س137: ولنا أن نسأل شيوخ الشيعة فنقول: أين إمامكم اليوم؟


ج: لقد توفي الحسن العسكري إمامهم الحادي عشر سنة 260هـ، بلا عقب)([1]).
واعترفت كتبهم الشيعية بأنّه(لم يُر له خَلَفٌ، ولم يُعرف له ولدٌ ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه)([2]).

واضطرب شيوخ شيعتهم بعد وفاة الحسن بلا ولد، وتفرَّقوا فيمن يخلفه فرقاً شتى حتى يلغوا: أربع عشرة فرقة كما قاله النوبختي([3]).
والمفيد([4])، أو خمسة عشر فرقة أو أكثر كما قال القمي([5])، أو إلى عشرين فرقة كما قاله المسعودي([6]).
حتى إنّ بعض شيوخهم قال: (إنّ الإمامة قد انقطعت..)([7]).
وقيل: قد بطلت بعد الحسن وارتفعت الإمامة)([8]).
وكاد أن يكون موت الحسن بلا عقب، نهاية المذهب الشيعي والشيعة والتشيع، حيث سقط عموده وهو: الإمام.
ولكنّ (فكرة غيبة الإمام) كانت هي القاعدة التي قام عليها كيانهم بعد أن تصدَّع، وأمسك بنيانهم عن الانهيار أمام عوامهم، لهذا أصبح الإيمان بغيبة (ابن للحسن العسكري) هو المحور الذي تدور عليه عقائدهم، ودان بذلك أكثر شيعتهم بعد التخبط والاضطراب، فلم يكن لشيوخ الشيعة ملجأ إلاّ ذلك، أي إلا فكرة القول بغيبة الإمام حفاظاً على دسائسهم في مذهبهم الشيعي من الانهيار؟؟
وإذا كان شيخ شيوخ الشيعة الأول: ابن سبأ اليهودي، هو الذي وضع عقيدة (النص على علي رضي الله عنه بالإمامة) التي هي أساس تشيعهم؟
فإنّ هناك ابن سبأ آخر، هو الذي وضع البديل (لفكرة الإمامة) بعد انتهائها حسياً بانقطاع نسل الخمس: أو أنه واحد من مجموعة وضعت هذه الفكرة، لكنه هو الوجه البارز لهذه الدعوى، هذا الرجل هو: (أبو عمر عثمان بن سعيد العمري الأسدي العسكري، المتوفى سنة 280)([9]). زعم: أن للإمام الحسن ولداً قد اختفى وعمره أربع سنوات([10]).
وقال شيخهم المجلسي: (أكثر الروايات على أنه أقل من خمس سنين بأشهر، أو بسنة وأشهر)([11]).
على الرغم من أنّ هذا الولد كما تعترف كتبهم الشيعية، لم يظهر في حياة أبيه الحسن ولا عرفه الجمهور بعد وفاته([12])، ولكنّ هذا الرجل (أي عثمان) هو الذي يزعم أنه يعرفه، وأنه وكيله في استلام أموال شيعتهم والإجابة عن أسئلتهم؟ ومن الغريب أنّ شيوخ الشيعة يزعمون أنهم لا يقبلون إلاّ قول معصوم، حتى إنهم رفضوا الإجماع بدون المعصوم، وها هم يقبلون في أهم عقائد الشيعية دعوى رجل غير معصوم، وقد ادّعى مثل دعواه آخرون، وكل منهم يزعم أنه الباب للغائب، وكان النزاع بين هؤلاء المرتزقة شديداً، وكل واحد منهم يُخرج توقيعاً، يزعم أنه صدر من الغائب المنتظر، يلعن فيه الآخرين ويكذبهم، وقد ذكر بعضهم الطوسي في مبحث بعنوان ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية لعنهم الله([13]).
بل لقد رفض عثمان ومن معه: البوح باسم هذا الولد المزعوم، أو ذكر مكان وجوده - وذلك في بادئ الأمر- فعن أبي عبد الله الصالحي قال: (سألتُ أصحابنا بعد مُضيِّ أبي محمد الحسن العسكري، أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب:
إنّ دللتم على الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلوا عليه)([14]).
وقد روى الكليني: (صاحبُ هذا الأمر لا يُسمِّيه باسمه إلا كافر) ولّما قيل: كما نذكره؟ قال قولوا: (الحجة من آل محمد صلوات الله وسلامه)([15]).
ويبدو أن عملية كتمان اسمه ومكانه، ما هي إلاّ محاولات لستر هذا الكذب، إذ كيف يأمر شيوخهم بكتمانه وهم أنفسهم يقولون: (من لم يعرف الإمام فإنما يعرف، ويعبد غير الله)([16]).
وعقيدة الغيبة كما نادى بها عثمان نادى بها من بعده ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان (ت304هـ أو 305هـ) فانقسم الشيعة عدَّة انقسامات، فَلَعَنَ بعضهم بعضاً، وتبرأ بعضهم من بعض، وكان السبب: هو الطمع في جمع الأموال([17]). ثم عيَّن محمد بن عثمان من بعده أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي: فأحدث هذا التعيين نزاعاً كبيراً بين المرتزقة، فانفصلوا وكثر التلاعن بينهم([18]).
وأخيراً وقطعاً للنزاع، أوصى ابن روح بالبابية لعليِّ بن محمد السمري([19]).
والسمري في منصبه ثلاث سنوات، وأدركته (الخيبة، وشعر بتفاهة منصبه كوكيل معتمد للإمام الغائب، فلما قيل له وهو على فراش الموت: من وصيُّك من بعدك؟ قال: لله أمر هو بالغه)([20]).
وتُسمَّى فترة نيابة هؤلاء الأربعة عن المهدي: الغيبة الصغرى.
وقد طوّر شيخ الشيعة عقيدة الغيبة، فبدلاً أن تكون يبد واحد من شيوخ شيعتهم يلتقي بالإمام مباشرة، أعلنوا انقطاع الصلة المباشرة بالمهدي، وأصدرت الدوائر الاثنا عشرية توقيعاً، منسوباً للمنتظر الموهوم: بأنّ كل مجتهد شيعي هو نائب عن الإمام، يقول التوقيع: (وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله)([21]).
ولماذا فعلوا ذلك نسبوه للباب السمري؟
قال أحد النواب عن المهدي وهو شيخهم أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني: (ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح في هذا الأمر، إلاّ ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، فلقد كنا نتهارش على هذا الأمر، كما تتهارش الكلاب على الجيف)([22]).
نعم، إنّ مسألة (غيبة الإمام) وهي من أركان مذهبهم الشيعي، من المسائل التي حيّرت كثيراً، من شيوخهم شيعتهم، لشكهم في أمره وطول غيبته، وانقطاع أخباره، وحُقَّ لهم ذلك؟ يقول شيخهم ابن بابويه القمي: (رجعتُ إلى نيسابور وأقمت فيها فوجدت أكثر المختلفين عليَّ من الشيعة قد حيَّرتهم الغيبة، ودخلتْ عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة..)([23]).
أيها القارئ المنصف العاقل: هذا الشك في أمر منتظرهم في عصر شيخهم ابن بابويه القمي (ت381هـ) فكيف يكون الشك الآن بعد مضي هذه القرون الطويلة؟


([1]) كتاب الغيبة للطوسي، (258).
([2]) المقالات والفرق للقمي، (ص:102)، وفرق الشيعة للنوبختي، (ص:96).
([3]) فرق الشيعة، (ص:96).
([4]) الفصول المختارة للمفيد، (ص:258)، يتحدث فيه مؤلفه عن حواراته مع أهل السنة بزعمه.
([5]) المقالات والفرق، (ص:102).
([6]) مروح الذهب (4/190).
([7]) المقالات والفرق للقمي، (ص:108)، وكتاب الغيبة للطوسي، (ص:135).
([8]) بحار الأنوار، (37/21)، والفصول المختارة، (ص:320).
([9]) الغيبة للطوسي، (ص214).
([10]) المرجع السابق، (ص:258).
([11]) بحار الأنوار (25/123،103).
([12]) الإرشاد للمفيد، (ص:345).
([13]) الغيبة للطوسي، (344).
([14]) الكافي للكيني (1/181).
([15]) أصول الكافي (1/333).
([16]) المرجع السابق.
([17]) الغيبة الطوسي، (ص:345).
([18]) المرجع السابق، (ص:241).
([19]) بحار الأنوار (1/107-1080)،(345،343)، (347-348)، (348-352)، (74/198)، والغيبة للطوسي، (ص:344).
([20]) الغيبة للطوسي(242).
([21]) مرآة العقول للمجلسي (4/55)، ووسائل الشيعة للعاملي (18/101).
([22]) بحار الأنوار للمجلسي (51/267-368)، وكتاب الغيبة للطوسي، (ص:213-241)، (391-392).
([23]) إكمال الدين وتمام النعمة لابن بابوية القمي، (ص:2)، وبحار الأنوار للمجلسي (1/73). 

0 commentaires:

إرسال تعليق