- 86 - غزوة الخندق أو الأحزاب


غزوة الخندق أو الأحزاب


- كانت غزوة الخندق في شوال من السنة الخامسة ( فبراير سنة 627 م ) باتفاق المؤرخين لكن ابن خلدون يقول في تاريخه ( والصحيح أنها في الرابعة ويقويه ابن
عمر يقول ردني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة ثم أجازني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فليس الاسنة واحدة وهو الصحيح فهي قبل دومة الجندل بلا شك ) ( 1 )
_________
( 1 ) راجع سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري والواقدي وطبقات ابن سعد وحياة محمد لمستر موير


تحزب الأحزاب


- حزب نفر من اليهود الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم سلام بن أبي الحقيق النضري وحيي بن أخطب النضري وكنانة بن أبي الحقيق النضري وهوذة بن قيس الوائلي
قال الأستاذ ولفنسون : لما أنزل أشراف بني النضير في خيبر أخذوا يفكرون في الثأر من الأنصار وجعلوا يفكرون في الوسائل التي توصلهم إلى آطامهم وتردهم إلى مزارعهم في منطقة يثرب فعزم نفر من اليهود فيهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع أن يحزبوا الأحزاب على المسلمين
أي الدينين خير ؟
لما دعت اليهود قريشا لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا لهم سنكون معكم حتى نيتأصله ارتابوا في أمرهم لأن دين اليهود قريب في جوهره من الإسلام وبعيد عن عبادة الأصنام كل البعد وقريش عباد أصنام . ولذلك قالوا لهم
يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد . أفديننا خير أم دينه ؟
قالوا : بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه . فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا واستعدوا للحرب . ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان ودعوهم إلى مشاركتهم في الحرب وذكروا لهم استعداد قريش فأجابوهم
أن اليهود أجابوا قريشا بأن دين قريش ( الوثني ) خير من دين محمد مخالفين بذلك دينهم الداعي إلى عبادة الله الواحد توصلا إلى غرضهم وهو محاربة المسلمين وطردهم من المدينة وإعادة اخوانهم إلى ديارهم وكان خيرا لهم أن يعيشوا مع المسلمين في وفاق ويكفوا عن الدسائس والفتن والإنضمام إلى الأعداء
وقد أدرك الأستاذ ولفنسون أنهم أخطأوا في تفضيلهم دين قريش على الأسلام فقال في كتابه تاريخ اليهود صفحة 142 مانصه :
والذي يؤلم كل مؤمن باله واحد من اليهود والمسلمين على السواء إنما هو تلك المحادثة التي جرت بين نفر من اليهود وبين بني قريش الوثنيين حيث فضل هؤلاء النفر من اليهود أديان قريش على دين صاحب الرسالة الإسلامية
ولا يخفى أن الذين أدلوا بهذا الحديث ليسوا من عامة اليهود حتى يقال أنهم لا يعلمون ما يقولون وأنهم لا يمثلون اليهود بل هم من رؤسائهم وأصحاب النفوذ فيهم . فهل هؤلاء لا يستحقون التأديب ؟


خروج الأحزاب وقوادهم


- خرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب . وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة في بني فزارة والحارث بن عوف بن أبي حارثة المرى في بنى مرة ومسعود بن رخيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع


حفر الخندق


- فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحزبهم وخروجهم لمحاربته أمر بحفر الخندق حول المدينة . والذي أشار عليه صلى الله عليه وسلم بحفر سلمان الفارسي رضي الله عنه وقد كان الفرس يحفرون الخنادق للدفاع في الحرب . قال سلمان يا رسول الله كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا وعلى كل حال فإن كلمة خندق فارسية الأصل
اشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق بنفسه واشتغل المسلمون معه . أما المنافقون فكانوا يتوانون وينصرفون بدون إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستثقلون العمل ويثبطون العزائم


سلمان منا أهل البيت


- خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم قطعه أربعين ذراعا بين كل عشرة فاختلف المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا . فقالت الأنصار سلمان منا . وقالت المهاجرون سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سلمان منا أهل البيت "


اعتراض صخرة بيضاء ومعجزة الرسول


بينما جماعة من المسلمين يعملون في حفر الخندق في الجزء المخصص لهم ومعهم سلمان الفارسي إذا ظهرت ضخرة بيضاء مروة فكسرت حديد معا ولهم وشقت عليهم . فقالوا يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة فأما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه ( 1 ) فرقي سليمان حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية فقال يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا . خرجت صخرة بيضاء من الخندق مروة فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى مانحيك فيها قليلا ولا كثيرا . فمرنا فيها بأمرك فإنا لا نحب أن نجاوز خطك . فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان الختندق وأخذ المعول من سلمان رضي الله عنه فقال باسم الله ثم ضربها فنثر ثلثها وخرج منها نور أضاء ما بين لا بتيها يعني لابتي المدينة . فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة من مكاني . ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فبرقت برقة من جهة فارس أضاءت ما بين لابتيها . فقال الله أمبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لابصر قصر المدائن الأبيض الآن فأبشروا بالنصر فسر المسلمون . ثم ضرب الثالثة وقال باسم الله فقطع بقية الحجر وخرج نور من قبل اليمن فأضاء ما بين لابتي المدينة حتى كأنه مصباح في جوف ليل مظلم . فقال الله أكبر اعطيت مفاتيح اليمن والله اني لا بصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة
وجاء في صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه قال :
إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة ( 2 ) فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه كدية عرضت في الخندق فقال أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر ( 3 ) ولبثنا ثلاثة أيام نذوق ذواقا ( 4 ) فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب في الكدية فعادت كثيبا أهيل
_________
( 1 ) أي الخط الذي رسمه لهم
( 2 ) أي قطعة من الأرض لا تعمل فيها المعاول
( 3 ) أي من ألم الجوع أو خشية انحناء صلبه
( 4 ) أي من جنس ما يطعم أو يشرب


عدد الجيشين


- كان أهل الخندق ثلاثة آلاف . ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من دومة بين الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمى بجانب أحد


نقض العهد


- كان كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة قد وادع النبي صلى الله عليه وسلم على قومه وعاقده على ذلك فذهب إليه حيى بن أخطب النضري وهو أحد الذين حزبوا الأحزاب . فلما سمع كعب حيى بن أخطب أغلق دونه باب حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فألح عليه ابن أخطب ففتح له وما زال يستمليه ويغريه حتى نقض كعب عهده وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار هو وقومه بنو قريظة مع الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف


اشتداد الحصار


- اشتد الخوف من تحزب الأحزاب ولا سيما بعد أن نقض بنو قريظة العهد وانضموا إلى الأعداء وظن المؤمنون كل الظن وانتهز المنافقون هذه الفرصة لتثبيط العزائم وهم بالفشل بنو حارثة وبنو سلمة معتذرين بأن بيوتهم عورة خارج المدينة ثم ثبتهم الله ودام الحصار على المسلمين قريبا من شهر ولم يكن بينهم غير الرمى بالنبال


اقتحام الخندق


- خرجت فوارس من قريش على خيلهم بعد أن تهيأوا للقتال حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها . ثم يمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيلهم فاقتحمت منه فجالت بهم السنجة بين الخندق وسلع وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي اقتحموها وخرج عمرو بن ود بن عبد ود وطلب المبارزة وكان عمره تسعين سنة فبارزه علي بن أبي طالب فتله وذكر بن اسحاق إن المشركين بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف فقال رسول الله هو لكم ولانأكل ثمن الموتى وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة وقتل مع عمرو رجلان منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه فمات منه بمكة . ومن بني مخزوم نوفل بن عبد الله بن المغيرة وكان اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة فقال يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه فنزل إليه علي فقتله . ومن الذين كانوا يناوشون المسلمين خالد بن الوليد وعمرو بن العاص
ورمى سعد بن معاذ يومئذ بسهم رماه رجل يقال له ابن العرقة العامري ( 1 ) فقال خذها وانا بن العرقة . فقال سعد عرق الله وجهك في النار فأصاب الأكحل منه فقطعه . فقال سعد اللهم لا تمتنى حتى تقرعيني في ( بني قريظة ) وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية . ونقل سعد وهو مجروج إلى خيمة رفيدة وقد كانت امرأة تداوي الجرحى في المسجد
_________
( 1 ) العرقة بفتح العين وكسر الراء وهي أمه واسمها قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم وتكنى أم فاطمة سميت العرقة لطيب ريحها وهي جدة خديجة رضي الله عنها أم أبيها وابن العرقة هذا اسمه حيان بن عبد مناف


حسان بن ثابت يخشى القتال


- كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت قالت وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان قالت صفية فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطعون أن ينصرفوا الينا عنهم أن أتانا آت . قالت فقلت يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وأني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من ورائنا من يهود وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فانزل إليه فاقتله فقال يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا . قالت فلما قال ذلك لي ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته . فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه الا أنه رجل . قال مالي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب ( 1 )
_________
( 1 ) راجع تاريخ الطبري غزوة الخندق


استمرار القتال وفوات الصلاة


- استمرت المقاتلة في يوم من أيام الخندق من سائر جوانب الخندق إلى الليل ولم يصل صلى الله عليه وسلم ولا أحد من المسلمين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصار المسلمون يقولون ماصلينا فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنا فلما انكشف القتال وجاء صلى الله عليه وسلم إلى قبته أمر بلالا فأذن وأقام للظهر فصلى صم أقام لكل صلى وصلى هو وأصحابه
وجاء في رواية جابر رضي الله عنه أنه أذن وأقام لكل صلاة وجمع النووي بانهما قضيتان جرتا في أيام الخندق فإنها كانت خمسة عشر يوما . وفي رواية أن التي فاتت صلاة العصر ويحمل ذلك على أنه وقع في بعض تلك الأيام وجاء في بعض الروايات شغلونا عن الصلاة الوسطى . صلاة العصر حتى غابت الشمس ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا


إن الحرب خدعة


- جاء نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا باسلامي فمرني بما شئت . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فإن الحرب خدعة . فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال لهم يا بني قريظة قد عرفتم ودي اياكم وخاصة ما بيني وبينكم . قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وقد ضاهرتموهم عليه وإن قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم . البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم وبلدهم بغيره فليسوا كهيئتكم إن رأوا نهزة وغنيمة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم . فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه فقالوا لقد أشرت برأي ونصح . ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : يامعشر قريش قد عرفتم ودي إياكم وفراقي محمدا وقد بلغني أمر رأيت حقا علي أن أبلغكموه نصحا لكم فأكتموا علي . قالوا نفعل ذلك . قال فأعلموا إن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينكم وبين محمد وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك عنا أن نأخذ من القبيلتين من قريش وغطفان رجال من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على ما بقي منهم ؟ فأرسل إليهم أن نعم : فإن بعث إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا . ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهمونني . قالوا صدقت . قال فاكتموا علي . قالوا نفعل ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم
فلما كانت ليلة السبت في شوال سنة خمس وكان مما صنع الله عز وجل لرسوله أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالوا لهم إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم إن اليوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابه مالا يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك من محمد . فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة . قالت قريش وغطفان . تعلمون والله أن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق . فأرسلوا إلى بني قريظة انا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا فإن أنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا . فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن وجدوا فرصة انتهزوها وان كانوا غير ذلك تشمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم . فأرسلوا إلى قريش وغطفان انا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا . فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبذلك نجحت الخدعة
وفي طبقات ابن سعد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص إلى كل امرئ منهم الكرب فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعالج غطفان على أن يعطيهم ثلث الثمر ويخذلوا بين الناس وينصرفوا عنه فأبت ذلك الأنصار فترك ما كان أراد من ذلك وقد تبين لنا أن نعيم بن مسعود قد قام بذلك خير قيام


حرب الطبيعة


- نجح نعيم بن مسعود في خدعته وأوقع الفشل بين بني قريظة وقريش . ثم جاءتهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد فجعلت تكفئ قدورهم وتطرح أبنيتهم . فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم وما فرق الله من جماعتهم دعا حذيفة فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا . وكان حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين لم يعلمهم أحد إلا حذيفة أعلمه بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال حذيفة فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء


خطبة أبي سفيان


- قام أبو سفيان بن حرب . فقال " ما معشر قريش لنظر امرؤ جليسه " قال حذيفة فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي . فقلت من أنت ؟ فقال أنا فلان بن فلان . ثم قال أبو سفيان : " يامعشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام . لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون والله ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم
هذه خطبة أبي سفيان في الجيش . وكان قائدهم ولا بقاء للجند بعد رجوع القائد ونصيحته لهم بالعودة ولاشك أنهم سئموا الإقامة ولم يروا فائدة من الإنتظار أكثر مما انتظروا وقد ساءت حالهم بسبب اشتداد البر وهبوب الريح وعدم رغبة بني قريظة في القتال . وقد كانوا يؤملون دخول المدينة . فكان الخندق عقبة في سبيلهم بالرغم من كثرة عددهم . ولما سمعت غطفان بما فعلت قريش تشمروا راجعين إلى بلادهم تاركين ما استثقلوا من متاعهم فغنمه المسلمون . وانصرف المسلمون عن الخندق ورجعوا إلى المدينة ووضعوا السلاح بعد أن حاصرهم المشركون خمسة عشر يوما . وانصرف صلى الله عليه وسلم من غزوة الخندق يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة
قال صلى الله عليه وسلم بعد انصراف الأحزاب لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا . وقد كان كما أخبر صلى الله عليه وسلم . وكانت هذه الغزوة آخر محاولة من جانب أشراف مكة للقضاء على الدين الجديد ألا وهو الإسلام


خسائر المسلمين


- ذكر ابن اسحاق أنه استشهد من المسلمين يوم الخندق ستة لا غير : ثلاثة من الأوس وهم سعد بن معاذ وأنس بن أوس وعبد الله بن سهيل وثلاثة من الخزرج وهم : الطفيل بن النعمان وثعلبة بن غنمة وكعب ابن زيد


خسائر المشركين


- أما عدد قتلى المشركين فثلاثة : منبه بن عبد العبدري أصابه سهم فمات منه بمكة ونوفل بن عبد الله المخزومي وعمرو بن عبد ود

0 commentaires:

إرسال تعليق