- 83 - غزوة أحد


غزوة أحد


- أحد جبل مشهور بالمدينة في شمالها بينه وبين المدينة ثلاثة أميال . كانت الغزوة في شوال سنة ثلاث من الهجرة ( يناير 625 م ) وسببها أن قريشا لما أصبابهم يوم بدر ما أصابهم مشى عبد الله بن ابي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية ومشى معهم رجال آخرون من أشراف قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وأخوانهم فكلموا أبا سفيان وكل من كان له تجارة في تلك العير التي كانت سبب وقعة بدر
وسألوهم أن يعينوهم على حرب رسول الله ليدركوا ثأرهم منهم ففعلوا وتجهزت قريش ومن والاهم من قبائل كنانة وتهامة ودعا جبير بن مطعم غلامه وحشى بن حرب وكان حبشيا يقذف بالحربة قلما تخطئ فقال له أخرج مع الناس فإن قتلت عم محمد ( حمزة ) بعمى طعيمة بن عدى فأنت حر لأن حمزة هو القاتل لطعيمة بن عدي يوم بدر وكان أبو سفيان بن حرب قائدهم وكانت عدتهم 3000 فيهم 700 دارع ومعهم 200 فرس وكان جملة النساء 17 امرأة معهن الدفوف يبكين على قتلى بدر ( إذ البكاء دأب النساء ) يحرضن بذلك المشركين وممن خرج من النساء هند بنت عتبة بن أبي ربيعة . وكتب العباس للنبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بجمهم وخروجهم
وراودوه على الخروج معهم فأبى واعتذر بما لحقه يوم بدر ولم يساعدهم بشيء من المال ومن هذا نستدل على أن التجنيد والتبرعات المالية للحرب لم تكن إجبارية
جاء كتاب العباس للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بقباء على بعد ساعة من المدينة وكان العباس أرسل الكتاب مع رجل من بني غفار استأجره وشرط عليه أن يأتي المدينة في ثلاثة أيام بلياليها ففعل ذلك . فلما جاء الكتاب فك ختمه ورفعه لأبي بن كعب فقرأه عليه وهذا مما يؤيد أن النبي كان أميا بمعنى أنه لا يعرف القراءة والكتابة والا لكان قرأ الكتاب بنفسه وكتم سره بدلا من أن يطلب من أبي بن كعب تلاوته ثم يستكتمه
سارت قريش ومعهم الأحابيش ( 1 ) الذي حالفوهم وخرج معهم أبو عامر الراهب في 70 فارسا . وسماه رسول الله الفاسق بدلا عن الراهب وابنه حنظلة من فضلاء الصحابة وهو من المستشهدين بأحد
وصلت قريش ببطن الوادي من قبل أحد مقابل المدينة . وتشاور المسلمون في الخروج من المدينة . وكان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول رأى النبي فإنه كان يرى عدم الخروج منها . لكن ألح عليه صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة فخرج . ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود مع عبد الله بن أبي يريدون الخروج . فقال وقد اسلموا ؟ قالوا لا يا رسول الله . قال مروهم فليرجعوا فإنا لانستعين بالمشركين على المشركين والنتيجة ان انقسم أصحاب رسول الله فريقين . فكان مجموع الذين خرجوا للقتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم 700 منهم 100 دارع ولم يكن معهم من الخيل سوى فرسين وذلك بعد أن انخذل عنه عبد الله بن أبي ثلث الناس ( فالتجنيد لذلك لم يكن اجباريا )
وكانت فكرة عدم الخروج من المدينة لمقاتلة قريش هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " امكثوا بالمدينة فإن دخل القوم المدينة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت وفي رواية فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وندعوهم حين نزلوا فإن أقاموا بشر مقام . وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها "
أما الذين رأوا الخروج فهم رجال من المسلمين لم يحضروا بدرا وأسفوا على ما فاتهم من مشهدها فقالوا يا رسول الله إنا كنا نتمنى هذا اليوم اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون انا جبنا عنهم فلما سمع ابن أبي هذا الرأي قال يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط الا أصاب منا ولا دخلها عليها الا أصبنا منهم فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا ومن الذي رأوا الخروج حمزة بن عبد المطلب وسعد بن عبادة والنعمان بن مالك وطائفة من الأنصار أما النبي وإن كان رأى عدم الخروج الا أنه كان مترددا ولم يكن قد أوحى إليه لكنه مال أخيرا إلى موافقة من رأى الخروج من أصحابه فصلى بالناس الجمعة ثم وعظهم وحثهم على القتال والصبر وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ثم صلى بالناس العصر ودخل بيته ومعه صاحباه فعمماه والبساه وتقلد السيف وخرج وقد لبس لأمته ( 2 )
اصطف الناس ينتظرون خروجه صلى الله عليه وسلم . فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه . وكان سعد بن معاذ سيد الأوس وهو في الأنصار كالصديق في المهاجرين
خرج رسول الله بعد أن لبس لأمته فندم الطالبون لخروجه على ما صنعوا وقالوا ما كان ينبغي لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت . فقال ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه . واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وعقد لواء للأوس وجعله بيد أسيد بن حضير ولواء للخزرج وجعله بيد الحباب بن المنذر ولواء للمهاجرين وجعله بيد علي بن أبي طالب . وخرج امام رسول الله السعدان يعدوان : سعد بن معاذ وسعد بن عبادة
اصطف المسلمون بأصل أحد والجبل وراء ظهورهم واصطف المشركون بالسنجة وكان على ميمنة خيل المشركين خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل وعلى المشاة صفوان بن أمية واستقبل الزبير بن العوام خالد بن الوليد وجعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير بن النعمان الأوسي البدري المستشهد يوم أحد . وكان الرماة خمسين رجلا فأقامهم النبي صلى الله عليه وسلم على جبل وقال لهم احموا ظهورنا حتى لا يأتونا من خلفنا وارشقوهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أبا دجانة الأنصاري سيفا يحارب به ففلق بالسيف هام المشركين وكان إذا كل شحذه بالحجارة . وقتل علي رضي الله عنه صاحب لواء المشركين وهو طلحة بن أبي طلحة ثم حمل اللواء بعده أخوه عثمان بن أبي طلحة فحمل عليه حمزة رضي الله عنه فقطع يديه وكتفه فأخذه أبو سعيد ابن أبي طلحة فقتله سعد بن أبي وقاص رميا فحمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح ثم حمله أخو مسافع وهو الحارث بن طلحة فرماه عاصم أيضا فقتله فحمل اللواء كلاب بن طلحة فقتله الزبير رضي الله عنه فحمله جلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله ثم حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله علي رضي الله عنه ثم حمل أبو زيد بن عمرو بن عبد مناف قزمان ولد لشرحبيل فقتله قزمان أيضا ثم حمله صواب غلامهم وكان عبدا حبشيا فقتله علي رضي الله عنه ثم لم يزل اللواء طريحا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فاستداروا حوله وقد كان علم المشركين شؤما عليهم فكلما حمله أحد قتل وهكذا إلى أن قتل عشر رجلا حملوا هذا العلم بالتوالي وقد كان اهتمام المسلمين موجها إلى حامل العلم بنوع خاص بأنه كبش الكتيبة ونكب بحمل العلم كل من مسافع والحارث وكلاب وجلاس الأربع أولاد طلحة بن أبي طلحة فكلهم قتلوا كأبيهم وعميهم عثمان وأبي سعيد . ثم جاش المسلمون فيهم ضربا حتى اجهضوهم وأزالوهم أمكنتهم ثم أنزل الله نصره على المسلمين فصاروا يقتلون الكفار قتلا فانهزموا وولوا هاربين وتبعهم المسلمون ووقعوا ينتهبون المعسكر ويأخذون ما فيه من الغنائم واشتغلوا عن الحرب
_________
( 1 ) سموا أحابيش باسم جبل بأسفل مكة يقال له حبيش
( 2 ) هي بالهمز وعدمه : الدرع وقيل السلاح


الكرة على المسلمين


- انهزم المشركون فطمعت الرماة في الغنيمة وفارقوا المكان الذي أمر النبي بالبقاء فيه مع أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم " انا لاننزال غالبين ما ثبتم مكانكم " " اللهم أني أشهدك عليهم " وفي رواية قال لهم " إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم وهم قتلى فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم " وليس بعد هذا تنبيه ولا تشديد من القائد العام وقد حذرهم أميرهم عبد الله بن جبير وقال لهم أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأبوا أن يطيعوه وقالوا والله لتأتين الناس ولنصيبن من الغنيمة فإن المشركين قد انهزموا فما مقامنا هنا ؟
ولما رأى خالد بن الوليد خلاء الجبل الذي كان فيه الرماة وقلة أهله أتى من خلف المسلمين وكر عليهم بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل فوقع الاختلاط فيهم فضعفت عزائمهم مما زاد ارتباكهم أن رجلا اسمه قميئة الليثي قتل مصعب بن عمير وأذاع أنه قتل محمدا فانكشف المسلمون وقتل الذين ثبتوا في مكانهم من الرماة وهم دون العشرة وقتل أميرهم عبد الله بن جبير وكان عدة الشهداء من المسلمين 70 رجلا وعدة القتلى من المشركين 23 رجلا وكان بين القتلى حنظلة بن أبي سفيان ووصل العدو إلى رسول الله وأصابته حجارتهم حتى وقع وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى وشج في وجهه وكلمت شفته السفلى وكان الذي أصاب رسول الله عتبة بن أبي وقاص والدم يسيل على وجهه وهو يقول :
كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم
فنزل في ذلك قوله تعالى { يس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون }
ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ووقع رسول الله في حفرة من الحفر التي عملها أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون فأخذ علي بن أبي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما ومص مالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وازدرده ونزع أبو عبيدة بن الجراح إحدى الحلقتين من وجه رسول الله فسقطت ثنيته ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى فكان ساقط الثنيتين . ولما كسرت رباعيته وشج وجهه شق ذلك على أصحابه وقالوا لودعوت عليهم فقال إني لم أبعث لعانا ولكن بعثت داعيا ورحمة اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون
وثبت النبي وقت رجوع المسلمين ولم ينصرف عن موضعه وصار يرمي بالنبل ومعه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين ( 1 ) وسبعة من الأنصار ( 2 ) وأقبل أبي بن خلف يريد قتله عليه السلام فتناول النبي حربة من الحارث بن الصمة ثم استقبله فطعنه في عنقه فاحتقن الدم وكان ذلك سبب موته وهو عائد إلى مكة وهو الرجل الوحيد الذي قتل بيده عليه الصلاة والسلام
ثم التمس رسول الله عمه حمزة فوجده وقد بقر بطنه وجدع أنفه وأذناه ثم أتى بالقتلى وأمر بدفنهم واحتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال " ادفنوهم حيث صرعوا
وقد قاتل حمزة في ذلك اليوم قتالا شديدا وكان يقاتل بسيفين وآخر قتيل قتله رضي الله عنه سباع بن عبد العزى الخزاعي فلما أكب عليه ليأخذ درعه قتله وحشي غلام جبير بن مطعم ثم أسلم بعد ذلك


المثلة بحمزة


- قال ابن اسحاق : ووقعت هند بنت عتبة كما حدثني صالح بن كيسان والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد عن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم خدما وقلايد وأعطت خدمها وقلايدها وقرطتها وحشيا غلام جبير بن مطعم وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها . وهند هذه هي زوج أبي سفيان وأم ابنه معاوية وقد أسلمت في فتح مكة بعد زوجها كما سيأتي
لقد ساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رآه من التمثيل بحمزة فقال : لئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم . ولما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا والله لئن أظفرنا الله بهم يوما في الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب . فالمثلة كانت تقترفها العرب في الجاهلية انتقاما من أعدائهم إذا بلغ منهم الغيظ مبلغه لكن الإسلام حرمها لشناعتها فعن ابن عباس إن الله عز وجل أنزل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه { وإن عاقبتم فعاقبوا بمل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا ولاتحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون } فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عن المثلة . وقال أصبر وأحتسب . هذا نهى عنه الدين الإسلامي الحنيف لكنا نرى بعض جيوش الدول المتمدنة تقترف المثلة بأعدائها وهم يزعمون أن الدين الإسلامي دين همجية ووحشية . وقد مثل يوم أحد بعبد الله بن جحش وكان الذي قتله أبو الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي . وكان عمره حين قتل نيفا وأربعين سنة ودفن هو وخاله حمزة في قبر واحد
_________
( 1 ) وهم أبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وسعد وطلحة والزبير وأبو عبيدة
( 2 ) وهم أبو دجانة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير


إحدى معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم


- لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة ومن هذه المعجزات المعجزة الآتية :
أصيبت عين قتادة بن النعمان من بني ظفر وهي على وجنته فردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصحت وكانت أحسن عينيه ( 1 ) . وقال ابن اسحاق حدثني عاصم بن عمر ابن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى سيتها فأخذها قتادة بن النعمان . فكانت عنده وأصيبت يومئذ عين قتادة حتى وقعت على وجنته
قال ابن اسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدهما
_________
( 1 ) راجع الطبري


سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه


- سعد بن أبي وقاص هو أبو اسحاق بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري المكي المدني الصحابي أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة وهو قديم الإسلام . أسلم وعمره 17 سنة وهو أول من رمى بسهم في سبيل الجهاد وكان من المهاجرين الأولين وشهد مع النبي بدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد وكان يقال له فارس الإسلام وأبلى في يوم أحد بلاء شديدا . قيل رمى فيه بألف سهم
جاء صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كأشد القتال ما رايتهما قبل ولا بعد "
وعنه رضي الله عنه قال : نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد فقال " ارم فداك أبي وأمي " وعن علي رضي الله عنه قال ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فداك أبي وأمي إلا لسعد رضي الله عنه " يعني يوم أحد . فلا ينافي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل ذلك للزبير يوم الخندق وكان صلى الله عليه وسلم يفتخر بعد ويقول هذا سعدا رضي الله عنه كان من بني زهرة وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم منهم وكان رضي الله عنه إذا غاب يقول النبي صلى الله عليه وسلم ما لي لا أرى الصبيح المليح الفصيح


المنهزمون من المسلمين


- رجع المسلمون يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون بسبب ما وقع بينهم من الإختلاط واستمروا إلى قرب المدينة وتفرق سائرهم
قال الحافظ بن حجر أنهم صاروا ثلاث فرق :
- 1 - فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة فما رجعوا حتى انفض القتال وهم قليل وهم الذين نزل فيهم { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم }
- 2 - وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل فصارت غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه أو يستمر على بصيرته في القتال إلى أن يقتل وهم أكثر الصحابة
- 3 - وفرقة ثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم تراجعت إليه الفرقة الثانية شيئا فشيئا لما عرفوا أنه صلى الله عليه وسلم حي


شجاعة امرأة وثباتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم


- لما انكشف المسلمون وأختلط أمرهم ثبتت أم عمارة مع رسول الله وأصحابه الشجعان الذين ثبت الله أقدامهم وهذه مفخرة خالدة . قال ابن هشام وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعبا لمازنية يوم أحد فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري أن أم سعد ينت سعد بن الربيع كانت تقول دخلت على أم عمارة فقلت لها يا خالة أخبريني خبرك فقالت خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت من أصابك بهذا قالت ابن قميئة أقمأه لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . أقبل يقول دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني هذه الضربة ولكن فلقد ضربته على ذلك ضربات ولكنن عدو الله كانت عليه درعان
وفي أسد الغابة أن أم عمارة شهدت بيعة العقبة وشهدت أحدا مع زوجها زيد ابن عاصم ومع أبنيها حبيب وعبد الله في قول ابن اسحاق وشهدت بيعة الرضوان وشهدت اليمامة فقاتلت حتى أصيبت يدها وجرحت يومئذ اثنتي عشرة جراحة . روى عنها عكرمة مولى ابن عباس أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أرى كل شيء إلا للرجال ما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات }


أسباب انهزام المسلمين في موقعة أحد


- كان أبو سفيان بن حرب هو الذي قاد قريشا كلها يوم أحد ولم يكن بأعلم من رسول الله بقادة الجيش وتنظيمه . لكن أبا سفيان استطاع أن سجند عددا كبيرا من قريش فكانت عدتهم 3000 فيهم 700 دارع ومعهم 200 فرس . أما مجموع الذين خرجوا للقتال مع رسول الله 700 منهم 100 دارع ولم يكن فيهم سوى فرسين لأن عبد الله بن أبي انخذل عن رسول الله بثلث الناس وعاد بهم إلى المدينة
ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صف المسلمين بأصل أحد وجعل الرماة على جبل صغير وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم قائلا لهم " احموا ظهورنا حتى لا يأتونا من خلفنا " طمعوا في الغنيمة وهبطوا تاركين مركزعم . وبذلك تمكن خالد بن الوليد من الكر على المسلمين بالخيل من الخلف فانكشفوا ووقع الإختلاط بينهم وذاع في الجيش أن محمدا قتل فازداد ارتباك المسلمين وفروا منهزمين وفر بعضهم إلى المدينة
نعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزحزح عن مركزه وشاهد بعض الصحابة فالتفوا حوله وثبتوا معه وقاتلوا قتالا شديدا حتى أن سعد بن أبي وقاص وحده رمى يومئذ بألف سهم ورمى رسول الله عن قوسه حتى اندقت سيتها واستطاع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يهبط الطائفة التي علت الجبل من قريش لكن هذا كله كان بعد أن وقعت الهزيمة بالمسلمين


نداء أبي سفيان


- أشرف أبو سفيان على القوم بعد الموقعة فقال أفي القوم محمد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتجيبوه مرتين ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه ثم قال أفي القوم ابن الخطاب ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه . ثم الفتف إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا لو كانوا في الأحياء لأجابوا فلم يملك عمر بن الخطاب نفسه أن قال كذبت يا عدو الله فقد أبقى الله لك ما يخزيك . فقال اعل هبل . اعل هبل . وقيل أنه صرخ بأعلى صوته وقال أنعمت فعال الحرب سجال يوم أحد بيوم بدر اعل هبل . وسبب ذلك أنه حين أراد الخروج كتب على سهم " نعم " وعلى الآخر " لا " وأجالهما عند هبل فخرج بهم " نعم " فتوجه إلى أحد فقال اعل هبل أي زذ علوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجيبوه فقالوا ما تقول ؟ قال قولوا : الله أعلى وأجل . قال أبو سفيان : إلا لنا العزى ولا عزى لكم . فقال رسول الله أجيبوه . قالوا ما نقول ؟ قال قولوا : " الله مولانا ولا مولى لكم "
ولما أجاب عمر أبا سفيان قال له أبو سفيان . هلم يا عمر فقال رسول الله ائته فانظر ما شأنه فجاءه فقال له أبو سفيان أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدا فقال عمر " اللهم لا وأنه ليسمع كلامك الآن " فقال أنت أصدق عندي من ابن قميئة وأبر لقول ابن قميئة له أني قتلت محمدا
ثم نادى أبو سفيان أنه قد كان في قتلاكم مثل والله ما رضيت ولا سخطت وما نهيت وما أمرت
وقد كان الحليس بن زبان أخو بني الحارث بن عبد مناة وهو يومئذ سيد الأحابيش قد مر بأبي سفيان بن حرب وهو يضرب بشدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح ويقول ذق عقق . فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما . فقال ويحك اكتمها عني فإنها كانت زلة
ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى أن موعدكم بدر للعام القابل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه . قل نعم هو بيننا وبينك موعد . ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب . فقال : اخرج في آثار القوم فانظر ما ذا يصنعون وما يريدون . فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة . وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة . والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم . قال علي فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة . من هذا يتضح أن أبا سفيان قد خشي عاقبة ما فعله من ضرب شدق حمزة . فقال للحليس اكتمها عنهي فإنها زلة وبرأ نفسه في ندائه قائلا والله ما رضيت وما سخطت وما نهيت وما أمرت . أما نداؤه " إن موعدكم بدر للعام القابل " فخطأ منه لأن هذا الإنذار يعطي للمسلمين مهلة للاستعداد لمحاربته والتغلب عليه ومع أن جيش مكة تغلبوا على المسلمين في هذه الموقعة فإنهم اكتفوا بذلك ولم يجنوا ثمار انتصارهم فلم يحاولوا الهجوم على المدينة بل قفلوا راجعين إلى مكة . والظاهرأن أبا سفيان تخوف اقتفاء أثر المسلمين إلى المدينة إذ قد تصلهم نجدة منها


استشهاد سعد بن الربيع الأنصاري


- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع . أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأسنة قد أشرعت إليه
فقال رجل من الأنصار هو أبي بن كعب رضي الله عنه . أنا أنظر إليك يا رسول الله ما فعل سعد فنظر فوجده جريحا في القتلى وبع رمق وقد طعن اثنتي عشرة طعنة فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات . قال أنا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك اللع عنا خير ما جزى نبيا عن أمته . وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم أن سعد بن الربيع يقول لكم أنه لا عذر لكم عند اله أن يخلص إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم ( 1 ) وفيكم عين تطرف . قال ثم لم أبرح أن مات فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمه الله نصح لله والرسول حيا وميتا
كان سعد بن الربيع كاتبا في الجاهلية ومن النقباء يوم العقبة وشهد بدرا واستشهد يوم أحد
إن سؤال رسول الله عن سعد بن الربيع في مثل هذا المأزق الحرج هو من شدة عطفه ومحبته لأصحابه وهذا خلق عظيم فقد كان يسأل عنهم في الحرب وفي السلم ويهتم بشؤونهم وكانوا يحبونه حبا شديدا يفوق كل حب ويدافعون عنه إلى آخر رمق من حياتهم ويخشون أن يصل إليه أي أذى وأن نصيحة سعد بن الربيع لقومه بالمحافظة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلفظ النفس الأخير من أبلغ الأدلة على فرط محبة أصحابه صلى الله عليه وسلم له ولسمو مكانته في نفوسهم وقد كان قتادة بن النعمان يتقي السهام بوجهه دون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان آخرها سهما ندرت منه حدقته فأخذها بيده وسعى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها صلى الله عليه وسلم وكانت أحسن عينيه فانظر كيف بلغت محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
_________
( 1 ) أي يصل إليه شيء من الأذى


قتل مخيريق


- قال بن اسحاق وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق وكان أحد بني ثعلبة بن الفيطون . قال لما كان يوم أحد قال يا معشر يهود والله بقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق . قالوا إن اليوم يوم السبت . قال لا سبت لكم فأخذ سيفه وعدته وقال إن أصبت فما لي لمحمد يصنع فيه ما شاء ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا " مخيرق خير يهود "
وكان مخيريق حبرا عالما غنيا كثير الأموال من النخل وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد في علمه . وخالف قومه اليهود واشترك في موقعة أحد التي لم يشترك فيها أحد من اليهود غيره . فلما قتل قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله وتصدق بها


انتحار قزمان


- قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : قال كان فينا رجل أتي لا يدرى من أين هو يقال له قزمان
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له أنه لمن أهل النار . فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا باس فأثبتته الجراحة فاحتمل إلى دار بني ظفر . فجعل رجال من المسلمين يقولون له والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر . قال بماذا أبشر فوالله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي ولولا ذلك ما قاتلت . فلما اشتدت عليه جراحه أخذ سهما من كنانته فقطع رواهشه فنزفه الدم فماتفأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أشهد أي رسول الله حقا "


دفن قتلى أحد


- كثرت القتلى في يوم أحد فكان الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنون في القبر الواحد . أمر النبي صلى الله عليه وسلم بد
بدفن شهداء أحد لم يصل على أحد منهم ولم يغسسلهم وحمل أناس موتاهم ليدفنوهم بالمدينة فجاءهم منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ردوا القتلى إلى مضاجعهم فأدرك المنادي واحدا وهو شماس بن عثمان المخزومي فإنه قتل وحمل إلى المدينة وبه رمق فقال رسول الله احملوه إلى أم سلمة فحمل إليها فمات عندها فأمر رسول الله أن يرد إلى أ د فيدفن هناك ولم يكن قد دفن بالمدينة أما من دفن فأبقوه
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام فإنهما كانا متصافيين في الدنيا فاجعلوهما في قبر واحد


رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة


- لما أراد رسول الله الرجوع إلى المدينة ركب فرسه وخرج والمسلمون حوله وعامهم جرحى ومعه أربع عشر امرأة كن بأصل أحد وقال اصطفوا حتى اثني على ربي عز وجل ( فكان عليه الصلاة والسلام يحب النظام ) فاصطف الرجال خلفه صفوفا وخلفهم النساء فقال :
اللهم لك الحمد كله لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت ولاهادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولامانع لما أعطيت ولا مقرب لما أبعدت ولا مبعد لما قربت
الحديث ثم عاد إلى المدينة يهدئ روع نساء القتلى ويدعو لهن وقد نهاهن عن اللطم وحلق الرؤوس وتخميش الوجوه وشق الجيوب


ذكر عزوة أحد في القرآن


- أنزل الله تعالى من القرآن في غزوة أحد ستين آية في سورة آل عمران
قال تعالى :
{ وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم . إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فلتتوكل المؤمنون }
زعم اكثر العلماء بالمغازي أن هذه الآية نزلت في وقعة أحد . وقد كان المسلمون يومئذ كثيرين فلما انشقوا وخالفوا أمر الرسول انهزموا
{ ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون } : أنه تعالى لما ذكر قصة أحد أتبعها بذكر قصة بدر لأن المسلمين كانوا في غاية الضعف والكفار في غاية القوة . ولكن لما كان الله ناصرا لهم قهروا خصومهم . ثم قال تعالى : { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } إن هذا الوعد كان يوم بدر وهو قول أكثر المفسرين . وقد قالوا إن الملائكة حاربوا يوم بدر ويم يقاتلو في سائر الأيام وهذا المدد من المعجزات { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة ألاف من الملائكة مسومين }
فجعل مجيء خمسة آلاف من الملائكة مشروطا بثلاثة أمور : الصبر والتقوى ومجئ الكفار على الفور فلما لم توجد هذه الشرائط لا جرم لم يوجد المشروط { وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما الصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع طرفا من الذين كفروا أويكبتهم فينقلبوا خائبن } والمراد بالكبت الأخزاء والأهلاك والهزيمة والغيظ والاذلال . فكل ذلك ذكره المفسرون في تفسير الكبت
{ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } نزلت هذه الآية في قصة أحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شجه عتبة بن أبي وقاص وكسر رباعيته جعل يمسح الدم عن وجهه وهو يقول " كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم " فنزلت هذه الآية . وقيل أنه لعن أقواما فنزلت هذه الآية
إلى أن قال تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلتء من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين }
لما وقع الصراخ بأن محمدا قتل كما تقدم ذكره في غزوة أحد . قال بعضهم لو كان نبيا لما قتل . ارجعوا إلى أخوانكم وإلى دينكم . فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك " ياقوم إن كان قد قتل محمد فإن رب محمد حي لا يموت . وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه . ثم قال : " اللهم أني أعتذر اليك مما يقول هؤلاء " ثم سل سيفه فقاتل حتى قتلز ولما شج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته احتمله طلحة بن عبيد الله ودافع عنه أبو بكر وعلي رضي الله عنهم ونفر آخرون معهم . ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينادي ويقول " إلي عباد الله " حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه فلامهم على هزيمتهم . فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا خبر قتلك فاستولى الرعب على قلوبنا فولينا مدبرين
وقد ذكر الله تعالى الحكمة في ما أصاب المؤمنين بمخالفتهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم وعرفهم سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب المخالفة بما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يبرحوا عنه بقوله تعالى :
{ ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتمء وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون . منكم من يريد الدنيا . ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين }



0 commentaires:

إرسال تعليق