- 75 - عداء اليهود ومناقشاتهم


عداء اليهود ومناقشاتهم


عرف بعض اليهود بالمدينة بشدة عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن علماءهم كانوا يعرفون أنه سيبعث نبي وكانوا يعرفون صفاته من التوراة فمن أعدائه الذين انتصبوا لعداوته حيى وأبو ياسر وجدى بنو أحطب . وسلام بن مشكم . وكنانة
بن الربيع وكعب بن الأشرف . وعبد الله بن صوريا وابن صلويا . ومخريق الذي أسلم بعد . ولبيد بن الأعصم الذي حرضه اليهود وسحر النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء جبريل وأخبره بذلك السحر وبمكانه وعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرا ( يعني بقتله )
ومنهم مالك بن الصلت . وقد كان من أحبار اليهود ورئيسا فإنه قال ما أنزل الله على بشر من شيء . فانظر كيف أدى به عداؤه لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكفر بنبينا وبموسى عليهما السلام وبما أنزل عليهما . فقالت اليهود له ما هذا الذي بلغنا عنك ؟ فقال أنه أغضبني فقلت ذلك فنزعوه من الرياسة وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف
وممن كان من أحبار اليهود حريصا على رد الناس عن الإسلام شاس بن قيس اليهودي كان شديد الطعن على المسلمين شديد الحسد لهم . مر يوما على الأنصار الأوس والخزرج وهم مجتمعون يتحدثون فغاظه ما رأى من ألفتهم بعد ما كان بينهم من العداوة . فقال : قد اجتمع بنو قيلة والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار . فأمر فتى شابا من اليهود فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بعاث : أي الحرب الذي كان بينهم وما كان فيه وانشدهم ما كانوا يتقاولون به من الأشعار ففعل فتكلم القوم عند ذلك وذكر كل أقوال شاعرهم وتنازعوا وتواعدوا على المقاتلة فنادى هؤلاء يا آل الأوس ونادى يا آل الخزرج ثم خرجوا للحرب وقد أخذوا السلاح واصطفوا للقتال
فلما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم فيمن كان معه من المهاجرين . فقال يا معشر المسلمين الله الله ؟ اتقوا الله . أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله إلى الإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم . فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم فبكوا وعانق الرجال من الأوس الرجال من الخزرج ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأنزل الله في شاس بن قيس { يأهل الكتاب لم تصدن عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا } وأنزل الله في الأنصار { يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمامكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم . يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } سورة آل عمران
وقد كان اليهود يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء تعنتا وحسدا وبغيا ليلبسوا الحق بالباطل . فجاء مرة يهوديان إلى رسول الله فسألاه عن قوله تعالى { ولقد آتينا موسى تسع آيات } . فقال لهما لا تشركوا بالله شيئا . ولا تزنوا . ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق . ولا تسرقوا . ولا تسحروا . ولا تمشوا ببرئ إلى سلطان . ولا تأكلوا الربا . ولا تقذفوا المحصنة وعليكم يا يهود خاصة لا تعتدوا يوم السبت . فقبلا يديه ورجليه وقالا نشهد أنك نبي . قال ما يمنعكما أن تسلما . فقالا نخاف إن أسلمنا تقتلنا اليهود
وسألوه صلى الله عليه وسلم مرة . فقالوا : أخبرنا عن علامة النبي . فقال : " تنام عيناه ولا ينام قلبه "
وسألوه أي طعام حرمه اسرائيل لعلى نفسه قبل أن تنزل التوراة : قال أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن اسرائل وهو يعقوب عليه السلام مرض مرضا شديدا وطال سقمه فنذر لئن شفاه الله تعالى من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه . فكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها . قالوا اللهم نعم
وقالوا مرة إغاظة له صلى الله عليه وسلم ما يرى الرجل همة إلا في النساء والنكاح فلو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء . فأنزل الله تعالى { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية } فقد جاء أن سليمان عليه السلام كان له مائة امرأة وتسعمائة سرية
وقد انضم إلى اليهود جماعة من الأوس والخزرج منافقون على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث الا أنهم دخلوا في دين الإسلام خشية القتل لما قهرهم الاسلام بظهوره واجتماع قومهم عليه فكان هواهم مع اليهود في السر وفي الظاهر مع المسلمين وهؤلاء المنافقون . وقد ذكر بعضهم إن المنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة . منهم عبد الله بن أبي ابن سلول وهو رأس المنافقين ولاشتهاره بالنفاق لم يعد في الصحابة . وكان من أعظم اشراف أهل المدينة وكانوا قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه . وكان عبد الله بن أبي . جميل الصورة ممتلئ الجسم فصيح اللسان وهو المعنى بقوله تعالى { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم }
مثال من نفاق ابن أبي


- من نفاقه ما أخرجه الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما . قال نزلت ( وإذا لقوا الذين آمنوا } الأية في عبد الله بن أبي وأصحابه وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من الصحابة . فقال ابن أبي انظروا كيف أرد عنكم هؤلاء السفهاء فأخذ بيد أبي بكر رضي الله عنه . فقال : مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الاسلام وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله ثم أخذ بيد عمر رضي الله عنه وقال : مرحبا بسيد بني عدي الفاروق القوى في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله . ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال : مرحبا بابن عمر رسول الله وختنه وسيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له علي رضي الله عنه : اتق الله يا عبد الله ولا تنافق فإن المنافقين شر خليقة الله . فقال له عبد الله مهلا يا أبا الحسن أتقول لي هذا والله إن ايماننا كايمانكم وتصديقنا كتصديقكم ثم افترقوا . فقال لأصحابه كيف رأيتموني فعلت فأثنوا عليه خيرا فرجع المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك فنزلت الآية { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم } إلى آخر الآيات التي في المنافقين كلها فيه وفي أصحابه
وبالجملة قد لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من شدة الأذى من المنافقين واليهود بالمدينة شيئا كثيرا ولكنه بالنسبة لأذى أهل مكة كالعدم فإنه كان بالمدينة في غاية العزة والمنعة والقوة من أول يوم وأذى اليهود غايته المجادلة والتعنت في السؤال . ولما قويت شوكة الاسلام واشتد الجناح أذن له صلى الله عليه وسلم بالقتال

0 commentaires:

إرسال تعليق