جوهر العقيدة النصرانية



 
سنوضح في هذه السطور القادمة مفهوم الألوهية في العقيدة النصرانية التي تمثل الركن الركين في عقيدتهم وأصل الإيمان عندهم. سنناقش ذلك مراعين اتخاذ كل طرق البحث العلمي حتى يتسنى لنا إظهار هذه العقيدة للناس جميعا، ولإقامة الحجة عليهم، ولدحض شبهاتهم التي بها يدافعون عن عقيدتهم، ويذبون عن أنفسهم براثن الكفر والالحاد وينفونه عنهم بالرغم من أنهم وحلوا في الكفر، وغرقوا في براثن الوثنية اللادينية، واستقوا من عقائد الوثنيين من البوذية وغيرها والفلسفة الإغريقية الوثنية ماجعلوا منه دينا وثنيا الله سبحانه وتعالى شأنه منه بريء وعيسى -عليه السلام- منه بريء.
جوهر العقيدة النصرانية:
إن أصول العقيدة النصرانية تتخلص فيما يسمونه بالأمانة الكبيرة وهذا نصها: "نؤمن بالله الواحد الأب، ضابط الكل، مالك كل شيء، مانع ما يرى وما لا يرى، وبالرب الواحد يسوع بن الله الواحد، بكر الخلائق كلها، الذي ولد من أبيه قبل العوالم كلها، وليس بمصنوع، إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت وصار إنسانا، وحبل به وولد من مريم البتول، وصلب أيام (بيلاطس الملك)، ودفن وقام في اليوم الثالث (من هذا المنطلق لهذه العقيدة عندهم عيد يسمى بعيد القيامة، أي قيام المسيح بعد صلبه، وللأسف الشديد أصبح المسلمين يوالون أعداء الله، وعقيدتهم تفرض عليهم معاداتهم؛ فالمولاة والمعاداة والحب في الله والبغض في الله هو الركن الركين في العقيدة الاسلامية ومن هدي المسلم أن يخالفهم، ولا يعيد عليهم، ولا يهنئهم، ولا يشاركهم عيدهم بأي حال من الأحوال) كما هو مكتوب، وصعد إلى السماء وجلس عـن يمين أبيه مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأحياء والأموات. ونؤمن بروح القدس المحيي المنبثق من أبيه الذي بموقع الأب والابن، يسجد له ويمجد الناطق بالأنبياء، وبكنيسة واحدة مقدسة رسولية، وبمعبودية واحدة لمغفرة الخطايا وتترجى قيامة الموتى والحياة والدهر العتيد، آمين،.

- لقد قرر هذه العقيدة (318) أسقفا اجتمعوا بمدينة يذقية في عهد قسطنطين عام 325م، وفي عام 381م زادوا فيها مايلي: "والأب والابن وروح القدس هي ثلاثة أقانيم، وثلاثة وجوه، وثلاثة خواص، توحيد في تثليث في توحيد، كيان واحد بثلاثة أقانيم، إله واحد، جوهر واحد، طبيعة واحدة".

ويجب أخي القارئ معرفة أن هذه المجامع التي انشئت بعد ثلاثمائة سنة من حياة المسيح ما هي إلا مصنعا لإنتاج الآلهة، وتحريف الدين ليرضى أهل الغنى والضلال من الملوك الوثنيين الذين فرضوا الوثنية على الديانة المسيحية ووصمها بهذه الوثنية الالحادية الكافرة. ويجب معرفة أن المسيحية الحقة لم تستمر إلا ثلاثمائة سنة بعد رفع نبيهم على عقيدة التوحيد الخالص والحنفية السمحة، ثم بعد هذه الفترة عقدوا المجمع الأول وألهوا المسيح عليه السلام، وفي المجمع الثاني ألهوا مريم عليها السلام، وفي المجمع الثاني عشر منحوا الكنيسة حق الغفران (حق الغفران يذكرنا بصكوك الغفران في القرون الوسطى، التي ظهرت في عهد مارتن لوثر أثناء عصور الظلام والفساد والطغيان الذي كان يصدر عن الكنيسة، مما أدى إلى تكوين مناخ جيد لميلاد العلمانية اللادينية وإنفصال الدولة عن الكنيسة) والحرمان، ولها أن تمنح ذلك لمن تشاء من رجال الكهنوت والقساوسة، وفي المجمع العشرون قرروا عصمة البابا... الخ.

حول الأمانة الكبرى، وقفة مع العقل:
لقد جاء في الأمانة الكبرى التي هي الركن الركين في العقيدة النصرانية: "أن الآب يعني الله صانع الكل لما يرى وما لا يرى، وجاء فيها أن الابن يعني عيسى خالق كل شيء، فإذا كان الله صانع كل شيء فما الذي خلقه عيسى؟!، واذا كان عيسى خالق كل شيء فما الذي خلقه الله؟!، إنه التناقض العجيب الذي تذهل منه العقول، وكيف يكون عيسى قديم لا أولية لوجوده مع أنه عندهم هو ابن الله، والابن لابد من أن يكون أبوه أقدم منه؟!، وهل يوجد الابن مع الأب، وكيف؟!!، وإذا كان المسيح هو الله بعينه، فكيف يكون ابن وفي نفس الوقت هو أب؟!، وإذا كان المسيح غير الله فلماذا يحتمل خطيئة لم يفعلها هو؟!، ألا يعتبر هذا ظلم من الخالق؟!، ثم ألم يكن من العدل أن يحيي الله آدم ثم يجعله يصلب ليتحمل عقوبة خطيئته؟!

ثم أما كان الله قادرا على مغفرة ذنب آدم دون الحاجة إلى تلك الخرافات المضحكة، ثم ما ذنب البشرية الذين دخلوا في سجن إبليس قبل صلب المسيح في شيء لم يفعلوه؟!، ثم إذا كان الذي صلب (الله) صلب عن طيب خاطر كما يقولون، فلماذا كان يصيح ويستغيث؟!، وهل يكون إلها من يصيح ويستغيث ولا يستطيع تخليص نفسه من أعدائه ومخالفيه؟!

ثم لماذا يستحق الصليب هذا التعظيم والعبادة ولا يستحق الإهانة لأنه كان الأداة في صلب إلهكم كما تزعمون (علما أن السيد المسيح عند رجوعه قبل قيام الساعة كما أخبر القرآن والحديث أول ما يفعله هو تكسير الصليب والدعوة إلى الإسلام)، فان قلتم لأنه لامس جسد المسيح قلنا لكم صليب واحد لمس جسد المسيح، وهل ملايين الصلبان الحديدية التي تصنعونها اليوم لمست جسد المسيح؟!، وإذا كانت الأمانة التي هي جوهر عقيدتكم تنص على أن الإله مات ثلاثة أيام فمن الذي أحياه بعد ذلك؟!، وإذا كان المسيح بيده أرزاق العالم فمن تولى شؤون العالم خلال مدة موته؟!

يوجد لدينا العديد من الأسئلة لا يجاب عنها إلا بالفرار منها وإلغاء العقل نهائيا ولنا سؤال أخير هل اليهود صلبوا الرب برضاه أم بغير رضاه؟!، فإن كان برضاه فيجب أن تشكروهم لأنهم فعلوا ما يرضي الرب، وإن كانوا صلبوه بغير رضاه فاعبدوهم لأنهم غلبوا الرب وصاروا أقوى منه؛ لأن القوي أحق بالعبادة من الضعيف، كما قال الشاعر:

عجبا لليهود والنصارى         وإلى الله ولدا نسبوه
أسلموه لليهود وقالوا           أنهم من بعد قتله صلبوه
فلئن كان ما يقولون حقا        فسلوهم أين كان أبوه
فاذا كان راضيا بأذاهم           فاشكروهم لأجل ما صنعوه
وإذا كان ساخطا غير راضي    فاعبدوهم لأنهم غلبوه


فهل بعد الحق إلا الضلال، فهل يعقل لنا أن ننادي كما ينادون اليوم بوحدة الأديان، وأن كل الأديان على حق وأن يتخير الإنسان فيما بينها؟!!

وقد وضح الله طريق المؤمنين ومنهاج السالكين فقال: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام: 153]. وقال عليه الصلاة والسلام بعد أن خط خطًا مستقيما وعلى جنبيه خطوط عن يساره ويمينه، وقال: "إن هذا الخط المستقيم هو طريق الحق، والسبل التي على جنبيه هي سبل الباطل، وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعوا المسلم ليحرفه عن طريقه المستقيم أو كما قال". فعليك أخي المسلم أن تعرف طريق الحق، وتترك السبل التي تفرق بك عن سبيل الله إلى طريق الباطل والغي، بعد أن عرفت أن دينك هو الدين الحق، وأن ما سواه هو الباطل.

عقيدة الخلاص، ولماذا يؤمنون ويقنعون بها؟
إن القاعدة التي تنطلق في الكنيسة لعامة الناس أنه لا تسأل فتطرد أو تعترض فتهلك، فهم عليهم أن يطبقوا ما يلقنهم به قساوستهم وإن خالف العقل، حتى أن بعض القساوسة يرددون دون فهم فكيف يستطيع إقناع النصراني بهذه العقيدة وهو نفسه لم يستطع إقناع نفسه بها، وهذا نص عقيدة الخلاص التي يسلموا بها فعليك أن تناقشها بعقلك وروحك هل هذه عقيدة؟!!!

- أن من يؤمن بهذه العقيدة يتخلص من الآثام التي ارتكبها وأن من لا يؤمن بها فهو هالك لا محالة.

- ويقولون أن آدم -عليه السلام- بعد أن أكل من الشجرة صار كل من يموت من ذريته يذهب إلى سجن إبليس في الجحيم وذلك حتى عهد موسى -عليه السلام- ،ثم إن الله عز وجل لما أراد رحمة البشرية وتخلصها من العذاب احتال على إبليس فنزل عن كرسي عظمته والتحم ببطن مريم، ثم ولدته مريم حتى كبر وصار رجلا يقصد (عيسى)، فمكن أعداءه اليهود من نفسه حتى صلبوه، وتوجوا رأسه بالشوك، وسمرو يديه ورجليه على الصليب وهو يتألم ويستغيث إلى أن مات ثلاثة أيام، ثم قام من قبره وارتفع إلى السماء، وبهذا يكون قد تحمل خطيئة آدم!!!، إلا من أنكر حادثة الصلب أو شك فيها.

فهل يعقل لأحد أن يصدق هذه الخرافات؟!، فإنهم الضالين كما وصفهم القرآن الكريم في محكم آياته.

لماذا قررت المجامع ألوهية عيسى -عليه السلام-؟
إن المجامع النصرانية التي ظهرت بعد ثلاثمائة سنة من رفع المسيح ما كانت إلا هيئة ومصنع لإصدار الأوامر، وإفساد المسيحية، وتأليه عيسى وأمه، وعصمة البابا ورجال الكنيسة كما تقدم، ولقد وضعوا أسبابا بها يبررون ألوهية عيسى -عليه السلام- وسنرد عليها إن شاء الله في حينه وهي:
1- ورود نصوص في أناجيلهم المحرفة التي نقلها بولس اليهودي.

2- إحياءه الموتى.

3- ولادته من غير أب.

ويجب ملاحظة أن إنجيل يوحنا لم يكتب إلا بعد حوالي ستين عاما من رفع المسيح، فمثل هذا كيف يحفظ ما قاله المسيح، مع العلم بأنهم قد أخذوا أغلب ما في إنجيل يوحنا من رسائل بولس اليهودي، فكيف تقبل رسائل مثل هذا الرجل الذي كفره البابا (إنجيل برنابا أصدر البابا أمرا بعدم تداوله (قبل ظهور الإسلام) بين النصارى لاحتوائه على التوحيد والكثير من الأشياء التي تتفق مع الإسلام والبشارة الحقيقة بمحمد عليه السلام، وقد اكتُشف هذا الإنجيل وطبع وهو أقرب الأناجيل للحقيقة) في مقدمة إنجيله؟!، ولقد جاء في دائرة المعارف الفرنسية التي كتبها غير مسلمين أن إنجيل يوحنا ومرقص من وضع بولس اليهودي، وجاء في دائرة المعارف الكبرى التي اشترك في تأليفها أكثر من 500 باحث من غير المسلمين أنهم أكدوا وقوع التحريف والتزوير في الأناجيل، واعتبروا قصة الصلب وما فيها من تعارض وتناقض أكبر دليل على ذلك، كما أكدوا أن كاتبي هذه الأناجيل قد تأثروا بعقائد البوذية والوثنية القديمة (كما سيأتي تفصيله فيما بعد).

ولقد كانت الأدلة الألوهية التي بها ألهوا عيسى ناتجة عن قصور إدراكهم والفهم الخاطئ في تأويل النصوص.

فلقد اخطؤوا في فهم فقرات من الكتاب المقدس مثل ما جاء في سفر إرمياء النبي وهو يتحدث عن ولادة المسيح (في ذلك الزمان يقوم لداود ابن هو ضوء النور... إلى قوله ويسمى الإله).

فإنهم يفهمون من ذلك أن هذا النبي أقر بألوهية المسيح، ومثل هذا النص إن صح عن نبي من الأنبياء إنما يقصد بذلك أن يحكي عن شيء سوف يقع في المستقبل (من الغيبيات) ولا يقصد أنه يقر ذلك، ومعنى النص أنه سيقوم ولد من نسل داود يدعو الناس إلى الدين ويؤيده الله بالمعجزات (كإحياء الموتى وإبراء الأعمى والأبرص بإذن الله) فيطلق عليه اسم الإله!!. فهذا مجرد تنبؤ بشيء سيحدث في المستقبل، ولقد حدث فعلا فأرسل الله هذا الولد من نسل داود وأيده بالمعجزات، ولقد سمي بالإله بعد ذلك مما يدل على تحقق النبوة، وليس دليلا على ألوهيته، ومما يؤيد ذلك ما جاء في مزمور داود أن الله عز وجل قال لداود عليه السلام أنه (سيولد لك ولد ادعى له أب ويدعى لي ابن، اللهم ابعث جاعل السنة (أي محمد صلى الله عليه وسلم) كي يعلم الناس أنه بشر). فإنهم يستدلون بذلك على أن الكتب المقدسة أشارت إلى أن المسيح ابن الله، وإنما المراد منها الإخبار عما سيقع في المستقبل، وفعلا بعث الله هذا الولد من نسل داود وادعى الناس أنه ابن الله، ثم أرسل الله صاحب السنة وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي بين لهم أنه بشر وأقام الحجة عليهم، وبهذا تحققت النبوة بضلال هؤلاء الناس الذين ألهوا المسيح وجعلوه ابنا لله بغيا وعدوانا، وبعد ذلك كله أرسل الله خاتم النبيين الذي وضح لهم أن الباطل ما كانوا يفعلون وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.

نموذج لجهل أصحاب المجامع:
مما يدل على جهلهم ما نقله سعيد بن البطريق عما حدث في المجمع الثالث حيث اجتمع الوزراء والقواد إلى الملك وقالوا: "إن ما قاله الناس قد فسد وغلب عليهم (آريوس) و (اقدانيس)"، فكتب الملك إلى جميع الأساقفة والبطارقة فاجتمعوا في القسطنطينية فوجدوا كتبهم تنص على أن الروح القدس مخلوق وليس بإله، فقال بطريق الاسكندرية: "ليس روح القدس عندنا غير روح الله، وليس روح الله غير حياته، فإذا قلنا أن روح الله مخلوقة فقد قلنا أن حياته مخلوقة، وإذا قلنا حياته مخلوقة فقد جعلناه غير حي وذلك كفر"، فاستحسنوا جميعا هذا الرأي ولعنوا (آريون) ومن قال بقولته هذه، واثبتوا أن (روح القدس، إله حق من إله حق، ثلاثة أقانيم بثلاثة خواص)!!

ولقد قال البوصيري:
جعلوا الثلاثة واحدا ولو اهتدوا***لم يجعلوا العدد الكبير قليلا

يقول الأستاذ عثمان القطعاني تعليقا على هذا الجهل الشنيع ما نصه: "لقد ورد بالقران والسنة النبوية أن المسيح روح الله، وذلك كقوله تعالى عن جبريل: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} [سورة مريم: 17]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمتة ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» [رواه البخاري].

وقد قام علماء المسلمين بتوضيح هذه النصوص لإزالة ما يلبس من الخطأ في الفهم، فقالوا: إن الله عز وجل منزه عن الامتزاج بأي مخلوق.

والامتزاج هو الحلول والاتحاد، الذي يمثل أساس النصرانية؛ حيث قالوا بحلول الله في جسد عيسى عليه السلام وهو ما بنى الصوفية عليه اعتقادهم حيث يجعلون الله يحل في كل شيء، وأن الأقطاب تصير آلهة على الأرض، ويعتبر من كمال التوحيد عند الصوفية اعتقاد أن الله يحل في كل شيء،تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا".

وتضاف كلمة روح القدس وروح منه إلى الله ليس لاتحادها به، وإنما نسبة تشريف فهي إضافة تشريف وليست تبعيض (أي جزء منه) كما يقال ناقة الله وبيت الله... الخ؛ فمن المعلوم أنه ليس المراد من ناقة الله: الناقة التي يركبها الله، وبيت الله ليس بمعنى البيت الذي يسكنه الله. فروح الله أي روح من الأرواح التي خلقها الله، وأضيفت إليه بقصد التشريف كقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [سورة الإسراء: 1]، يقصد به لإضافة تشريف.


حــول حــادثــة الــصــلب:
لقد عرفت اخي القارئ مما تقدم أن دائرة المعارف الكبرى التي قام بتأليفها علماء غير مسلمين أكدت على وجود التزوير والتلفيق في الأناجيل، وتزويد وتلفيق حادثة الصلب وما جاء فيها من متناقضات، وسنلقي الضوء في هذه السطور على بعض الجوانب لإظهار هذا التناقض؛ فقد جاء في الإنجيل أن عيسى عندما وثب اليهود عليه ليقتلوه قال: "قد جزعت نفسي الآن، فماذا اقول يا أبتاه سلمني من هذا الوقت"، كما جاء أنه عندما رفع على خشبة الصلب صاح صياحا عظيما وقال: "يا إلهي لما سلمتني؟".

يقول عثمان القطعاني: "إن هذه النصوص تلزم النصارى بخيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون حادث الصلب غير صحيح وبالتالي تكون الأناجيل ليس كل ما فيها صحيح ويترتب على ذلك إبطال خرافة الفداء، وهي الأصل لدين النصارى. وإما أن تكون حادثة الصلب صحيحة فيكون المسيح ليس بإله لأنه جعل يصيح صياحا عظيما ويقول: "يا إلهي". ويستغيث منهم فكيف يكون إله ويستغيث بإله آخر؟!، وكيف يكون خالق ويغلبه مخلوق؟!، واذا كان إله فمن هو الإله الآخر الذي يدعوه؟!، وإذا قالوا أن الذي قتل هو الجزء البشري "الناسوت" فكيف يعيش الإله بجزء واحد فقط فأصبح الإله غير كامل، قد قال الشاعر:

أعباد عيسى لنا عندكمسؤال       عجيب فهل من جواب؟
إذا كان عيسى على زعمكم         إلها قديرا عزيزا يهاب
فكيف اعتقدتم بأن اليهود           أذاقوه بالصلب مر العذاب
وكيف اعتقدتم بأن الإله             يموت ويدفن تحت التراب؟!


بالله عليك أيها القارئ الكريم المنصف هل يحتار من كان له عقل بأن هذا كذب؟، وهل تريد كفرا أكثر من الذين جعلوا المخلوق يقتل الخالق؟!

ولقد اعترف النصارى ضمنا بتكذيب حادثة الصلب في الأناجيل عندما عقدوا مجمعا في سنة 1950 م قرروا فيه تبرئة اليهود من دم المسيح؟، مع أن الأناجيل تذكر أنهم وثبوا على المسيح كما تقدم!!، فهل تريد تناقضا بعد كون المسيح قادرا على كل شيء وكونه عاجزا عن حماية نفسه؟!

مع القرآن الكريم وموقفه من هذه العقيدة:
إن القرآن الكريم أثبت بطلان ما عليه النصارى من عقيدة التثليث وتأليه المسيح وقولهم أنه ابن الله وغير ذلك الكثير كما تقدم.

فقال تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [سورة المائدة: 73]. وقال عن الحلول والتحاد الذي أخذه النصارى من الوثنية القديمة فكان أساس دينهم وبداية التخبط في الغي والضلال: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [سورة المائدة: 17]، وقال تعالى في نسب عيسى إلى الله وجعله ابنا لله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً} [سورة مريم: 88-94].

وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [سورة مريم: 35].

ورد القرآن على اعتقادهم أن خلق عيسى من أم بلا أب دليل على ألوهيته، فقال القرآن أن عيسى مثل آدم قد خلقه الله من تراب بدون أب ولا أم، كما خلق حواء من آدم بدون أم، فالله إذا أراد أن يخلق شيئا إنما يقول له كن فيكون: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [سورة آل عمران: 59].

كما رد القرآن الكريم على ألوهية عيسى وأمه وأثبت أنه لا دخل لعيسى وأمه فيما يدعونه عليهما فقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سورة المائدة: 116-117].

فعيسى وأمه لم يطلبا من النصارى عبادتهم وقد تبرأ منهم عيسى وأمه كما تقدم؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رضي ان يعبد من دون الله دخل النار"، ولكن عيسى ابن مريم وأمه لم يرضيا بعبادتهم من دون الله كما ذكرت الآيات.

كما أن عيسى عليه السلام تبرأ من قومه ووكل أمرهم بعد رفعه إلى الله فهو الشهيد عليهم {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 52]، والشاهدين هم المسلمون أتباع خاتم الأنبياء؛ لكونهم أقاموا الحجة عليهم، وبرؤوا عيسى من هذه المفتريات، ودعوا الى عبادة الله وحده وبغض ما سواه من الآلهة الباطلة واتباع الحق.

كما أن الله سبحانه وتعالى أثبت بنفسه عدم ألوهية عيسى بالإضافة إلى ما سبق من الأدلة، وأنه ناقص وبشر ولا يستحق أن يرتفع ويرقى إلى مرتبة الألوهية؛ فهذا إنسان له ما للإنسان، ويخضع لما يخضع له الإنسان؛ فهو يأكل ويشرب، وبالتالي فعليه ان يلبي نداء الطبيعة ويتغوط وغير ذلك مما يلزم الإنسان في معيشته.

ومن كان حاله هذا فلا يرقى لأن يكون إله لأن الله لا يأكل: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} [سورة الأنعام: 14].

قال تعالى: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} [سورة المائدة: 75].

وأخيرا أسرد لكم هذه الآية الكريمة لتكون حسن الختام في هذا الشأن وليتضح الحق ويزهق الباطل.

قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة المائدة: 72-73].


http://www.wathakker.net

0 commentaires:

إرسال تعليق