- 96 - السرايا والبعوث بعد فتح مكة


سرية خالد بن الوليد إلى العزى ( 1 )

- بعد أن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأصنام التي كانت على الكعبة ومحا كل صورة بها وكسرت الأصنام التي كانت في البيوت بأمره وجه نظره إلى هدم الأصنام الأخرى المجاورة لمكة حتى تطهر البلاد من الوثنية ويعبد الله الواحد القهار
وتثبت دعائم الدين الصحيح فبعث حين فتح مكة لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة خالد بن الوليد إلى العزى ليهدمها فخرج في ثلاثين فارسا من أصحابه حتى انتهى إليها فهدمها ثم رجع إلى رسول الله فأخبره . فقال هل رأيت شيئا . قال لا . قال لم تهدمها . فارجع إليها فاهدمها فرجع خالد وهو متغيظ فجرد سيفه فخرجت إليه إمرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس فجعل السادن يصيح بها فضربها خالد فجزلها باثنين ورجع إلى رسول الله فأخبره فقال نعم تلك العزى وقد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا وكانت بنخلة ( على بعد ليلة من مكة ) وكانت لقريش وجميع بني كنانة وكانت أعظم أصنامهم وكان سدنتها بنو شيبان من بني سليم
قال ابن حبيب " العزى شجرة كانت بنخلة عندها وثن تعبده غطفان فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وهدم البيت وكسر الوثن والبيت كان مبنيا على العزى وكانوا يهدون لها كما يهدون للكعبة ويطوفون وينحرون عندها
_________
( 1 ) العزى تأنيث الأعز مثل الكبرى تأنيث الأكبر والأعز بمعنى العزيز والعزى بمعنى العزيزة وهي أحدث من اللات ومناة وكانت العرب وقريش تسمى بها عبد العزى


سرية عمرو بن العاص إلى سواع


- بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة بعد فتح مكة عمرو بن العاص إلى سواع اسم صنم لهذيل على ثلاثة أميال من مكة وكان بأرض يقال لها رهاط من بطن نخلة وكانت سدنته من بني لحيان
قال عمرو فانتهيت إليه وعنده سادن فقال ما تريد ؟ قلت أمرني رسول الله أن أهدمه . قال لا تقدر على ذلك . قلت لم ؟ قال تمنع . قلت حتى الآن أنت في الباطل ويحك وهل يسمع أو يبصر ؟ قال فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا فيه شيئا ثم قلت للسادن كيف رأيت ؟ قال أسلمت لله ؟ ولم نجد في كتب التاريخ عدد الذين كانوا مع عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما ذهب إلى هدم سواع


سرية سعد بن زيد الأشهلى إلى مناة


- مناة ضم للأوس والخزرج وغسان وكانت بالمشلل ( 1 ) ومناة من أقدم الأصنام
وكانت العرب تسمي عبد مناة وكانوا يحجون إليه ولم يكن أحد أشد إعظاما له من الأوس والخزرج
بعث رسول الله سعد بن زيد الأنصاري الأشهلي إلى مناة ليهدمها وذلك لست بقين من شهر رمضان فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى إليها فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة ثائرة الرأس تدعو وتضرب صدرها . فقال السادن مناة دونك بعض غضباتك فضربها سعد فقتلها وأقبل إلى الصنم ومعه أصحابه فهدموه ولم يجدوا في خزانتها شيئا . وما ذك أن الذي ذهب لهدمها سعد بن زيد الأشهلي هو ما مشى عليه في المواهب تبعا لطبقات ابن سعد . وفي سيرة ابن هشام أنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وسعد بن زيد الأشهلي هو الذي كان بعثه النبي صلى الله عليه وسلم سبايا قريظة إلى نجد ليبتاع بهم خيلا وسلاحا . وقال بعضهم أن الذي ذهب إلى نجد هو سعد بن زيد بن مالك الأشهلي
_________
( 1 ) جبل على ساحل البحر يهبط منه إلى قديد


سرية خالد بن الوليد إلى جديمة


- بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شوال سنة ثمان من الهجرة إلى بني جذيمة من كنانة وكانوا باسفل مكة على ليلة ناحية يلملم وهو يوم الغميصاء داعيا إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلا فخرج في 350 رجلا من المهاجرين والأنصار وبني سليم فانتهى إليهم خالد فقال من أنتم ؟ قالوا مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذنا فيها . قال فما بال السلاح عليكم ؟ فقالوا إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح . قال فضعوا السلاح فوضعوه . فقال لهم استأسروا . فاستأسر القوم . فأمر بعضهم فكتف بعضا وفرقهم في اصحابه . فلما كان السحر نادى خالد : من كان معه اسير فليدافه ( 1 ) . فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما صنع خالد فرفع يديه فقال . " اللهم إني أبرأ اليك مما صنع خالد " وبعث علي بن ابي طالب ومعه مال فودي لهم قتلاهم وما ذهب منهم ثم انصرف إلى رسول الله فأخبره . ان ارسال رسول الله دليل على اخلاصه واستيائه من قتلهم
كانت بنو جذيمة قد أصابوا في الجاهلية عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف والفاكه بن المغيرة ( عم خالد ) وكانا أقبلا تاجرين من اليمن حتى إذا نزلا بهم قتلوهما وأخذوا أموالهما . فلما أرسل خالد بن الوليد إلى بني جذيمة وقتل منهم من قتل مع أنه لم يؤمر بقتالهم تبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما صنع خالد لأنم أعلنوا اسلامهم . وكان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف كلام في ذلك إذ قال له عبد الرحمن : عملت بأمر الجاهلية في الإسلام . فقال خالد إنما ثأرت بأبيك . فقال عبد الرحمن بن عوف كذبت . قد قتلت قاتل أبي ولكنك تأثرت بعمك الفاكه بن المغيرة حتى كان بينهما شيء . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال مهلا يا خالد . دع عنك أصحابي فوالله لو كان أحد ذاهبا ثم انفقته في سبيل ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته ( 2 )
_________
( 1 ) والمدافة الإجهاز عليه بالسيف
( 2 ) راجع الطبري


غزوة حنين


- حنين واد في طريق الطائف إلى جنب ذي المجاز بينه وبين مكة ثلاث ليال وتسمى غزوة أوطاس ايم لموضع كانت به الموقعة وهو واد في ديار هوازن
وتسمى الغزوة أيضا غزوة هوازن . وهوازن اسم قبيلة من العرب فيها عدة بطون . وكانت هذه الغزوة في 10 شوال سنة ثمان من الهجرة ( فبراير سنة 630 م )
وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خافت اشراف هوازن وثقيف أن يسير إليهم ويغزوهم فعزموا على قتاله قبل أن يقاتلهم ويقال أنهم كانوا يستعدون للقتال قبل فتح مكة وذلك حين سمعوا بخروج رسول الله من المدينة وهم يظنون أنه إنما يريدهم فأسندوا الرياسة والقيادة إلى مالك بن عوف أحد بني نصر وهو يومئذ ابن 30 سنة فاجتمع إليه من القبائل جموع كثيرة منهم بنو سعد بن بكر وهم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسترضعا فيهم ومعه دريد بن الصمة رئيس بني جشم وسيدهم وكان شجاعا مجربا لكنه كان شيخا بلغ مائة وعشرين سنة وقيل أكثر من ذلك وقد عمي وصار لا ينتفع إلا برأيه ومعرفته بالحروب . وكان قائد ثقيف كنانة بن عبد ياليل وقد أسلم بعد ذلك
قوة العدو واستعداده


- كان قائد هذا الجيش كما قلنا مالك بن عوف فأمرهم أن يسوقوا معهم إلى الحرب كل شيء : المواشي والأموال والنساء والأبناء كي يثبتوا ولا ينهزموا إلا أنهم اشترطوا عليه أن يأخذ براي دريد بن الصمة لأنه شجاع وخبير بالحروب فلما نزلوا بأوطاس قال دريد : مالي أسمع رغذء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغار ويعار الشاء وخوار البقر فقيل له إن مالك بن عوف ساقهم إلى القتال فاستدعاه فلما جاء سأله فقال أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله يقاتل عنهم فلم ير رأيه واشار عليه برد الذرية والأموال فلم يقبل ورماه بضعف الرأي لكبر سنه . ثم أمر مالك بالخيل فجعلت صفوفا ثم جعل النساء فوق الإبل وراء المقاتلة صفوفا ثم جعل الإبل والبقر والغنم وراء ذلك كيلا يفروا ويقاتلوا عن مالهم ونسائهم وذراريهم . ثم قال للناس إذا رأيتموني شددت عليهم شدوا عليهم شدة رجل واحد
وكان جملة من اجتمع من بني سعد وثقيف 4000 وانضم إليهم من سائر العرب جموع كثيرة وكان مجموعهم كلهم نحو 30 . 000 مقاتل وقيل 20 . 000 وكانت هوازن رماة
قوة الجيش المسلمين واستعدادهم


- كان مع النبي صلى الله عليه وسلم 12 . 000 0 منهم 10 . 000 الذين جاءوا معه من المدينة لفتح مكة و 2000 من الذين أسلموا في فتح مكة ) فقال أبو بكر " لا نغلب اليوم من قلة " وقيل بل قالها غيره
وذكروا لرسول الله عند عزمه على الخروج أن عند صفوان بن أمية دروعا وسلاحا فأرسل إليه فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح وفي رواية 400 درع وسأله رسول الله أن يكفيهم حملها إلى موضع القتال ففعل . واستعار أيضا من عند نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن عمه صلى الله عليه وسلم 3000 رمح وقا لكأني أنظر إلى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين
خرج رسول الله من مكة يوم السبت لست خلون من شوال سنة ثمان من الهجرة ( 28 يناير سنة 630 م ) وأهل مكة معه ركبانا ومشاة حتى النساء من لم يكمل إسلامه . واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن اسيد بن أبي العيص على مكة أميرا وكان شابا وترك معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي يعلم الناس الأحكام والشرائع لأنه كان عالما بالقرآن ومتبحرا في الدين
ترتيب صفوف المسلمين وتوزيع الرايات


- ولما اقترب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكان العدو رتب أصحابه وصفهم ووضع الألوية والرايات مع المهاجرين والأنصار بالكيفية الآتية :
- 1 - علي بن أبي طالب لواء المهاجرين
- 2 - راية لسعد بن أبي وقاص
- 3 - راية لعمر بن الخطاب
- 4 - الحباب بن المنذر لواء الخزرج
- 5 - أسيد بن حضير لواء الأوس
ورتب قبائل العرب ووزع عليهم الألوية والرايات ولبس رسول الله درعين والبيضة والمغفر وركب بغلته دلدل . وقدم سليما من يوم خرج من مكة واستعمل عليهم خالد بن الوليد فلم يزل في مقدمته حتى ورد الجعرانة
جواسيس العدو


- أرسل مالك بن عوف رئيس هوازن ثلاثة نفر من الجواسيس ينظرون إلى جيش المسلمين فرجعوا خائفين ونصحوا بالعودة فرماهم بالجبن وحبسهم عنده خوفا أن يشيع ذلك في جيشه
جاسوس المسلمين


- وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه وهو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي وأمره أن يدخل في جيش العدو ويسمع منهم ما أجمعوا عليه فمكث يوما أو يومين ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه انتهى إلى خباء مالك بن عوف وعنده رؤساء هوازن فسمعه يقول لأصحابه إن محمدا لم يقاتل قوما قد قبل هذه المرة وإنما كان يلقى قوما أغمارا لا علم بالحرب فيظهر عليهم فإذا كان السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم . ثم صفوا . ثم تكون الحملة منكم واكسروا أغماد سيوفكم فتلقونه بعشرين الف سيف واحملوا حملة واحد واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولا
القتال


- لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين وانحدر في الوادي وذلك عند غبش الصبح خرج عليهم القوم وكانوا قد كمنوا بهم في شعاب الوادي ومضايقه باشارة دريد بن الصمة فحمل عليهم المسلمون فانكشفوا ثم انشغلوا بالغنائم وذلك يذكرنا بما حدث في غزوة أحد فإنهم لما رأوا العدو هاربا انشغلوا عن الحرب بجمع الغنائم وفارق الرماة المكان الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء فيه فانكشف المسلمون وكر عليهم خالد بن الوليد الخ
وفي هذه الغزوة لما انشغل المسلمون بالغنائم استقبلهم العدو بالسهام فعادوا منهزمين لا يلوى أحد على أحد وانكشفت خيل بني سليم مولية وكانت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتبعهم أهل مكة والناس فانهزموا
ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم


- وقد ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في غزوة أحد وكان ثباته سببا في كسب الموقعة فإنه انحاز ذات اليمين ومعه نفر قليل منهم أبو بكر . وعمر . وعثمان . وعلي . والعباس وابنه الفضل . وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه صلى الله عليه وسلم . وأسامة بن زيد . وربيعة والحارث بن عبد المطلب . وعتبة . ومعتب ( ابنا أبي لهب ) . وأيمن بن أم أيمن . واختلف في عدد من ثبت من رسول الله . وكان رسول الله يركض وهو على بغلته نحو هوازن وهو يقول :
أ ا النبي لا كذب . أنا ابن عبد المطلب
وأخذ كفا من تراب فرماه في وجوه العدو قائلا شاهت الوجوه . وهذا الرمي وقع مثله في غزوة بدر
الإنتصار بعد الهزيمة


- لما ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق معه إلا بعض أصحابه قال لعمه العباس اصرخ يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة ( 1 ) . وكان العباس رفيع الصوت . وفي رواية قال له ناد يا أصحاب البيعة يوم الحديبية . يا أصحاب صورة البقرة فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت على أولادها فأمرهم أن يصدقوا الحملة على العدو فاقتتلوا قتالا شديدا فنظر إلى قتالهم فقال " الآن حمي الوطيس ( 2 ) " فولى المشركون الأدبار والمسلمون يقتلون ويأسرون فيهم ويتبعون آثارهم وقد قتل بعض المسلمين ذرية دريد بن الصمة فقتله ربيعة بن رفيع السلمي وجرح خالد بن الوليد جراحات اثقلت به
_________
( 1 ) الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان
( 2 ) التنور
_________
غنائم المسلمين


- كانت غنائم المسلمين كما يأتي :
اسر من العدو خلق كثير ومن النساء 6000 وغنم المسلمون من الإبل 24 . 000 بعير . ومن الغنم أكثر من 40 . 000 شاة . ومن الفضة 4000 أوقية
تقسيم الغنائم


- بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأموال فقسمها وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان بن حرب 40 أوقية من الفضة و 100 من الإبل وكذا ابناه ومعاوية وأعطى حكيم بن حزام 100 من الإبل ثم سألأه مائة أخرى فأعطاه إياها . وأعطى النضر بن الحارث بن كلدة 100 من الإبل وكذا أسيد بن جارية الثقفي والحارث ابن هشام . وصفوان بن أمية . وقيس بن عدي . وسهيل بن عمرو . وحويطب بن عبد العزى . والأقرع بن حابس التميمي . وعيينة بن حصن . ومالك بن عوف
وأعطى العباس بن مرداس 40 من الإبل فقال في ذلك شعرا فأعطاه 100 من الإبل وأعطى مخرمة بن نوفل 50 بعيرا وكذا العلاء بن حارثة وسعيد بن يربوع وعثمان ابن وهب وهشام بن عمرو العامري
فيبلغ ما أعطى ممن ذكروا 14850 من الإبل وأعطى ذلك كله من الخمس ( قال ابن سعد وهو أثبت الأقاويل عندنا ) ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم ثم فضها على الناس فكانت سهام كل رجل اربعا من الإبل وأربعين شاة فإن كان فارسا أخذ اثني عشر من الإبل و 120 شاة . وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم له
رد السبي


- قدم وفد هوازن على النبي صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشر رجلا وراسهم زهير بن صرد وفيهم أبو برقان عم رسول الله من الرضاعة وقد جاءوا مسلمين فسألوه أن يمن عليهم بالسبي فرضي رسول الله ورضي المسلمون بما رضي به رسول الله وردوا عليهم نساءهم وأبناءهم ولم يختلف منهم أحد غير عيينة بن حصين وكان من الأعراب الجفاة فإنه أبي أن يرد عجوزا صارت في يده منهم ثم ردها بعد ذلك . ووفد عليه صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف رئيس هوازن فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل كما تقدم وأسلم وحسن إسلامه واستعمله رسول الله على من أسلم من قومه
الغنائم والأنصار


- لما رأت الأنصار ما أعطى رسول الله في قريش والعرب تكلموا في ذلك فقال رسول الله : يا معشر الأنصار أما ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم . قالوا رضينا يا رسول الله بك حظا وقسما . فقال رسول الله : " اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار "
رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة


- انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة فأقام بها ثلاث عشرة ليلة . فلما أراد الأنصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة ليلا فأحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق رأسه ورجع إلى الجعرانة من ليلته كبائت ثم غدا يوم الخميس حتى خرج على سرف ( 1 ) ثم أخذ الطريق على مر الظهران ثم إلى المدينة
ولقد أنزل الله في هذه الموقعة في سورة التوبة :
{ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجببكم كثرتكم فلم تعن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين }
_________
( 1 ) بفتح أوله وكسر ثانيه موضع على ستة أميال من مكة


سرية أبي عامر الأشعري أو سرية غزوة أوطاس


- أبو عامر الأشعري هو عم أبي موسى الأشعري وكان أبو عامر من كبار الصحابة . لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين بعثه على جيش إلى أوطاس خلف الفارين من هوازن وكان المنهزمون انقسموا ثلاث فرق : فرقة منهم لحقت بالطائف . وفرقة بنخلة وفرقة باوطاس . فانتهى إليهم أبو عامر فإذا هم مجتمعون فناوشوه القتال وقتل منهم أبو عامر تسعة مبارزة بعد أن يدعو كل واحد منهم إلى الإسلام وأفلت منه العاشر ثم استشهد أبو عامر قتله أخان هما العلاء وأوفى ابنا الحارث بن جشم . ثم خلف أبا عامر أبو موسى رضي الله عنه باستخلاف عمر له فأقره الناس فقاتل القوم حتى هزمهم وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا


سرية الطفيل بن عمرو الدوسي إلى ذي الكفين


- لما أراد رسول الله السير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو ( 1 ) الدوسي إلى ذي الكفين وذلك في شوال سنة ثمان من الهجرة . ليهدمه وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحش النار في جوفه ويحرقه ويقول :
يا ذا الكفين لست من عبادكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حشئت النار في فؤادكا
وانحدر معه من قومه 400 سراعا فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام وقدم بدبابة ومنجنيق
هذا وقد ذكرت الدبابات والمنجنيق لأول مرة في غزوة خيبر
_________
( 1 ) كان الطفيل شريفا شاعرا لبيبا وقد تقدم ذكر إسلامه فليراجع
( 2 ) وذو الكفين صنم من خشب لعمرو بن حممة الدوسي


غزوة الطائف


- كانت غزوة الطائف في شوال سنة ثمان من الهجرة ( فبراير سنة 630 م ) وقد تقدم ذكر الطائف عندما سافر إليها رسول الله بعد وفاة أبي طالب وخديجة يلتمس من ثقيف النصرة فخذلوه وعاد إلى مكة وكان ذلك سنة عشر من البعثة أما في هذه المرة فإنه خرج من حنين يريد الطائف ليغزوها وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة فلما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم تهيأوا للقتال وكان معهم مالك بن عوف وسار رسول الله فنزل قريبا من حصن الطائف وعسكر هناك فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحه وقتل منهم اثنا عشر رجلا . فيهم عبد الله بن أي أمية بن المغيرة وسعيد بن العاص ورمى عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ فاندمل الجرح ثم انتقض به بعد ذلك فمات منه وأصيبت عين أبي سفيان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وعينه في يده فقال يا رسول الله هذه عيني أصيبت في سبيل الله فقال له إن شئت دعوت فردت عليك وإن شئت فعين في الجنة قال في الجنة ورمىبها من يده
فارتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع مسجد الطائف الذي أنشئ بعد ذلك وكان معه صلى الله عليه وسلم من نسائه أم سلمة وزينب فضرب لهما قبتين وكان يصلي بين القبتين ودام حصار الطائف ثمانية عشر يوما . ونصب عليهم المنجنيق ونثر الحسك سقبين من عيدان حول الحصن ونادى منادي رسول الله أيما عبد نزل من الحصن وخرج لنا فهو حر فخرج منهم بضعة عشر رجلا فأعتقهم رسول الله
وأمر رسول الله بقطع أعنابهم وتخريقها فقطع المسلمون قطعا ذريعا ثم سألوه أن يدعها فتركها . ولم يؤذن لرسول الله في فتح الطائف فأمر عمر بن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك ثم أذعنوا
واستعمل المسلمون في هذه الغزوة الدبابة وهي آلة من آلات الحرب تجعل من الجلود يدخل فيها الرجال فيدبون بها إلى الأسوار لينقبوها
ويجدر بنا أن نذكر حادثة لطيفة . وذلك أنه كانت في سبى حنين أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وهي الشيماء قيل وأمها حليمة رضي الله عنها ولما قالت له الشيماء أنا أختك يا رسول الله قال وما علامة ذلك ؟ فأخبرته بعضة عضها إياها حين كان مسترضعا عندهم وأرته إياها فعرفها وتذكر ذلك . فقام صلى الله عليه وسلم وبسط لها رداءه وصنع مثل ذلك بأمه حليمة رضي الله عنها حين جاءته ودمعت عيناه . وقال للشيماء لما أن عرفها سلي تعطي واشفعي تشفعي وقيل أن قومها قالوا لها إن هذا الرجل أخوك فلو أتيته فسألته في قومك لرجونا أن يحابينا فاستوهبته السبى وهم ستة آلاف فوهبهم لها فما عرفت مكرمة مثلها لا امرأة أيمن على قومها منها وخيرها صلى الله عليه وسلم فقال إن أحببت فعندي محببة مكرمة وإن أحببت أن أمتعك ترجعي إلى قومك قالت بل تمتعني وأرجع إلى قومي فأعطاها نعما وشاء وغلاما يقال له مكحول وجارية


بعث قيس بن سعد إلى صداء


- بعث رسول الله قيس بن عبادة الخزرجي إلى ناحية اليمن بعد انصرافه من الجعرانة في 400 فارس وأمره أن يقاتل قبيلة صداء حى من اليمن وفي معجم البلدان صداء مخلاف باليمن بينه وبين صنعاء اثنان وأربعون فرسخا سمى باسم القبيلة فقدم زياد بن الحارث الصدائي فسأل عن ذلك البعث فأخبر به فقال يا رسول الله أنا وافدهم إليك فاردد الجيش وأنا أتكفل باسلام قومي وطاعتهم . فقال اذهب إليهم فردهم . فقال إن راحلتي قد كلت فبعث صلى الله عليه وسلم إليه فردهم ورجع الصدائي إلى قومه فقدموا بعد خمسة عشر يوما فأسلموا وقيل كتب إليهم فجاء وفدهم باسلامهم فقال رسول الله إنك مطاع في قومك يا أخا صداء فقال بل الله هداهم قال ألا تؤمرني عليهم ؟ قال بلى ولاخير في الإمارة لرجل مؤمن فتركها وأمره رسول الله أن يؤذن في صلاة الفجر فأذن فأراد بلال أن يقيم فقال رسول الله إن أخا صداء أذن ومن أذن فهوي يقيم


سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى تميم


- بعث رسول الله في المحرم تسع من الهجرة ( ابريل سنة 630 م ) عيينة من حصن الفزاري إلى بني تميم في خمسين فارسا من العرب ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري فكان يسير الليل ويكمن النهار فهجم عليهم في صحراء فدخلوا وسرحوا مواشيهم فلما رأوا الجمع ولوا وأخذ منهم أحد عشر رجلا ووجدوا في المحلة إحدى عشر امرأة وثلاثين صبيا فجلبهم إلى المدينة فأمر بهم رسول الله فحبسوا في دار رملة بنت الحارث فقدم فيهم عدة من رؤسائهم ( 1 ) فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذرارى فعجلوا فجاءوا إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم وكلموه في شأن السبي فرد عليهم رسول الله اسراهم واختلف في عدد الوفد فقيل كانوا سبعين وقيل كانوا ثمانين وقد اسلموا وبقوا في المدينة مدة يتعلمون القرآن والدين
وسبب هذه السرية أن رسول الله بعث بشر بن سفيان العدوي الكلبي إلى بني كعب من خزاعة لأخذ صدقاتهم وكانوا مع بني تميم على ماء فأخذ بشر صدقات بني كعب . فقال لهم بنو تميم وقد استكثروا ذلك لم تعطوهم أموالكم ؟ فاجتمعوا وانتهزوا السلاح ومنعوا بشرا من أخذ الصدقة فقال لهم بنو كعب نحن أسلمنا ولا بد في ديننا من دفع الزكاة فقال بنو تميم والله لا ندع بعيرا واحدا يخرج . فلما رأى بشر ذلك قدم المدينة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فبعث رسول الله عيينة بن حصن الفرازي إلى تميم كما تقدم
_________
( 1 ) منهم : عطارد بن حاجب والزبرقان بن بدر والأقرع بن حابس وقيس بن الحارث ونعيم بن سعد وعمرو بن الأهتم ورباح بن الحارث


سرية الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق


- بعث رسول الله الوليد بن عقبة بن أبي معيط لأخذ الصدقات من بني المصطلق ( 1 ) وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد وكان بينهم وبين الوليد عداوة في الجاهلية . إلاأنهم لما سمعوا بمجيء الوليد لأخذ الصدقات خرج منهم عشرون رجلا بالإبل والغنم يؤدونها عن زكاتهم فرحا به وتعظيما للى ولرسوله فظن أنهم يريدون قتله لرؤية السلاح معهم مع أنهم إنما خرجوا بالسلاح تجملا فرجع من الطريق قبل أن يصلوا إليه فذهب إلى المدينة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لقوة بالسلاح يحولون بينه وبين الصدقة فهم رسول الله أن يبعث إليهم يغزوهم وبلغ القوم فقدم عليه الركب الذين لقوا الوليد فأخبروا النبي الخبر على حقيقته فنزلت هذه الآية :
{ يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصبوا قوما بجهالة ( 2 ) }
فقرأ عليهم القرآن وبعث معهم عباد بن بشر يأخذ صدقات أموالهم ويعلمهم شرائع الإسلام ويقرئهم القرآن
والوليد بن عقبة كان أخا لعثمان رضي الله عنه من أمه
_________
( 1 ) بطن من خزاعة
( 2 ) سورة الحجرات


سرية قطبة بن عامر إلى خثعم


- في صفر سنة تسع من الهجرة أرسل رسول الله قطبة بن عامر بن حديدة في عشرين رجلا إلى حي من خثعم بناحية تبالة وأمره أن يشن الغارة عليهم فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها فئأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم فجعل يصيح بالحاضر ويحذرهم فضربوا عنقه ثم أمهلوا حتى نام الحاضر فشنوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت الجرحى في الفريقين جميعا وقتل قطبة بن عامر وساقوا النعم والشاء والنساء إلى المدينة وجاء سيل أتي فحال بنهم وبينه فما يجدون إليه سبيلا وكانت سهمانهم أربعة أبعرة . أربعة أبعرة والبعير يعدل بعشرة من الغنم بعد أن أخرج الخمس


سرية الضحاك بن سفيان إلى بني كلاب


- في شهر ربيع الأول سنة تسع من الهجرة ارسل رسول الله جيشا إلى القرطاء عليهم الضحاك بن ابي بكر الكلابي وكان من الشجعان الأبطال ومعه الأصيد بن سلمة بن قرط فلقوهم بالزج زج لاوة ( 1 ) فدعوهم إلى الإسلام فأبوا فقاتلوهم فهزموهم وغنم أموالهم فلحق الأصيد أباه سلمة وسلمة على فرس له في غدير بالزج فدعا أباه إلى الإسلام وأعطاه الأمان فسبه وسب دينة فضرب الأصيد عرقوبي فرس أبيه فلما وقع الفرس على عرقوبيه ارتكز سلمة على رمحه في الماء ثم استمسك به حتى جاءه أحدهم فقتله ولم يقتله ابنه
_________
( 1 ) موضع بنجد


سرية علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة


- كانت سرية علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة في شهر ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة ( يوليه سنة 630 م ) وسببها أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة تراياهم أهل جدة فبعث إليهم علقمة بن مجزز في ثلثمائة فانتهى إلى جزيرة في البحر وقد خاض إليهم البحر فهربوا منه . فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهلهم قبل بقية الجيش فأذن لهم فتعجلعبد الله بن حذافة السهمي فيهم فأمره على من تعجل وكانت فيه دعابة ( مزاح ) فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارا يصطلون عليها ويصطنعون . فقال لهم أليست طاعتي واجبة ؟ قالوا بلى . قال فاقتحموا هذه النار . فقام بعض القوم فاحتجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها . فقال اجلسوا إنما كنت أضحك فبلغ ذلك رسول الله فقال من أمركم بمعصية فلا تطيعوه . وعلقمة هذا هو الذي بعثه عمر بن الخطاب إلى الحبشة فهلك هو وجيشه . أما عبد الله بن حذافة فهو من قدماء المهاجرين ممن شهد بدرا ومات بمصر في خلافة عثمان رضي الله عنه


سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس


- بعث رسول الله علي بن أبي طالب إلى الفلس صنم طيء ليهدمه وذلك في شهر ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة في مئة وخمسين رجلا من الأنصار على مئة بعير وخمسين فرسا ومعه راية سوداء ولواء أبيض فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر فهدموا الفلس وخربوه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء والفضة وفي السبي سفانة بنت حاتم الطائي وأخت عدي بن حاتم وهرب عدي إلى الشام . ووجد في خزانة الفلس ثلاثة أسياف . رسوب والمخذم وسيف يقال له اليماني وثلاثة أدراع واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبي أبا قتادة واستعمل على الماشية والرثة عبد الله بن عتيك فلما نزلوا ركك ( 1 ) اقتسموا الغنائم وعزل للنبي صلى الله عليه وسلم صفيا رسوبا والمخذم ثم صار له بعد السيف الآخر وعزل الخمس وعزل آل حاتم فلم يقسمهم حتى قدم بهم المدينة . وقد من رسول الله على سفانة فأسلمت وحسن إسلامها وكان المن عليها سببا لإسلامه أخيها عدي بن حاتم فإنها خرجت حتى قدمت الشام على أخيها . فقال ما ترين في هذا الرجل ؟ قالت أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يك نبيا فللسابق إليه فضيلة وإن يكن ملكا فلن تزال عن عز اليمن وأنت أنت . فقال والله هذا هو الرأي فقدم على رسول الله وأسلم
_________
( 1 ) الركك محلة من محال سلمى أحد جبلي طيء . وعبد الله بن عتيك هو أحد قتلة أبي رافع ابن أبي الحقيق اليهودي


غزوة تبوك أو العسرة


- تبوك موضع بين وادي القرى والشام بينه وبين المدينة من جهة الشام أربع عشرة مرحلة وبينه وبين دمشق إحدى عشر مرحلة وهي غزوة العسرة . مأخوذة من قوله تعالى { الذين اتبعوه في ساعة العسرة } وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة ( سبتمبر اكتوبر سنة 630 م ) وهي آخر غزواته صلى الله عليه وسلم . وكان الوقت حين خروجه حرا شديدا وقحطاص شديدا ولذلك لم يور عنها كعادته في سائر الغزوات بل بينها للناس وأخبرهم أنه يريد الروم وكانوا من شدة الحر ينحرون البعير فيشربون ما في كرشه من الماء فسميت غزوة العسرة أي الشدة والضيق
وسببها أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء ( 1 ) وقيل أن الإمبراطور هرقل كان في حمص
_________
( 1 ) البلقاء كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى


إخلاص الصحابة


- ندب رسول الله الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك وبعث إلى مكة وغلى قبائل العرب يستنفرهم وأمر الناس بالصدقة وحثهم على النفقة والحملان فجاءوا بصدقات كثيرة فكان أول من جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه فجاء بماله كله 40 . 000 درهم فقال له صلى الله عليه وسلم هل أبقيت لأهلك شيئا ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله . وجاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله بنصف ماله فسأله هل أبقيت لهم شيئا ؟ قال نعم نصف مالي . وجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بمائتي أوقية . وتصدق بن عدي بسبعين وسسقا من تمر . وجهز عثمان رضي الله عنه ثلث الجيش . قال ابن اسحاق أنفق عثمان رضي الله عنه في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفث أحد مثلها وقيل جاء عثمان رضي الله عنه بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجر رسول الله فقلبها في حجره وهو يقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم


البكاءون


- جاء البكاءون وهم سبعة يطلبون من رسول الله ما يركبون عليه فقال ما أجد ما أحملكم عليه وقيل كانوا أكثر من سبعة . فلما قال لهم ذلك انصرفوا باكين وهم الذين قال الله فيهم { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون }


المتخلفون


- وجاء ناس من المنافقون يستأذنون رسول الله في التخلف من غير علة فأذن لهم وهم بضعة وثمانون رجلا وقال قائل من المنافقين لبعض لا تنفروا في الحر زهادة في الجهاد وشكا في الحق وارجافا بالرسول وكان من المتخلفين عبد الله بن أبي ابن سلول


المعذرون


- وجاء المعذرون من الأعراب وهم الضعفاء المقلون ليؤذن لهم فاعتذروا إليه فلم يعذرهم وهم اثنان وثمانون رجلا وقيل أنهم من بني غفار
واستخلف رسول الله على عسكره أبا بكر الصديق يصلي بالناس واستخلف على المدينة محمد بن سلمة ( قال ابن سعد وهو اثبت عندنا ممن قال استخلف غيره ) واستخلف علي بن أبي طالب على أهله صلى الله عليه وسلم مدة غيبته بتبوك فأرجف المنافقون بعلي بن أبي طالب وقالوا ما خلفه إلا استثقالا له وتخففامنه . فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله وهو بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني إنك استثقلتني وتخففت مني فقال كذبوا إنما خلفتك لما ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعدي فرجع علي إلى المدينة
ولما ارتحل رسول الله عن ثنية الوداع متوجها إلى تبوك عقد الألوية والرايات فدفع لواءه الأعظم لأبي بكر ورايته العظمى للزبير ودفع راية الأوس لسيد بن حضير وراية الخزر للحباب بن منذر ودفع لكل بطن من الأنصار وقبائل العرب لواء أو راية


عدد جيش المسلمين


- سار رسول الله بالناس وهم 30 . 000 والخيل 10 . 000 وقد كان هذا الجيش بعد تخلف المنافقين وغيرهم أعظم جيش تألف من العرب
قدم رسول الله تبوك ومعه هذا العدد من الجيش فأقام بها عشرين ليلة يصلي بها ركعتين


بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر


- أرسل رسول الله خالد بن الوليد في 420 فارسا في رجب سنة تسع سرية إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة وكان أكيدر من كندة قد ملكهم وكان نصرانيا وكان ملكا من قبل هرقل فانتهى إليه خالد بن الوليد فاستأسر أكيدر وامتنع أخوه حسان وقاتل حتى قتل وهرب من كان معهما فدخل الحصن وأجار خالد أكيدر من القتل حتى يأتي به رسول الله على أن يفتح له دومة الجندل ففعل وصاله على 2000 بعير و 800 فرس و 400 درع و 400 رمح فعزل للنبي صلى الله عليه وسلم صفيا خالصا ثم قسم ما بقي بين أصحابه فصار لكل رجل منهم خمس فرائض ثم خرج خالد بن الوليد بأكيدر وبأخيه مصاد وكان في الحصن وبما صالحه عليه قافلا إلى المدينة فقدم بأكيدر على رسول الله فأهدى له هدية صالحة على الجزية وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما وكتب له رسول الله كتابا فيه أمانهم وما صالحهم عليه وختمه يومئذ بظفره وكان رسول الله استعمل على حرسه بتبوك باد بن بشر فكان يطوف في أصحابه على العسكر
ثم انصرف رسول الله من تبوك غل المدينة بعد أن أقام بها نحو عشرين ليلة ولم يلق كيدا ولما دنا من المدينة تلقاه عامة الذين تخلفوا فقال رسول الله لأصحابه لا تكلموا رجلا منهم فأعرض عنهم رسول الله والمسلمون حتى أن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه وجعل المنافقون يحلفون ويتعذرون فقبل ظاهرهم وعلانيتهم واستغفر لهم وقد كانوا يخبرون عنه أخبار السوء وكان قدوم رسول من تبوك في رمضان

0 commentaires:

إرسال تعليق