- 82 - الغزوات والسرايا والاحداث قبل معركة أحد


غزوة بني سليم


- لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من بدل لم يقم إلا سبع ليالي حتى غزا بنفسه يريد بني سليم واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وهو من مشاهير الصحابة وعلى الصلاة ابن أم مكتوم ( 1 ) . وكان لواؤه أبيض حمله علي بن أبي طالب رضي الله عنه . فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء من مياههم يقال
له ( الكدر ( 2 ) ) فأقام صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا وارتفع القوم وهربوا وبقيت نعمهم فظفر بها صلى الله عليه وسلم وانحدر بها إلى المدينة وقسمها بصرار على ثلاثة أميال من المدينة وكانت خمسمائة بعير . وكانت مدة غيبته خمس عشرة ليلة
_________
( 1 ) ابن أم مكتوم هو عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم . مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . أمه أم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم وهو ابن خال خديجة بنت خويلد فإن أم خديجة رضي الله عنها فاطمة بنت زائدة بن الأصم . هاجر إلى المدينة واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ثلاث عشرة مرة في غزواته على الصلاة فقط لأنه كان أعمى وقضاء الاعمى غير صحيح . وشهد ابن أم مكتوم فتح القادسية ومعه اللواء . قيل أنه قتل بالقادسية شهيدا وقيل أنه رجع إلى المدينة فمات بها
وهو الأعمى الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه في قوله { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } وأجمع المفسرون على أن الذي عبس وتولى هو الرسول عليه الصلاة والسلام وأجمعوا أن الأعمى هو ابن أم مكتوم . أتى رسول الله ابن أم مكتوم وعنده صنادين قريش يدعوهم إلى الأسلام رجاء ان يسلم باسلامهم غيرهم فقال للنبي صلى الله عليه وسلم اقرئني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك فكره رسول الله قطعه لكلامه وأعرض عنه فنزلت هذه الآية . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه يقول مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويقول هل لك من حاجة ولا شك أن في استخلافه للمدينة اكراما له
( 2 ) الكدر جمع أكدر قرقرة القدر . قال الواقدي . بناحية المعدن قريبة من الأرحضية بينها وبين المدينة ثمانية برد . وقال غيره ماء لبنى سليم


غزوة بني قينقاع


- قينقاع اسم لشعب من اليهود الذين كانوا بالمدينة أضيف إليهم سوق كان بها ويقال له بني قينقاع . وهم من موالي الخزرج وحلفاء عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي ابن سلول وكان عددهم قليلا وصناعتهم الصياغة وكانت بينهم وبين بني النضير وبني قريظة عداوة قديمة في الجاهلية سببها اشتراكهم مع الخزرج في يوم بعاث
كانت غزوة بني قينقاع في شوال من السنة الثانية من الهجرة ( فبراير سنة 624 م ) وقال ابن اسحاق . كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع ثم قال : " يا معشر اليهود احذروا من الله عز وجل مثل مانزل بقريش من النقمة واسلموا فإنكم قد عرفتم أنى نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وفي عهد الله اليكم "
قالوا يامحمد انك ترى انا كقومك لا يغرنك انك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة انا واللذه لئن حاربتنا لتعلمن انا نحن الناس
دعا رسول الله بني قينقاع إلى الإسلام وإلى الأعتراف بنبوته لأنهم يجدون ذلك في كتابهم لكنهم مع ذلك وعلى قلة عددهم واقامتهم مع المسلمين في المدينة نفسها اغلطوا له في الجواب ولم يقفوا عند حدود الأدب وادعوا الشجاعة
قال الدكتور ولفنسون في كتابه تاريخ اليهود في صدد ما ردوا به على رسول الله " أنهم أجابوه بكل جرأة وتبحج ص 129 " وقال " يظهر من هذا الرد أن بني قينقاع كانوا يعتمدون على معاضدة حلفائهم من الخزرج في نزاعهم مع الرسول قبل كل شيء اذ لا يتصور أن بطنا صغيرا كبطن بني قينقاع يجرؤ على اعلان الحرب ضد أغلب بطون يثرب ولكن بني الخزرج خذلوهم ولم يتحركوا لنجدتهم زغم أنهم من مواليهم ص 129 - 130 "
وقد كان بنو قينقاع أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربوا فيما بين بدر وأحد
قال ابن هشام : وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ بها فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشف سوءتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله . وكان يهوديا فشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع
ولم يرو هذه الحادثة ابن اسحاق وكذا لم يذكرها الطبري في تاريخه ولا ابن سعد في طبقاته . وليس في هذه القصة ذكر لأسم المرأة ولا اسم الصائغ الذي قتل ولا اسم المسلم القاتل له ولذلك نشك في هذه القصة لا لأن ابن اسحاق لم يروها بل لأن روايتها بهذه الصفة تحملنا على الشك إذ ليس فيها ما يساعدنا على البحث والتحقيق
وقد حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد حتى نزلوا على حكمه فكتفوا وهو يريد قتلهم فقام إليه عبد الله ابن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم ( وكانوا حلفاءه وحلفاء عبادة بن الصامت ) . فقال يامحمد أحسن في موالي فأبطأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم . فقال يا محمد أحسن في موالي . فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل يده في جيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني وغضب صلى الله عليه وسلم حتى رأوا في وجهه ظلالا ( 1 ) ثم قال ويحك أرسلني . قال لا والله لا أرسلك حتى تحس إلى موالي أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع منعوني من الأسود والأحمر تحصدهم في غداة واحدة واني واللذه لا آمن وأخشى الدوائر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم لك . وعن عمر بن قتادة أنه قال خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم فأسلوهم ثم أمر باجلائهم وغنم الله عز وجل رسوله والمسلمين ماكان لهم من مال ولم تكن لهم أرضون إنما كانوا صاغة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سلاحا كثيرا وآلة صياغتهم وكان الذي ولى اخراجهم من المدينة بذارريهم عبادة بن الصامت فمضى بهم حتى بلغ ذباب ( 2 ) وهو يقول الشرف الابعد الأقصى فالأقصى . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر
وقد استغرق خروجهم ثلاثة أيام وذهبوا إلى أذرعات ( 3 ) وكان عددهم 400 حاسرو 300 دارع فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيلهم وأن يجلوا من المدينة وأن لهم النساء والذرية ويجعلوا بقية الأموال للنبي صلى الله عليه وسلم ومنها الحلقة لتي هي السلاح ولم يكن لهم نخيل ولا أرض تزرع فصالحهم على ذلك فنزلوا فخمست أموالهم . جعل منها أربعة أخماس للمؤمنين المجاهدين وخمسا له صلى الله عليه وسلم . وقد وجد في منازلهم سلاح كثير فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسى قوسا تدعى ( الكتوم ) لا يسمع لها صوت إذا رمى بها كسرت بأحد وقوسا تدعى ( الروحاء ) وقوسا تدعى ( البيضاء ) وأخذ درعين درعا يقال لها ( الصغدية ) يقال أنها درع داود التي لبسها حين قتل جالوت والأخرى يقال لها ( فضة ) وثلاثة أرماح وثلاثة أسياف . ووهب صلى الله عليه وسلم درعا لمحمد بن مسلمة ودرعا لسعد بن معاذ . وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قينقاع لواء أبيض مع حمزة بن عبد المطلب
_________
( 1 ) يعني تلونا
( 2 ) جبل بالمدينة
( 3 ) بلدة بالشام


غزوة السويق


- غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة ( ابريل سنة 624 م ) وولى تلك الحجة المشركون من تلك السنة . وكان أبو سفيان حين رجع إلى مكة نذر أن لا يمس رأسه من جنابة حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه ( 1 ) فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له نيب من المدينة على بريد أو نحوه . ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير ليلا فأتى حيي بن أخطب فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له وخافه فأنصرفه عنه إلى سلام بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه وصاحب كنزهم فأستذن عليه فأذن له فقراه وسقاه خمرا وبطن له من خبر الناس . ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجالا من قريش إلى المدينة فأتوى ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في أصوار من نخل بها ووجدوا بها معبد بن عمرو الأنصاري وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين ونذر بهم الناس
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم في 200 من المهاجرين والأنصار واستعمل على المدينة بشير بن عبد المنذر ( وهو أبو لبابة ) حتى بلغ قرقرة الكدر . ثم انصرف راجعا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه وقد رأوا أزوادا من أزواد القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها النجاة . فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أتطمع لنا أن تكون غزوة ؟ قال نعم
وإنما سميت " غزوة السويق " لأن ما أكثر ما طرح القوم من أزوادهم " السويق " فرجع المسلمون بسويق كثير فسميت ( غزوة السويق )
والظاهر أن أبا سفيان أراد بهذه الغزوة أن يبر يمينه فقط لأنه لا يتصور أنه كان يريد بهذه القوة الصغيرة ( 200 راكب ) الإنتصار على المسلمين في هذه الغزوة بعد أن شاهد قوتهم في غزوة بدر
لذلك كانت هذه مناوشة لا قيمة لها
_________
( 1 ) الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية بقية دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما بقي فيهم الحج والنكاح


غزوة ذي امر وهي غزوة غطفان


- لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها ثم غزا نجدا يريد غطفان وهي غزوة ذي امر لأن جمعا من بني ثعلبة ومحارب تجمعوا يريدون الإغارة جمعهم دعثور بن الحارث المحاربي . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في 450 رجلا واستعمل على المدين عثمان بن عفان فلما سمعوا بمجئه هربوا في رؤوس الجبال فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا وأقام بنجد صفرا كله أو قريبا من ذلك . وأصاب المسلمون رجلا منهم يقال له حبار فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلم وضمه إلى بلال ليعلمه الشريعة الإسلامية كما هو دأبه من العناية بتعليم المسلمين . وفي هذه الغزوة أسلم دعثور بمعجزة من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه هو الذي جمع قومه لمحاربته صلى الله عليه وسلم وكان سيدا شجاعا وبعد أن أسلم ذهب إلى قومه ودعاهم إلى الإسلام فأهتدى به خلق كثير


زواج أم كلثوم


- في هذه السنة " الثالثة " عقد لعثمان رضي الله عنه على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أختها رقية


زواج حفصة


- في شعبان من هذه السنة تزوج رسول الله بحفصة بنت عمر رضي الله عنهما بعد أن انقضت عدتها من زوجها خنيس بن حذافة


سرية زيد بن حارثة


- سرية زيد بن حارثة إلى القرد ماء من مياه نجد وسببها أن قريشا خافوا من طريقهم التي يسلكونها إلى الشام حين كان من وقعة بدر ما كان فسلكوا طريق العراق فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى وكلهم أسلموا عام الفتح ومعهم فضة كثيرة فبعث رسول الله زيد بن حارثة رضي الله عنه في 100 راكب فلقيهم على ذلك الماء فأصاب العير وما فيها وهرب الرجال فقدم بالعير على رسول الله فخمسها فبلغت قيمة الخمس عشرين ألف درهم . وكانت هذه السرية في جمادى الآخرة من السنة الثالثة من الهجرة ( سبتمبر سنة 624 م )


قتل كعب بن الأشرف


- كعب بن الأشرف اليهودي كان أبوه عربيا من بني نبهان . أصاب دما في الجاهلية فأتى المدينة فحالف بني النضير فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا . وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة شاعرا مجيدا ساد يهود الحجاز بكثرة ماله فكان أحبار يهود ويصلهم . وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشعاره ويحرض كفار قريش على قتاله . وكان من عداوته أنه لما أصيب أصحاب بدر قدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة وعبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عز وجل عليه وقتل من قتل وأسر من أسر من المشركين كبر عليه ذلك وقال : أحق هذا ؟ أترون أن محمدا قتل هؤلاء الذين سمى هذان الرجلان ( البشيران ) وهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء لبطن الأرض خير من ظهرها . فلما تيقن الخبر ورأى الأسرى خرج إلى قريش يبكي قتلاهم ويحرض بأشعاره على قتال النبي صلى الله عليه وسلم وكان ينتقل من قوم إلى قوم وأخباره تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيذكره لحسان فيهجوه ثم رجع إلى المدينة فتغزل في نساء المسلمين وذكرهن بسوء وأبى أن ينزع عن أذاه وكان يرمي إلى احداث ثورة في المدينة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : من لي باب الأشرف ؟ فقال محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل : أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله . قال فافعل إن قدرت على ذلك فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له : لم تركت الطعام والشراب ؟ فقال : يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري أأفين لك به أم لا ؟ قال إنما عليك الجهد
ثم أتى أبا نائلة وعباد بن بشر والحارث بن أوس وأبا عبس بن جبر وأخبرهم بما وعد به رسول الله من قتل ابن الأشرف فأجابوه وقالوا كنا نقتله ثم أتوا رسول الله وقالوا يا رسول الله لا بد لنا أن نقول . قال قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك . ومعنى ذلك أنهم استأذنوه أن يقولوا قولا غير مطابق للواقع يسر كعبا ليتوصلوا به إلى قتله وكان لا بد لهم من التماس الحيلة لأنه كان يقيم في حصن منيع خارج المدينة فأباح لهم الكذب لأنه من خدع الحرب فجاء محمد بن مسلمة كعب بن الاشرف فقال إن هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم قد سألنا صدقة ونحن ما نجد ما نأكله وأنه قد عنانا وأني قد أتيتك استسلفك . قال كعب وأيضا والله لتملنه . قال إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين . قال ألم يأن لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل ؟ ثم أجابهم بأنه يسلفهم وقال ارهنوني قال أي شيء تريد . قال أرهنوني نساءكم . قالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب ؟ قال فارهنوني ابناءكم قالوا وكيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن وسق أو وسقين ؟ هذا عار علينا ولكن نرهنك اللامة يعني السلاح مع علمك بحاجتنا إليه قال نعم وإنما قالوا ذلك لئلا ينكر عليهم مجيئهم إليه بالسالح فواعده أن يأتيه وجاءه أيضا أبو نائلة وقال له ويحك يا ابن الأشرف أني قد جئتك لحاجة أريد أن أذكرها لك فأكتم عني . فقال أفعل . قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء . عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد علينا . فقال كعب انا ابن الأشرف أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأم سيصير إلى ما أقول . فقال أني أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك وإن معي أصحابا على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن إليهم ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء . فقال إن في الحلقة لوفاء وكان أبو نائلة أخا لكعب من الرضاعة ومحمد بن مسلمة ابن أخيه من الرضاعى فجاءه محمد بن مسلمة وأبو نائلة ومعهما عباد بن بشر والحارث بن أوس بن معاذ وأبو عبس بن جبر وكلهم من الأوس ولما فارقوا النبي صلى الله عليه وسلم مشى معهم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله أعنهم ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى بيته وكان ذلك بالليل وكانت الليلة مقمرة . فاقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه وكان حديث عهد بعرس فناداه أبو نائلة ثم بقية أصحابه فعرفهم ووثب في ملحفته فأخذته امرأته بناحيتها وقالت إنك امرؤ محارب وإن أصحاب الحروب لا ينزلون في مثل هذه الساعة قال لها إنه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني فقالت والله أني لأعرف في صوته الشر فقال لها كعب لو يدعي الفتى لطعنة لأجاب فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه ثم قالوا له هل لك با ابن الأشرف أن تمشي إلى شعب العجوز ( 1 ) تنحدث به بقية ليلتنا فقال إن شئتم . فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة ثم أن أبا نائلة أدخل يده في بطنه ثم شم يده وقال ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعى ثم عاد لمثلها وأمسكه من شعره وقال اضربوا عدو الله فضربوه بأسيافهم فوقع على الأرض فجزوا رأسه فحملوه في مخلاة كانت معهم إلى رسول الله وكان ذلك في السنة الثالثة من الهجرة شهر ربيع الأول ( يولية سنة 624 م )
هذه الحادثة قد أوقعت الرعب في نفوس اليهود جميعا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فلم يخرج من عظمائهم أحد من شدة خوفهم
_________
( 1 ) اسم موضع كان قريبا منهم


قتل ابن سنينة


- ولما سمع محيصة بن مسعود ذلك من رسول الله وثب على ابن سنينة اليهودي وهو من تجار يهود فقتله فقال له أخوه حويصة وهو مشرك يا عدو الله قتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله وضربه . فقال محيصة لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك قال فوالله لئن كان لأول اسلام حويصة فقال إن دينا قد بلغ بك ما أرى لعجب . ثم أسلم
هذ قصة مقتل كعب بن الأشرف ذكرنا ملخصها من أوثق المصادر التاريخية وقد استنكر بعض الأفرنج الذين كتبوا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم اغتيال كعب بأمر رسول الله . لكن كعبا هو الذي أساء إلى نفسه إذ قد ساقه الغرور إلى ارتكاب متن الشطط بعداء النبي معتمدا على ثروته وجاهه وشعره فإنه بعد أن عاهد النبي مع من عاهده من اليهود نقض العهد ونشط يهجو رسول الله والمسلمين بأشعاره ورحل إلى مكة يبث الدعوة للقتال فإذا ما عاد إلى المدينة تغزل بنساء المسلمين . ولا ريب أن ذلك كله يوغر الصدور والعرب لا يغفرون لمن يرمي نساءهم بسوء . ومن هذا نرى أنه كان عرضة للقتل بيد كل من يغار على حريمه ودينه من المسلمين
ذكرنا مقتل كعب بن الأشرف قبل موقعة أحد لأن سرية محمد بن مسلمة كانت في شهر ربيع الأول من السنة الثالثة وغزوة أحد في شوال من هذا السنة . ذلك أن كعبا لما جاء البشيران اللذان أرسلهما رسول الله ليزفا إلى المسلمين خبر انتصارهم في بدر وقتل من قتل وأسر من أسر من أشراف قريش لم يصدقهما فلما سأل الناس وتثبت من صح الخبر رحل إلى مكة وأخذ يحرض قريشا على قتال المسلمين بأشعاره طارقا أبوابهم ثم رجع إلى المدينة يشبب بنساء المسلمين فأمر رسول الله بقتله فقتل وقد حدث ذلك بعد موقعة بدر وقبل أحد اذ الذي دفعه إلى الرحيل إلى مكة واظهار عدائه شدة تغيظه من انهزام المشركين وانتصار المسلمين ذلك الأنتصار المبين . وقد ذكر ابن هشام وابن الأثير وابن سعد في طبقاته وفي كتاب السير للأمام أبي العباس مقتل كعب قبل أحد وكذلك أورده الطبري قبل أحد مع حوادث السنة الثالثة للهجرة وقد نقل عن الواقدي أن النبي وجه إليه ( أي كعب ) في شهر ربيع الأول من هذه السنة ( الثالثة ) وارخ مستر موير هذه الحادثة يولية سنة 624 ( السنة الثالثة من الهجرة )
ومن الغريب أن الأستاذ ولفنسون يغمض عينيه عن هذه المراجع المهمة ( في رسالتته تاريخ اليهود ) وبتشبث برأى اليعقوبي ويعتبره صحيحا لأن اليعقوبي يقول إن النبي أمر بقتل كعب بن الأشرف بعد يوم أحد أي في ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة . لكن ما الذي الجأ الأستاذ إلى ذلك ؟ إن الذي ألجأه إلى ذلك نفي التهمة عن كعب بن الأشرف وهي تحريضه قريشا على قتال المسلمين وتشبيبه بنسائه فاضطر إلى تكذيب رواية ابن هشام وغيره من كبار المؤرخين
فلما قتل كعب اذن ؟
قال الأستاذ أنه قتل في السنة الرابعة قبيل محاصرة النبي لبني النضير وكان قتله بمثابة اعلان حرب عليهم فإنه كان زعيما من زعمائهم
وبذلك نفى الأستاذ ولفنسون التهمة عن كعب وجوز على النبي قتل زعيم من زعماء بني النضير لا لشيء غير اعلان الحرب عليهم

0 commentaires:

إرسال تعليق