- 87 - غزوة بني قريظة


غزوة بني قريظة


- بنو قريظة قوم من اليهود بالمدينة من حلفاء الأوس . وسيد الأوس حينئذ سعد بن معاذ
ذكرنا أن بني قريظة نقضوا العهد وحاربوا رسول الله مع الأحزاب واشتد البلاء على المسلمين ثم كفوا عن القتال لما أوقعه نعيم من الفشل بينهم وبين قريش فكان تأديبهم أمرا لامناص عنه لأن وجودهم بالمدينة فتنة تهدد المسلمين ولأنهم هم الذين حزبوا
الأحزاب وانضموا إلى الأعداء في غزوة الخندق
لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق لسبع بقين من ذي القعدة سنة خمس هو أصحابه ووضعوا السلاح وكان قد صلى الصبح ودخل بيت عائشة رضي الله عنها . قال ابن اسحاق فلما كانت الظهر أتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني الزهري معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج فقال أو قد وضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال نعم . فقال جبريل فما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم . إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فأني عامد إليهم فمزلزل بهم
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر ألا في بني قريظة واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال بن هشام
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة وابتدرها الناس وكان عدد من خرج إلى القتال ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثون فرسا
فلما دنا علي كرم الله وجهه من الحصن ( 1 ) ومعه نفر من المهاجرين والأنصار وغرز اللواء عند أصل الحصن سمع من بني قريظة مقالة قبيحة في حقه صلى الله عليه وسلم ( 2 ) فرجع حتى لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث . قال لم ؟ أظنك سمعت لي منهم أذى . قال نعم يا رسول الله . قال لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا . فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال يا اخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ؟ قالوا يا أبا القاسم ماكنت جهولا
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال هل مر بكم أحد ؟ قالوا يا رسول الله قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة . عليها قطيفة ديباج . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك جبريل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم ( 3 )
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة كما قال ابن اسحاق وقال الواقدي احدى وعشرين ليلة . حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب
وقد كان حيى بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه . فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد لهم :
يامعشر اليهود انه قد نزل بكم من الأمر ما ترون واني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم : قالوا وماهن ؟ قال : نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد كان تبين لكم أنه لنبي مرسل وأنه للذي كنتم تجدونه في كتابكم فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم . قالوا لا نفارق حكم التوارة أبدا ولانستبدل به غيره . قال فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف ولم تترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فان نهلك نهلك ولم تترك وراءنا شيئا نخشى عليه وان نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء . قالوا نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم ؟
قال فإذا أبيتم هذه على فان الليلة ليلة السبت وأنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة
قالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا الا من قد علمت فأصابه من المسخ مالم يخف عليك
قال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما
ثم أنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن ابعث الينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكان حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا . فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم . وقالوا له : يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال نعم . وأشار بيده إلى حلقه " أنه الذبح " قال أبو لبابة : فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله
ثم أنطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده ( 4 ) وقال لاأبرح مكاني هذا حتى يتوب الله على مما صنعت وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبدا . وقال لا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا . فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وأبطأ عليه وكان قد استبطأه قال : أما لو جاءني لاستغفرت له . فأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه
ثم أن توبة أبي لبابة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة فبشرت أبا لبابة بذلك ثم أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن اسحاق فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فتواثبت الأوس فقالوا يا رسول الله انهم موالينا دون الخزرج . وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع . وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه . فسأله اياهم عبد الله بن أبي ابن سلول فوهبهم له . فلما كلمه الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قولوا : بلى . قال فذاك إلى سعد بن معاذ وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمة امرأة من المسلمين يقال لها رفيدة في مسجده كانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه حين أصابه السهم بالخندق : اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب ( 5 )
_________
( 1 ) حصن بن قريظة يبعد عن المدينة بنحو ميلين أو ثلاثة إلى الجنوب الشرقي
( 2 ) سيرة ابن هشام عن ابن اسحاق
( 3 ) سيرة بن هشام عن ابن اسحاق وكذا في تارخ الطبري عن ابن اسحاق
( 4 ) وتعرف بأسطوانة أبي لبابة واسطوانة التوبة
( 5 ) راجع غزوة الخندق في هذا الكتاب


حكم سعد بن معاذ


- كان أبو لبابة بن عبد المنذر قد عرف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة لأنه لما ذهب إليهم أشار بيده إلى حلقه " أنه الذبح " ثم ندم على هذه الاشارة واعتبرها خيانة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكان ما كان منه . أما سعد بن معاذ فقد كان حكمه في بني قريظة معروفا أيضا لأنه لما أصيب في غزوة الخندق قال : " اللهم لا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة " وقد بقي مجروجا إلى أن استدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم في بني قريظة
فأتاه قومه فاحتملوه على حمار وأقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم يقولون : يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما لا ولاك ذلك لتحسن فيهم . فلما أكثروا عليه . قال : لقد آن لسعد أن لاتأخذه في الله لومة لائم . فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ عن كلمته التي سمع منه
فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى سيدكم فانزلوه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احكم فيهم . قال : فاني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى ذراريهم وأن تقسم أموالهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تكون النساء والذرية في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار وأمر بالأسارى أن يكونوا في دار أسامة بن زيد . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق فضرب أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم إليها ارسالا وفيهم عدو الله حيى بن أخطب . وكعب بن أسد رأس القوم وهم 600 أو 700 وقيل أنهم كانوا من 800 إلى 900
وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسالا : يا كعب ماترى ما يصنع بنا ؟ فقال كعب : في كل موطن لا تعقلون . ألا ترون الداعي لا ينزع وانه من ذهب به منكم لا يرجع . هو والله القتل
فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى بحيى بن أخطب وعليه حلة له فقاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة أنملة لئلا يسلبها . مجموعة يداه إلى عنقه بحبل . فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أما والله مالمت نفسي في عداوتك . ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس . فقال : أيها الناس لا بأس بأمر الله . كتاب الله وقدره وملحمة قد كتبت على بني اسرائيل . ثم جلس فضربت عنقه
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة . قالت والله انها لعندي تحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف باسمها . أين فلانة ؟ قالت وأنا والله . قلت ويلك مالك ؟ قالت : أقتل . قلت ولم ؟ قالت حدث أحدثته . قالت فانطلق بها فضربت عنقها . فكانت عائشة تقول : ما أنسى عجبا منها طيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت انها تقتل
وكانت تدعى هذه المرأة بنانه امرأة الحكم القرظي كانت طرحت رحى علي خلاد بن سويد فقتلته بارشاد زوجها لأنه أحب أن لا تبقى بعده فيتزوجها غيره ولم يقتل أحد من المسلمين في هذه الغزوة غير خلاد


غنائم المسلمين


- أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع ما في حصونهم من الحلقة والسلاح وغير ذلك فجمع فوجد فيها 1500 سيف و 300 درع و 2000 رمح و 500 ترس وحجفة ووجد أثاث كثير وآنية كثيرة وجمال نواضح أي يسقى عليها الماء وماشية وشياه كثيرة . وخمس ذلك مع النخل والسبى ثم قسم الباقي على الغانمين وكانت أسهم القسمة 3072 سهما لأن المسلمين 3000 والخيل 36 وللفرس سهمان ولصاحبه سهم . ثم بعث رسول الله سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع لهم منه خيلا وسلاحا واصطفى لنفسه من نسائهم ( ريحانة ) بنت عمرو بن جنافة فكانت عند رسول الله حتى توفى عنها وهي في ملكه وعرض عليها الزواج فأبت وكانت حين سباها قد تعاصت بالاسلام وأبت الا اليهودية ثم أسلمت


دفن القتلى


- ثم رد عليهم التراب في تلك الخنادق وعند قتلهم صاحت نساؤهم وشققن جيوبهن ونشرن شعورهن وضربن خدودهن وملئت المدينة بالنوح والعويل وكان المتولى لقتلهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام . وقيل إن بعضا منهم تولى قتله الأوس وما عدا ذلك تعاطى قتله على والزبير


وفاة سعد ؟


- لما انقضى شأن بني قريظة انفجر بسعد بن معاذ جرحه فمات منه شهيدا . قال ابن اسحاق حدثني معاذ بن رفاعة الزرقي قال من شئت من رجال قومي ان جبريل عليه السلام اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قبض سعد بن معاذ في جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق فقال يا محمد من هذا البيت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش ؟ قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد فوجده قد مات . وعن الحسن البصري قال : كان سعد رجلا بادنا فلما حمله الناس وجدوا له خفة فقال رجال المسلمين والله إن كان لبادنا وما حملنا من جنازة أخف منه . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن له حملة غيركم والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد واهتز له العرض . وعن جابر بن عبد الله قال لما دفن سعد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس معه ثم كبر فكبر الناس معه . فقالوا يا رسول الله مم سبحت . قال لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرج الله عنه . وقد دفن سعد ببقيع الغرقد . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل نائحة تكذب الانائحة سعد بن معاذ " وأم سعد كبيشة بنت رافع بن معاوية بن عبيد بن ثعلبة بن عبد ابن الأبجر . وهي أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم من نساء الأنصار


خسائر المسلمين في غزوة بني قريظة


- خلاد بن سويد طرحت عليه رحى . أما أبو سنان بن محصن فمات ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة فدفن في مقبرة بني قريظة التي يدفنون فيها اليوم وإليه دفنوا أمواتهم في الإسلام


ما نزل من القرآن في أمر الخندق وبني قريظة


- قال ابن اسحاق وأنزل الله تعالى في أمر الخندق وأمر بني قريظة من القرآن القصة في سورة الأحزاب يذكر فيها ما نزل من البلاء ونعمته عليهم وكفايته اياهم حين فرج الله ذلك عنهم بعد مقالة من قال من أهل النفاق { يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهمء ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تمملون بصيرا } والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح الملائكة . يقول الله تعالى { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم و إذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا } فالذين جاءوهم من قومهم بنو قريظة والذين جاءوهم من أسفل منهم قريش وغطفان يقول الله تعالى { هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا ورسوله إلا غرورا } لقول معتب بن قشير إذ يقول ما قال { وإذ قالت طائفة منهم يأهل يثرب لامقام لكم فاجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا } لقول أوس بن قيظي ومن كالن على مثل رأيه من قومه { ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ولقذ كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا } فهم بنو حارثة وهم الذين هموا أن يفشلوا يوم أحد من نبي سلمة حين همتا بالفشل إلى قوله تعالى { وأنزل الذين ظاهر من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها وكان الله على كل شيء قديرا } ظاهروهم أي عاونوهم من أهل الكتاب وهم بنو قريظة من صياصيهم من الحصون والآطام التي كانوا فيها


يهود المدينة وما آل إليه أمرهم


- كان بن الأوس والخزرج حروب قديمة . فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لقبهم بالأنصار لأنهم هم الذين نصروه فتآخى الفريقان وانمحى ماكان بينهما من العداوة وصاروا بنعمة الإسلام اخوانا وآخى عليه الصلاة والسلام بين المهاجرين والأنصار . أما يهود المدينة فقد كانت بنو قريظة والنضير حلفاء الأوس وبنو قينقاع حلفاء الخزرج وقد عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرهم على دينهم وأموالهم . لكنهم ثاروا ونقضوا عهده وتعنتوا في مناقشة وحسدوه على انتصاراته وكادوا له وعادوا ينكرون عليه نبوته . فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الغدر وشدة العناد ودس الدسائس أراد التخلص منهم متحينا الفرص فدعا بني قينقاع إلى الإسلام بعد غزوة بدر . وكانوا يسكنون بالمدينة . فلما أبوا وأجابوه بكل جرأة غزاهم وأجلاهم إلى أذرعات بالشام في السنة الثانية من الهجرة وأرسل من قتل كعب بن الأشرف الشاعر الذي كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بأشعاره ويحض كفار قريش على قتاله وذلك في السنة الثالثة من الهجرة . وغزا في السنة الرابعة بني النضير . وقد تقدم سبب هذه الغزوة وأجلاهم عن المدينة فمنهم من سار إلى الشام ومنهم من ذهب إلى خيبر . ثم غزا بني قريظة في السنة الخامسة لأنهم هم الذين حزبوا الأحزاب عليه في غزوة الخندق وانضموا إلى الأعداء في أحرج المواقف . بعد غزوة بني قريظة لم تقم لليهود قائمة بالمدينة وخضع المنافقون كل الخضوع وقد كانوا فئة قليلة . أما المدينة فلم تعد ملجأ للمضطهدين بل صارت مركزا لسلطة دينية عظيمة واستطاعت اخضاع جزيرة العرب بعد سنين قليلة


0 commentaires:

إرسال تعليق