- 80 - السرايا والغزوات قبل بدر الكبرى


سرية عبيدة بن الحارث


- وفي شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة ( 623 م ) بعث عبيدة بن الحارث ابن المطلب بن مناف إلى بطن رابغ وعقد له لواء أبيض وكان الذي حمله مسكح ابن اثاثة بن عبد المطلب بن عبد مناف وكانوا ستين رجلا من المهاجرين ليس فيهم
أنصاري فلقى أبو سفيان بن حرب ( 1 ) وهو في مائتين من أصحابه وهو على ماء يقال له أحياء من بطن رابغ على عشرة أميال من الجفة وأنت تريد قديدا عن يسار الطريق وإنما نكبوا عن الطريق ليرعوا ركابهم فكان بينهم الرمي ولم يسلوا السيوف ولم يصطفوا للقتال وإنما كانت بينهم المناوشة إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمى به في الأسلام ثم انصرف الفريقان على حاميتهم
_________
( 1 ) أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن مناف القرشي الأموي والد معاوية ولد قبل الفيل بعشر سنين وكان من أشراف قريش وكان تاجرا يجهز التجار بماله وأموال قريش إلى الشام وغيرها من أرض العجم وكان يخرج أحيانا بنفسه وكانت إليه راية الرؤساء التي تسمى العقاب وهو الذي قاد قريشا كلها يوم أحد . أسلم ليلة الفتح


سرية سعد بن أبي وقاص


- ثم سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار وهو واد في الحجاز يصب في الجفة وذلك في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر من الهجرة عقد له لواء أبيض حمله المقداد عمرو البهرواني وبعثه في عشرين رجلا من المهاجرين يعترض لعير قريش تمربه وعهد إليه أن لا يجاوز الخرار . قال سعد فخرجناعلى أقدامنا فكنا نكمن النهار ونسير الليل حتى صبحناها صبح خمس فنجد العير قد مرت بالأمس فانصرفنا إلى المدينة


غزوة ودان أو غزوة الأبواء


- أول مغازيه التي خرج فيها بنفسه صلى الله عليه وسلم غزوة ودان . قال زين العابدين ين الحسين بن علي رضي الله عنهم " كنا نعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السور من القرآن . وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول : يا بني أنها شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها
فأول غزوة خرج فيها صلى الله عليه وسلم ( ودان ) وهي قرية جامعة من أعمال الفرع . وبعضهم يسميها غزوة الأبواء فمنهم من أضافها إلى ودان ومنهم من أضافها إلى الأبواء لأنهم متقاربان في وادي الفرع بينهما ستة أميال . خرج رسول الله إليها في صفر على رأس اثني عشر شهرا من الهجرة ( يونيه سنة 623 م ) يريد عيرا لقريش وبني ضمرة وقيل لم يكن صلى الله عليه وسلم مريدا لهم بل مريدا للعير التي لقريش فلما لقى بني ضمرة عقد بينه وبينهم صلحا وكان خروجه في ستين راكبا ليس فيهم أنصاري فلم يدرك العير التي أراد . واكنت المصالحة بينه وبين ضمرة على أنهم لا يغزونه ولا يكثرون عليه جمعا ولا يعينون عليه عدوا وأن لهم النصر على من رامهم بسوء وأنه إذا دعاهم لنصر أجابوه وعقد ذلك معهم سيدهم فخشى بن عمرو الضمري وكتب بينهم كتاب فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنى ضمرة بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم وان لهم النصر على من رامهم بسوء بشرط أن لا يحاربوا في دين الله ما بل بحر صوفة وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم لنصر أجابوه . عليهم بذلك ذمة الله ورسوله
وكان لواؤه أبيض وكان مع عمه حمزة رضي الله عنه واستخلف على المدينة سعد ابن عبادة . وكانت غيبته خمس عشرة ليلة


غزوة بواط


- ثم غزوة بواط في شهر ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة ( يوليه سنة 623 م ) وكان يحمل لواءه سعد بن أبي وقاص واستخلف على المدينة سعد بن معاذ . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه حتى بلغ بواط ( جبل لجهينة من ناحية رضوى ) يعترض لعير قريش فيها أمية بن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش ففاتته العير ورجع ولم يلق حربا


غزوة بدر الأولى


- وفي شهر ربيع الأول أيضا غزا رسول الله لطلب كرز بن جابر الفهري وكان لواؤه أبيض وكانبيد على بن أبي طالب واستخلف على المدينة مولاه زيد بن حارثة . وكان كرز بن جابر قد أغار على سرح المدينة فاستاقه وكان يرعى بالجماء ( 1 ) فطلبه رسول الله حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر وفاته كرز بن جابر فلم يلحقه فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . وهذه الغزوة هي غزوة در الأولى
أما كرز فإنه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وولاه رسول الله الجيش الذين بعثهم في أثر العرينيين الذين قتلوا راعيه وقتل كرز يوم الفتح وذلك سنة ثمان من الهجرة
وقد ذكر ابن اسحاق هذه الغزوة بعد العشيرة قال ابن حزم بعشرة أيام
_________
( 1 ) السرح ما رعوا من نعمهم . والجماء جبل ناحية العقيق إلى الجرف بينه وبينه ثلاثة أميال


غزوة العشيرة


- كانت غزوة العشيرة في جمادة الأولى وقيل الآخرة على رأس ستة عشر شهرا من الهجرة ( اكتوبر سنة 623 م ) وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب وكان لواء أبيض واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي وخرج في خمسين ومائة ويقال في مائتين من المهاجرين ممن انتدب ولم يكره أحدا على الخروج وخرجوا على ثلاثين بعيرا . خرج يعترض لعير قريش حين أبدأت إلى الشام وكان قد جاءه الخبر بقفولها من مكة فيها أموال قريش فبلغ العشيرة وهي لبنى مدلج بناحية ينبع وبين ينبع والمدينة تسعة برد فوجد العير التي خرج لها قد مضت قبل ذلك بأيام وهي العير التي خرج لها أيضا يريدها حين رجعت من الشام فساحلت على البحر وبلغ قريشا خبرها فخرجوا يمنعونها فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر فواقعهم وقتل منهم من قتل وبالعشيرة كنى رسول الله علي بن أبي طالب أبا تراب وذلك أنه رآه نائما متمرغا في البوغاء ( 1 ) فقال أجلس أبا تراب فجلس وفي هذه الغزوة وادع بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا
كانت قريش قد جمعت أموالها في تلك العير ويقال إن فيها خمسين ألف دينار وألف بعير وكان قائد تلك العير أبا سفيان بن حرب ومعه سبعة وعشرون وقيل تسعة وثلاثون رجلا منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص
_________
( 1 ) البوغاء ماثار من الغبار ودقاق التراب


سرية عبد الله بن حجش الأسدي


- أمر رسول الله أبا عبيدة بن الجراح أن يتجهز للغزو فتهجز فلما أراد المسير بكى صبابة إلى رسول الله فبعث مكانه عبد الله بن حجش الأسدي في أثني عشر رجلا من المهاجرين كل أثنين يعتقبان بعيرا إلى نخلة وهو بستان بن عامر الذي قرب مكة وذلك في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة ( نوفمبر سنة 623 م ) وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فمضى لما أمره به ولا يكره أحدا من أصحابه ففعل ذلك ثم قرأ الكتاب وفيه يأمره بنزول نخلة بين مكة والطائف فيرصد قريشا ويعلم أخبارهم . فأعلم أصحابه فساروا معه حتى إذا كان بمعدن فوق الفع أضل بعيرا وكان زميله عتبة بن غزوان فأقاما عليه يومين يبغيانه ومضى عبد الله وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش تحمل خمرا وأدما وزبيبا جاءوا من الطائف فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن المغيرة وأخوه نوفل والحكم بن كيسان فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم وأشرف لهم عكاشة بن محصن الأسدي وقد حلق رأسه فلما رأوه أمنوا وقالوا عمار لا بأس عليكم وذلك آخر يوم من رجب ثم انهم تشاوروا فأجمعوا على القتال فرمى واقد بن عبد الله التيمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله وشد المسلمون عليهم فاستأسر عثمان بن عبد الله بن المغيرة والحكم بن كيسان وهرب نوفل وغنم المسلمون ما معهم . ويقال أن عبد الله بن جحش لما رجع من نخلة خمس ما غنم وقسم بين أصحابه سائر الغنم فكان أول خمس خمس في الإسلام وذلك قبل أن يفرض وكانت أول غنيمة غنمها المسلمون . وعمرو بن الحضرمي أول من قتل المسلمون . وعثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون وكان الذي أسر الحكم المقداد بن عمرو فدعاه رسول الله إلى الإسلام فأسلم وقتل ببئر معونة شهيدا
أما سعد بن أبي وقاص وزميله عتبة بن غزوان فلم يشهدوا هذه الغزوة وقدما المدينة بعد عودة السرية بأيام
أقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسرى إلى المدينة فلما قدموا قال لهم رسول الله ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فوقف العير ولاأسيرين فسقط في أيديهم وعنفهم المسلمون وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام فأنزل الله تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله }
فلما نزل القرآن وفرج الله عن المسلمين قبض رسول الله العير وفدى الأسيرين وفي هذه السرية سمى عبد الله بن جحش " أمير المؤمنين "

0 commentaires:

إرسال تعليق