافه من ناحية وظلمه لرعاياه في فرض الضرائب وتحصيلها من ناحية أخرى ( شتاين 46 ) .
د - وبالمثل لم يكن القيصر مارقيانوس أيضاً من القديسين ، فقد كان في المرتبة الأولى رجلاً عسكرياً ، بل كان رجل حرب غاشم .
ولا يمكنه أيضاً أن يزعم أنه كان بوقاً الروح القدس ، ويمكن أن نوفر على أنفسنا تعظيم الجانب الأخلاقي لماركيانوس بين وجهات النظر المطروحة هنا فقد رأينا بالفعل أن مجمع خلقدنيا* لم يكن من أعماله بل كان من أعمال زوجته العذراء بولشيريا ، على الرغم من أن التاريخ قد سجله رسمياً بإسمه .
وقد عرفنا أيضاً إبنة آية روح كانت يولشيريا .
هـ - والأسوأ من ذلك لا نزال نلمسه من ناجية الأخلاق الشخصية لجوستينيان الأول فقوانينه الوحشية الملحدة تتكلم أكثر من لغة** بوضوح وسوف نعود إليها فيما بعد فقد قيل إن جوســتينيان قد أصــدر هذه القوانين الملحــدة حتى تزداد حســابات خزائنه متعددة الجيوب [الأخطبوطية ] ويملأها دائماً أبداً ، أما عن أخلاقه الشخصية أو قل سوء أخلاقه فلدينا تصوير واضح في كتاب المؤرخ المعاصر له بروكوبيوس الذي سجل بجانب التاريخ الرسمي لعصر قيصر أيضاً التاريخ السري لحياة قيصر وزوجته تيودورا سيئة السمعة .
وأنا أعتمد هنا أولاً على رأي ( أوتو فيه ) المسجل في فهرس المراجع بنهاية الكتاب ، فقد كان بروكوبيوس هذا من كبار موظفي الدولة وعلى علم كبير جداً بالعلاقات الغرامية وكان جوستينيان من الحكام الغاشمين البربريين حتى إنه لم يجرؤ أي مؤرخ شجاع على كتابة أي مساويء عن الحكومة .
وبعد كل ما رآه بروكوبيوس كان من البديهي أن يروم تنفساً على الأقل في كتاباته السرية التي لم تنشر قبل القرن ( 16 ) ، وقد صوره في هذا التاريخ السّري كوغد من الأوغاد ، إلا أنه قد تم محاولة عرض نوادر بروكوبيوس في صورة لا يمكن تصديقها، إلا أنها تظل مع ذلك دائماً ذات شكل بشع - إذا ما حذفنا بعض الأشياء - وتجديفه على الله إلا أنها لا تُخّوِل هذا الرجل ( على الأخص ) الروح القدس للديانة المسيحية ، أما يوحنا بول راينهارد ، الذي أجتهد وترجم هذا التاريخ السري ، فقد أعلن في مقدمته ، أنه قد اتضح من المؤرخين الآخرين المعاصرين في ذلك الوقت ، أن جوستينيان الأول كان منافقاً ومتكبراً بصورة بشعة ، وكان ضعيف الإيمان ، حقوداً ، غدّاراً ، ظالماً ، متوحشاً ، مستغلاً ، مشته لثروات الآخرين ، مبذراً وعبداً لزوجته البخيلة المحبة للإنتقام ، المتعطشة للدماء ، المتكبرة تيودورا ( صفحة 3 ) .
وهذا يكفي لإثبات نظريتنا على الرغم من أنه قد يغرينا بالإشارة إلى الكثير من التفاصيل التي نقلها لنا بروكوبيوس . فأعماله السيئة تكاد لا تعد ولا تحصى ، لذلك فهو يُعد من غرائب ومتناقضات تاريخ الكنيسة تماماً مثل قسطنطين وتيودوسيوس الأول .

أما أن تترك الكنيسة المسيحية تأثير هؤلاء القياصرة الرومان في هذه المجامع [المسكونية] طواعية، وهم الذين رأتهم قبل ذلك الكنيسة، التي نجت من الإستشهاد و الدموي، كحيوانات أتوا من العالم الآخر ، وعبدتهم قبل ذلك بقليل ، الأمر الذي يُعد من أشد التناقض لدينهم أنفسهم ، [ وأكرر : أما أن تترك الكنيسة المسيحية تأثير هؤلاء القياصرة الرومان في المجامع السكونية ] فيبدو هذا بالنسبة لكل المؤرخين عملاً غير مفهوم نهائياً ، وعلى الأخص أيضاً إذا تذكرنا أنه لم يوجد آنذاك رئيس للكنيسة معترف به .
ولشرح هذا الواقع العجيب بصورة أفضل ، يجب أن نشير إلى المواقف التاريخية الآتية : لم يبدو لمعظم السكان القدماء [ آنذاك ] تأثير هؤلاء القياصرة على قرارات المجامع كأنه غريب لافت للنظر ، فقد اعتاد الشعب اعتبار القيصر :
أ - هو عمـاد الدين على الإطــلاق وبذلك أصـبح أيضاً - عماد الدين المسيحي المعترف به .
ب - كما كان يعتقد أن القيصر بصفة عامة هو ما يلي الإله مباشرةً وكأنه تَقلَّدَ مقاليد الحكم لإعطاء الكلمة المناسبة في الشؤون الدينية .
إضافة لنقطة ( أ ) : اتخذ القياصرة الرومان بسرعة كبيرة منصب رئيس الكهنة ، أي تولوا وظيفة الكاهن الأعلى جوبيتر ، واحتفظوا بهذا المنصب الذي تحول فيما بعد دون ملاحظة إلى رئيس الكهنة [ البابا فيما بعد ] للديانة المسيحية ، وكان لا يزال قائماً في القرن السادس الميلادي في عهد جوستينيان ، وتبعاً لهذه الوظيفة فقد نادى القياصرة بعقد المجامع المسكونية وأداروها كما حددوا المدعوين من الأساقفة وكانوا أصحاب الكلمة النهايئة في تقرير المســائل والتعاليم العقائدية . وتبعاً لهذه المــكانة فقد قاموا بتعيين الأساقفة وعزلهم كيفما أرادوا وأصدروا إليهم الأوامر وأعلنوا الحرمان على الأساقفة غير المرغوب فيهم ، أما ما يثير الإنتباه هو " الطاعة العمياء " لهم من جانب الكنيسة ( ليتسمان صفحة 274 ) ، وهو نفس حال قسطنطين الأكبر ، على الرغم من أنه لم يكن مسيحياً مطلقاً ولكنه كان طالباً ( متوجاً ) للتعميد إلا أنه قد اعتبر نفسه الكاهن الأعلى للديانة المسيحية ( فوجت صفحة 178 ) ، كما سجل في أحد خطاباته أنه سوف يدمر الأخطاء العقائدية التي قام بها الدوناتيســت [ المتبرعون ( ؟ ) ] على الرغم من أنه لم يكن لديه أدنى فكــرة عن هذه الموضــوعات ( فــوجت صفحة 182 ) . . وبصفة عامة فقد حدد القياصرة العقائد التي يجب أن تدخل الكنائس ( شيفارتز في " قسطنطين " صفحة 75 ) ، وإذا ما أراد أحد الأساقفة الإمتناع عن حضور أحد المجامع ، كان يُساق إليها قسراً ( مثلاً شيفارتز في " قسطنطين "صفحة 15 وما بعدها ) .
ويلاحظ كذلك أن قسطنطين كان له الحق في تقرير العقائد الكنسية بل والحياة الكنسية في صورة بلغت من العنف درجة لم يفوقه فيها إلا قسطنطين الأكبر ، لأنه تبعاً لما تم الإجماع عليه كان لا يزال متأصلاً بصورة عميقة في العقائد الرومانية ، لذلك يرى (على سبيل المثال) دوريس أنه في مجمع نيقية الذي تم فيه تقرير العقائد المسيحية قد لعب " روح آخر " " روح غريب " دوراً مؤثراً مع قسطنطين (صفحة 152 وما بعدها).
وإضافة لنقطة ( ب ) : فإن شرعية تولى قيادة الكنائس قد استنبطه القياصرة من الإعتقاد الذي كان لديهم أنهم فوق البشر العادي وأنهم نوع من الآلهة ، فلا يجب إذن أن أطلقوا على أرواحهم آلهة الأمر الذي كان يحدث في أغلب الأحيان - وهو تداع الروح القدس المتطفل عليهم - كما يشير إلى ذلك ( إنسلين صفحات 61 وما بعدها و76 وما بعدها ) . لذلك تحدث تيودوسيوس الأول ( الأكبر ) عن " ألوهيتنا " ( إنسلين صفحات 69 و 76 ) ، فقد أطلق القياصرة الرومان وأيضاً المسيحيون منهم على أنفسهم لفظ الألوهية بل ادعوا كونهم أكثر من آلهة ، كما دُعوا أيضاً في مراسيمهم على سبيل المثال : " السيد الإله " ( شيفارتز في " بولشيريا " صفحة 207 ) وكانوا ينادون أيضاً بهذه الألقاب : " إلهيّ " ، " الإله الموجود في كل مكان " ، " السيد المقدس " ، " إلهنا المعبود " ، وما شابهه ( أنسلين صفحات 66 وما بعدها و 69 و 75 و 7 ) .
وحتى كلمة " خلودنا " قد اتخذوها أيضاً للتعبير عن أنفسهم ( أنسلين صفحات 7 وما بعدها ) ، فقد قال تيودوسيوس الأول مثلاً من نفسه إن الرعية قد جاءت " تتعبد لخلودنا " ( أنسلين صفحة 75 ومدونة تيودوسيوس العاشر صفحات 22 ، 30 ) . كذلك ربما أحسن الشعب من تسمياتهم " بالأكثر تقوة " و " الأكثر تقرباً لله " بتواضع كبير منهم ( أنسلين صفحة 63 ) ، وما يثير التعجب تحت هذه الظروف هو تقديم القرابين لصورة قسطنطين الأكبر عند أعمدة السَماق حتى من جانب الشعب المسيحي الذي قدس أيضاً صورته وأنار لها الشموع وحرق لها البخور وأقام عندها الصلوات تماماً كما يفعلون أمام المعبود ( فيلوستورجيوس تبعاً لأنسلين صفحة 70 ) ، وتبعاً لهذا التخيل فقد تم تأليه كل شيء يتعلق بالقيصر أو بقصره وأضفيت عليه القداسة التى يتمتع بها الإله المعبود ، لذلك كانت حجرة نومه إلهية أو مقدســة و طــاولة ( طعامه ) إلهية وخطاباته مقدسة أو إلهية وأوامره وقوانينه إلهية حتى أن بيت قيصر كان يطلق عليه البيت الإلهى ( أنسلين صفحة 71 وما بعدها ) .
ونفس هذه العبارات استخدمها أيضاً البابا في خطابات للقيصر . ، ومن هذا يبدو أن الملك أعطى لنفسه الحق في الدعوة لإقامة المجامع وقيادتها واتخاذ قراراتها في نهاية الأمر التي تحدد على سبيل المثال الحقيقية المســيحية ، أما عند تدقيق النظــر يظهر عكــس الشــرعية تماماً ، فيظهر صــورة يقال عنها أي شيء إلا أنها مســيحية وهو ما كان يجب على الكنيسة أن تمنع القيصر عن إقرار مثل هذه القوانين بغض النظر عن عواقب هذه المقاومة ، ويتعلق الأمر بمثل هذه الظاهرة في الكنيسة ببساطة ووضوح بما يسمى " بخطيئة المسيحية الأولى " ( ارجع إلى كتاب " خطيئة المسيحية الأولى " لمؤلفه ج. ج هيرنج ) .
وبغض النظر عن هذا فيبدو أن التدهور الذي كان حادثاً في الكنيسة في عصر قانون التسامح لاح وكأنه أتعب الكنيسة من الإضطهاد ، فقد أضعفها، أما مدى سقوطها وبعدها عن العقيدة الحقيقية فيتضح لنا على سبيل المثال في اشتراكها نفسها في عبادة القيصر ، وبغض النظر عما ذكرناه سالفاً في هذا الشأن فقد قبلت الكنيسة رسمياً وتصريحياً بعبادة وتقديس ما يخص القيصر عن طريق التعبد له* (أنسلين صفحة 68 وما بعدها) ولجعل الشعب يستسيغ هذه العبادة حتى يستطيع أداؤها توصلوا إلى فكرة تقول بدق أحد المسامير التي استخدمت في صلب عيسى [عليه السلام] في تاج القيصر ......
ويتضح سقوط الكنيسة العقيدة الحقيقية حيث إنه سمح في مجمع " أرليس " الدخول في الخدمة العسكرية للذين أقسموا الإيمان المسيحي على الرغم من اتباع النقيض تماماً قبل ذلك بوقت قصير ( ارجع إلى فوجت صفحة 181 وألفيزاتوس صفحة 32 ) وهو عدم دخول المسيحي نهائياً الجيش ، بل أكثر من ذلك - الأمر الذي يُسر له مناهضي الخدمة العسكرية - ومن كان يمتنع عن تأدية الخدمة العسكرية ، كان يتم استبعاده من العشاء الرباني !
وحتى قبل ذلك الوقت كان الأمر مختلفاً : فمن إمتنع عن تأدية الخدمة العسكرية كان يترك بصفة خاصة لحضور العشاء الرباني .
ولا يمكن الشك مطلقاً في النتائج التي تم التوصل إليها فيما سلف من الأحداث والعلاقات التي عرضناها وأن قواعد العقيدة ، التي أقرتها المجامع المذكورة والتي تعد في الواقع أساس ديانة الكنيسة التي يطلق عليها المسيحية ( قل : البولسية ) لا يمكن بأية حال من الأحوال أن تكون من وحي الروح القدس . ولم تنجح تعاليم العقيدة من إثبات جدارتها ، الأمر الذي تحاول الكنائس الكبيرة اليوم أن يحققه لوقف الهروب التدريجي للشعب من الكنيسة لذلك تهتم الكنيسة إهتماماً لا مثيل له بإيجاد نموذج ديني جديد يحتذى ، ولكن ليس لديها للأسف الشجاعة أن تَنْفُذ إلى الإصلاحات حتى جذورها ونتيجة ذلك يجب عليها أن تعلن أن قرارات المجامع الأولى غير سارية بالمرة وعلى الأخص ما يتعلق بمسائل تألية المسيح [ عليه السلام ] والفداء ، كما يجب أساساً أن تعيد مناقشة وصياغة الموضوعات التي عالجتها هذه المجامع في قراراتها وتختبرها في صورة نزيهة بعيدة عن التحيز وأن تبدي رأيها في الأريوســية [ ظهرت على يد أريوس بطريرك الأســكندرية في القرن الرابع حرقه قســطنطين واضطــهد أتباعه حتى إنقرضــت ، وكان ينادي بأن لا إله إلا اللــه وأن عيســى نبي الله ورســوله ] التي اســتمرت ديانة الدولة الرســمية ما لا يقل عن ( 50 ) عاماً .
وعلى الكنائس أن تبتعد تماماً وبمنتهى الوضوح عن قرارات تلك المجامع وعلى الأخص تلك المجامع الأولى ، إذا أرادت أن تجدد إيمان الشعب بها مرة أخرى ، وعليها أن لا تبتعَد فقط عن قواعد العقيدة التي فرضتها عليها المراسيم والقوانين آنذاك ، أو قوانين الكنيسة ، بل أيضاً عليها أن تتبرأ من هذا الشيطان الكائن في هذه القوانين والذي استطاع بسريان هذه القوانين أن يعيث في الأرض فساداً منذ ( 1600 ) عاماً ، فهو روح الإستعباد وعدم التسامح ، وروح محاكم التفتيش والتسلط ، روح التزمت والتعصب الديني ، وهو أساساً روح دنيوى ليس له أن يتحد وروح يســوع .
لذلك تظهر قرارات المجامع والمؤتمرات المسيحية الأولى بعيداً عن هذا التأثير المثير للتساؤل الذي ذكرناه لهؤلاء القياصرة وزوجاتهم من الناحية الأخلاقية في صورة مريبة إلى أعلى الدرجات* من ناحية روح الله ، وذلك لأن الأساقفة الذين شاركوا في ذلك قد أظهروا بتصرفاتهم هذه عدم إصطفائهم ، وبغض النظر عن الحقيقة القائلة إنهم أظهروا إنقيادهم عن طواعية للروح الدنيوية الممسوحة بالنصرانية للقياصرة الرومان ، كما يراهنوا على أن الروح القدس لم يكن يهيمن على تصرفاتهم : لذلك يدرس في تاريخ الكنيسة أنه في مجمع نيقية تم نزع شهادة الإيمان من الأسقف الآريوسّى أويزبيوس من نيكوميدين عندما أراد المغالطة في قرائتها ؛ أما في مجمع خلقدنيا فقد تشاتم الآباء القديسين وتبادلوا إتهام بعضهم البعض بإقتراف جريمة القتل ، وأكثر المجامع رسوخاً في الأذهان ذلك المجمع الذي يطــلق عليه مؤتمر اللصــوص** ( مجمع أفسس عام 449 ) ، وفي هــذا المجمــع الدي رأســه البطــريرك المتوحــش ديوسكورس ( كمــا يصفه كوخ ) تم تعذيب وإهانــة أحد الأســاقفة لدرجــة أنه مــات بعدها بقليل إثر هذا التعــذيب ، حتى ديوســكورس نفســه تلقــى في المناوشــات التي حدثت لكمــة أفقدتــه إثنين من ضروســه ( كوخ صــفحة 32 وما بعدها ) .
وللوقوف على حقائق قرارات هذا " المجمع المقدس بإفسس "*** - الذي إستخدمت فيه الرشاوي الضخمة وإرهاب الهرّاوات - ننصح بقراءة ( شتاين صفحة 452 وما بعدها ) ، ومن يعرف شيئاً عن هذه الوقائع فسيجد أنه من المثير للسخرية أن تنسب هذه القرارات بعد ذلك للروح القدس ( ليمان صفحة 159 وما بعدها ) ، بل أكثر من ذلك يقول كاميلوت (صفحة 62 ) إن أبناء الشرق الذين جاءوا بعد ذلك قد حكوا أنهم وقفوا أمام باب مغلق ، وعندما أرادوا أداء الصلاة في كنيسة القديس يوحنا طردهم خدام الأسقف باستخدام الضرب بالعصى وقذف الحجارة ؛ ونقرأ أيضاً في وثائق لــ هوفمان ( صفحة 119 ) أنه من بين أشياء أخرى تم ضرب أحد القساوسة بسبب وجهة نظره العقائدية وإجباره كمذنب على كتابة إعتراف بإرتداده ويؤكد أستروجرسكي في تاريخ الإمبراطورية الرومانية الشرقية أن أية محاولة للمعارضة في مجمع اللصوص ( أفسس ) هذا " كان يتم القضاء عليها بصورة وحشية " (صفحة 49 ) .
ترجمة الأستاذ علاء أبو بكر


0 commentaires:

إرسال تعليق