- 91 - غزوة خيبر وما تلاها من أحداث


غزوة خيبر ( 1 )


- خيبر واحة كبيرة على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام ( والبريد أثنا عشر ميلا عربيا فتكون المسافة كلها 96 ميلا عربيا )
وسكان خيبر يهود . وهي ذات حصون ومزارع ونخل كثير وكان سكانها غير مجتمعين في صعيد واحد بل كانوا متفرقين في الوديان المجاورة ويقطنون بيوتا حصينة وسط
النخيل وحقول القمح . وكانت خيبر مركزا لدسائس اليهود الذين هاجروا إليها وتشتمل على سبعة حصون مبنية بالحجارة وهي :
حصن ناعم . القموص حصن أبي الحقيق . حصن الشق . حصن النطاة . حصن السلالم . حصن الوطيح . حصن الكتيبة
قال القرويني : وخيبر موصوفة بكثرة الحمى لا تفارق الحمى أهلها وكان أهلها يهودا موصوفين بالمكر والخبث ومنها كان السموأل بن عادياء المشهور بالوفاء
كانت غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة ( أغسطس سنة 628 م ) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاد من الحديبية أقام بالمدينة ذا الحجة وبعض المحرم من السنة السابعة وولى تلك الحجارة المشركون ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر وكان معه 1600 منهم 200 فارس ويلاحظ أن عدد الفرسان في هذه الغزوة قد ازداد لأنهم لم يكونوا في الغزوات السابقة يجاوزون الثلاثين وذلك بفضل عناية رسول الله بتربية الخيل . وخرج معه من نسائه أم سلمة رضي الله عنها وهي التي كانت خرجت معه إلى الحديبية واستخلف على المدينة سباع ابن عرفطة الغفاري واستنفر صلى الله عليه وسلم من حوله ممن شهد الحديبية يغزون معه وجاء المخلفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة فقال لاتخرجوا معي الا راغبين في الجهاد فأما الغنيمة فلا . وكان الله قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من الحديبية في سورة الفتح بمغانم كثيرة بقوله تعالى { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } . وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه : " ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلا فنام هو وأصحابه دونها ثم ركبوا إليها بكرة فصبحوها بالقتال " وفي رواية لابن اسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لا أشرف على خيبر قال لأصحابه . قفوا ثم قال : " اللهم رب السموات والأرض وما أظللن ورب الأرضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن . ورب الرياح وما ذرين . فأنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها . ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها أقدموا بسم الله "
فلما أصبحت خرجت اليهود إلى زروعهم بمساحيهم ومكاتلهم ودفع رايته العقاب إلى الحباب بن المنذر ودفع راية لسعد بن عبادة ونزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم ومظاهرين لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا وأقاموا وخذلوا أهل خيبر
وكان يهود خيبر أدخلوا أموالهم وعيالهم في حصن الكتيبة وجمعوا المقاتلة في حصن النطاة . وكان النبي صلى الله عليه وسلم نزل قريبا من حصن النطاة فأشار عليه صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر بالتحول قائلا أن أهل النطاة لي بهم معرفة ليس قوم أبعد مدى منهم ولا أعدل رمية منهم وهم مرتفعون علينا وهو أسرع لانحطاط نبلهم ولا نأمن من بياتهم يدخلون في حمر النخل ( 2 ) فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحول الناس إلى موضع حائل بين أهل خيبر وغطفان وابتنى هنالك مسجدا صلى به طول مقامه بخيبر وأمر بقطع نخيل أهل حصون النطاة فوقع المسلمون في قطعها حتى قطعوا 400 نخلة ثم نهاهم عن القطع وقاتل صلى الله عليه وسلم يومه ذلك أشد القتال وعليه درعان وبيضة ومغفر وهو على فرس يقال له الظرب في يده قناة وترس وفي ذلك اليوم قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة برحى ألقيت عليه من حصن ناعم ألقاها عليه مرحب اليهودي وكان الحر في ذلك اليوم شديدا ومكث صلى الله عليه وسلم سبعة أيام يقاتل أهل حصن النطاة يذهب كل يوم بمحمد بن مسلمة للقتال ويخلف على محل العسكر عثمان بن عفان رضي الله عنه فإذا أمسى رجع إلى ذلك المحل ومن جرح من المسلمين يحمل إليه ليداوى جرحه . وكان اليهود كعادتهم يحاربون أمام الحصون لأنهم يخشون الحرب في الميدان فإذا انهزموا عادوا إلى حصونهم وأغلقوها دونهم
ولما كانت الليلة السادسة أتى رجل من يهود خيبر في جوف الليل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه خرج من حصن النطاة من عند قوم يتسللون من الحصن في هذه الليلة ويذهبون إلى حصن الشق يجعلون فيه ذراريهم ويتهأون للقتال وأخره أن في حصن الصعب من حصون النطاة في بيت فيه تحت الأرض منجنيقا ودبابات ودروعا وسيوفا فإذا دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقفه على أسراره
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذه الشقيقة ( 3 ) في بعض تلك الأيام فيبعث أناسا من أصحابه فلم يكن فتح ومنهم أبو بكر وعمر بن الخطاب
ثم قال صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة لأعطين الراية غدا لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله . لا يولى الدبر . يفتح الله عز وجل على يديه فيمكنه من قاتل أخيك
وفي الغد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي رضي الله عنه وكان أرمد شديد الرمد فجئ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عصب عينيه فعقد له لواءه الأبيض وبصق في عينيه ودلكهما فبرأ حتى كأن لم يكن بهما وجع . وقال علي رضي الله عنه فما رمدت بعد يومئذ . ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه بقوله " اللهم اكفه الحر والبرد " قال علي رضي الله عنه فما وجدت بعد ذلك لا حرا ولا بردا . فكان يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين ويلبس في البرد الشديد الثوب الخفيف فلا يبالي بالبرد
فلما أخذ علي الراية قال أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انفذ على رسلك حتى ينزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن لم يطيعوا لك بذلك فقالتهم فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم
فخرج علي رضي الله عنه حتى ركز الراية تحت الحصن فكان أول من خرج إليه من أهل الحصن الحارث أخو مرحب وكان مشهورا بالشجاعة فقتله علي وانهزم اليهود إلى الحصن . ثم خرج إليه مرحب لابسا درعين ومتقلدا بسيفين ومعتما بمعامتين ولبس فوقهما مغفرا وحجرا قد ثقبه قدر البيضة ومعه رمح فبرز له علي رضي الله عنه ثم حمل مرحب على علي وضربه فطرح ترسه من يده فتناول علي رضي الله عنه بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن ثم أن عليا ضرب مرحبا فتترس فوقع السيف على الترس فقده وشق المغفر والحجر الذي تحته والعمامتين وفلق هامته حتى أخذ السيف بالأضراس
وقيل أن محمد بن مسلمة هو الذي قتل مرحبا اليهودي انتقاما لأخيه محمود والصحيح الذي عليه أكثر أهل السير والحديث أن علي بن أبي طالب هو الذي قتل مرحبا
ثم خرج ياسر أخو مرحب فخرج إليه الزبير رضي الله عنه وعند ذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " فداك عم وخال لكل نبي حواري وحواريي الزبير " ( 4 ) وكان أول حصن فتح المسلمون هو حصن الناعم من حصون النطاة على يد علي رضي الله عنه ثم القموص . ولم يزل القتال ناشبا بين المسلمين واليهود والمسلمون يفتحون حصونهم حصنا بعد حصن حتى أتموها
وقتل من اليهود 93 واستشهد من المسلمين 15 رجلا ( 5 ) وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كنز آل أبي الحقيق وكان من بني النضير الذي حمله حيى بن أخطب لما أجلى عن المدينة وأمر رسول الله بقتل كنانة وأخيه الربيع لأنهما أخفوا مال حيى وقد علم رسول الله بمكان المال وأتى به وقوم بعشرة آلاف دينار وأصاب المسلمين مجاعة قبل فتح الحصون فلما فتح حصن الصعب وكان أكثر الحصون طعاما فيه شعير وتمر وودك أي سمن وزيت وشحم ومتاع وماشية وكان به 500 مقاتل أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يأكلوا ويعلفوا ولا يخرجوا به إلى بلادهم وكان صاحب الغنائم أبا اليسر كعب بن زائد الأنصاري
فتحت الحصون كلها عنوة الا حصن الوطيح وحصن سلالم فقد مكث المسلمون على حصارهما أربعة عشر يوما فلم يخرج أحد منهم فهم رسول الله أن يحمل عليه وأن ينصب عليهم المنجنيق فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله الصلح على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية والخروج من خيبر وأرضها بذراريهم والا يصحب أحدا منهم الا ثوب واحد فصالحهم على ذلك وعلى أن ذمة الله تعالى ورسوله بريئة منهم ان كتموه شيئا فتركوا مالهم من أرض ومال وصفراء وبيضاء والكراع والحلقة والبز الا ثوبا واحدا . ووجد المسلمون في الحصنين المذكورين 100 درع و 400 سيف و 1000 رمح و 500 قوس عربية بجعابها ووجدوا في أثناء الغنيمة صحائف متعددة من التوراة فجاءت يهود تطلبها فأمر رسول صلى الله عليه وسلم بدفعها اليهم وبهذه المناسبة نذكر ماكتبه الأستاذ ولفنسون في كتابه تاريخ اليهود ببلاد العرب صفحة 170 :
ويدل هذا على ما كان لهذه الصحائف في نفس الرسول مع المكانة العالية مما جعل اليهود يشيرون إلى النبي بالبنان ويحفظون له هذه اليد حيث لم يتعرض بسوء لصحفهم المقدسة ويذكرون بازاء ذلك ما فعله الرومان حين تغلبوا على أورشليم وفتحوها سنة 70 ب م إذ أحرقوا الكتب المقدسة وداسوها بأرجلهم وما فعله المتعصبون من النصارى في حروب اضطهاد اليهود في الأندلس حين أحرقوا أيضا صحف التوراة . هذا هو البون الشاسع بين الفاتحين ممن ذكرناهم وبين رسول الإسلام
اه
ونضيف إلى ذلك أن هذه ليست أول مرة تسامح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك فيها صحائف اليهود المقدسة لم يتعرض لها بسوء ولم يحقرها مع شدة عداوتهم له فقد سمح لهم قبل ذلك بأخذ صحفهم المقدسة المشتملة على وصية موسى لبني اسرائيل عند اجلائهم من المدينة في غزوة بني النضير كما تقدم
ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السبى فكان من نصيب دحية بن خليفة الكلبي صفية بنت حيى وكانت امرأة حسناء فنتافس الناس فيها فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يانبي الله أعطيت دحية صفية سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح الا لك . فقال ادعوه بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال لدحية خذ جارية من السبى غيرها فأخذ أخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق زوج صفية وكانت صفية بنت حيى من سبط هارون أخى موسى عليهما السلام فاصطفاها لنفسه ثم أعتقها وتزوج بها . وفي المواهب أنه صلى الله عليه وسلم أخذ صفية لأنها بنت ملك من ملوكهم
وفي هذه الغزوة سمت اليهودية الشاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهدتها إليه واسمها زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم وأخت مرحب انتقاما لقتل أبيها وزوجها وأخيها
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه . قال لما فتحت خيبر واطمأن صلى الله عليه وسلم بعد فتحها أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم فلاك منها مضغة ثم لفظها حين أخبره العظم أنها مسمومة وازدرد بشر بن البراء لقمة فقال صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم وأرسل إلى اليهودية فقال هل سممت هذه الشاة ؟ فقالت من أخبرك ؟ قال أخبرتني هذه التي في يدي مشيرا للذراع . قالت نعم . قال لها ما حملك على ذلك . قالت إن كنت نبيا يطلعك الله وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك . وقد استبان لي أنك صادق وأنا أشهدك ومن حضرك أني على دينك وأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فعفا عنها صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها . وتوفى من أصحابه الذين أكلوا معه بشر بن البراء رضي الله عنه واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة
وبعد فتح خيبر قدم من الحبشة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من المسلمين وهم ستة عشر رجلا فتلقى النبي صلى الله عليه وسلم جعفرا وقبل جبهته وعانقه وقام له ثم قال صلى الله عليه وسلم : " ما أدري بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر " وقال صلى الله عليه وسلم لجعفر رضي الله عنه " أشبهت خلقي وخلقي " فرقس جعفر رضي الله عنه عنه لشدة هذا الخطاب ولفرط ماأصابه من الفرح ولم ينكر عليه . . رقصه وجعل ذلك أصلا لرقص الصوفية عندما يجدون من لذة المواجيد في مجالس الذكر والسماع . وقدم من الحبشة أبو موسى الأشعري رضي الله عنهما وجماعة من قومه فأسهم لهم ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر منا شيئا الا لمن شهدها معه
وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم خيبر فأعطى الراجل سهما والفارس ثلاثة أسهم بعد أن خمسها خمسة أجزاء ثم دفع صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر الأرض ليعملوا فيها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع وقال لهم انا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم . ثم استمروا على ذلك على خلافة عمر رضي الله عنه إلى أن وقعت منهم خيانة وغدر لبعض المسلمين فأجلاهم إلى الشام بعد أن استشار في ذلك الصحابة رضي الله عنه
ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر فكان ببعض الطريق فما كان آخر الليل قال من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ؟ قال بلال أنا يا رسول الله أحفظه عليك فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل الناس فناموا وقام بلال يصلي فصلى ما شاء الله أن يصلي ثم استند إلى بعيره واستقبل الفجر يرمقه فغلبته عينه فنام فلم يوقظهم الا مس الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أصحابه هبا . فقال ماذا صنعت بنا يا بلال ؟ قال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك . قال صدقت ثم اقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيره غير كثير ثم أناخ فتوضأ وتوضأ الناس ثم أمر بلالا فأقام الصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فلما سلم اقبل على الناس فقال : إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فإن الله تبارك وتعالى يقول ( أقم الصلاة لذكرى ) وكان فتح خيبر في صفر
_________
( 1 ) معنى خيبر باللغة العبرية الحصن أو القلعة
( 2 ) أي النخل المجتمع بعضه على بعض
( 3 ) وجع يأخذ نصف الوجه والرأس
( 4 ) الحواري : الناصر
( 5 ) عدد قتلى المسلمين في طبقات ابن سعد 15 وفي سيرة ابن هشام 20


صلح أهل فدك


- فدك بلدة يهودية بالقرب من خيبر لما علم أهلها بانهزام خيبر خافوا فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك فقدمت عليه رسلهم فقبل ذلك منهم فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب يصرف ما يأتيه منها على أبناء السبيل


غزوة وادي القرى


- وادي القرى موضع بقرب المدينة كان به جماعة من اليهود
لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر نزل وادي القرى أصيلا مع الغروب وحاصرهم صلى الله عليه وسلم أربعة أيام وهيأ أصحابه للقتال فقتل منهم احدى عشر رجلا وفتحها رسول الله عنوة وغنمه الله أموالهم وأصاب المسلمون أثاثا ومتاعا كثيرا وقسم رسول الله ما أصابه على أصحابه وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود وعاملهم عليها وولاها عمروبن سعيد بن العاص وصالحه أهل تيماء على الجزية لما بلغهم فتح وادي القرى وولاها صلى الله عليه وسلم يزيد بن أبي سفيان . وكان اسلامه يوم فتحها . وتيماء بلدة معروفة بين المدينة والشام على سبع مراحل من المدينة ثم رجع إلى المدينة بعد أن بسط نفوذه على القبائل اليهودية شمالي المدينة
قال مستر موير أن غزوة وادي القرى كانت في جمادى الثانية سنة سبع ( سبمتبر سنة 628 م ) لأنه أرخ الزحف على خيبر بشهر جمادى الأولى ( أغسطس سنة 628 م )
يجعل بعضهم غزوة خيبر وغزوة وادي القرى غزوة واحدة لأنه لم يرجع من خيبر


خمس سرايا في خريف وشتاء السنة السابعة الهجرية ( سنة 628 م )


- بعد عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قضى بقية الخريف والشتاء في المدينة وفي هذه الأثناء بعث خمس سرايا منها ثلاث في شهر شعبان
- 1 - سرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعه ثلاثون رجلا إلى قبيلة بني هوازن بجهة تربة دار بقرب مكة . فلما علموا بمجيئه هربوا فانصرف راجعا إلى المدينة
- 2 - سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى نبي كلاب قبيلة بنجد فسبى منهم جماعة وقتل آخرون
- 3 - سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بفدك ومعه ثلاثون رجلا . فلما وصلوا إلى محل القوم لقوا رعاء الشاء فاستاق بشير النعم والشاء وانحدر إلى المدية ثم أدركه العدد الكثير من بني مرة عند الليل فباتوا يرمونه بالنبل حتى فنيت نبل أصحباه فأصيبوا وولى منهم من ولى وجرح بشير وعاد إلى المدينة بصعوبة
- 4 - وفي رمضان كانت سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى أهل المنيعة بناحية نجد على ثمانية برد من المدينة في مائة وثلاثين راجلا فهجموا عليهم في وسط محالهم وقتلوا كثيرا منهم واستاقوا نعما وشاء إلى المدينة وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد رجلا يقال له نهيك بن مرداس الأسلمي وفي رواية أن اسمه مرداس بن نهيك بعد أن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أسامة من لك بلا إله إلا الله فقال يا رسول الله إنما قالها تعوذا من القتل . قال ( هل شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب ) فقال أسامة لا أقاتل أحدا يشهد أن لاإله إلا الله
- 5 - وفي شوال أرسل بشير بن سعد ايضا إلى يمن وجناب وهي أرض لغطفان ومعه ثلاثمائة رجل لجمع تجمعوا بأرض غطفان وأعدهم عيينة بن حصين للأغارة على الميدنة فما بلغهم مسير بشير هربوا وأصاب لهم نعما كثيرة فغنمها
قال الواقدي وفي هذه السنة ( السابعة ) رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب ابنته على ابن العاص بن الربيع وذلك في المحرم ( أسر أبو العاص يوم بدر فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا فداء بسبب زوجته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد عليه رسول الله زينب بنكاح جديد وقيل النكاح الأول وأسلم قبيل فتح مكة )
قال وفيها قدم حاطب بن أبي بلتعة من عند المقوقس بمارية وأختها سيرين وبغلته دلدل وحماره يعفور وكساء وبعث معهما بخصى فكان معهما . وفي هذه السنة اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم منبره الذي كان يخطب الناس عليه واتخذ درجتين ومقعده وفي الطبري أنه عمل سنة ثمانية


عمرة القضاء


- قد اختلف في تسمية هذه العمرة عمرة القضاء . فقال مالك والشافعي والجمهور لأنه قاضي قريشا سنة الحديبية فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه الحكم لا لأنها قضاء عن العمرة التي صد عنها لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة . وقال أبو حنيفة وأحمد أن من صد عن البيت فعليه القضاء فتسميتها قضاء على ظاهره
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجب . وشعبان ورمضان وشوالا . ثم خرج في ذي القعدة في السنة السابعة ( فبراير سنة 629 م ) في الشهر الذي صده فيه المشركون بالحديبية معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها واستعمل على المدينة عويف بن الأضبط الديلي ويقال لها عمرة القصاص لأنهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة في الشهر الحرام من سنة ست فاقتص رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم وأمر أن لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية وخرج معهم غيرهم أيضا . فكانوا ألفين سوى النساء والصبيان وساق معه صلى الله عليه وسلم ستين بدنة وحمل السلاح والدروع والرماح وقاد مائة فارس خوفا ممن غدر أهل مكة فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه وتحدثت قريش بينها أن محمدا وأصحابه في عسر وجهد وشدة فصفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وغلى أصحابه . فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطبع بردائه وأخرج عضده اليمنى ( 1 ) ثم قال رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ثم استلم الركن وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه حتى إذا واراه البيت منهم واستلم الركن اليماني مشى حتى استلم الركن الأسود ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف والمسلمون يطوفون معه . وكان بين يديه لما دخل مكة عبد الله بن رواحة آخذا بخطام ناقته . وكان المشركون على جبل قعيقعان ثم سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على راحلته وبعد فراغه نحر هديه عند المروة وحلق هناك ثم أمر مائتين من أصحابه أن يذهبوا إلى أصحابه ببطن يا جج يقيمون على السلاح ويأتي الآخرون ليقضوا نسكهم ففعلوا وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا كما شرطه قريش في الهدنة فلما كان الظهر من اليوم الرابع جاءه سهيل بن عمرو . وحويطب بن عبد العزى فقالا ننشدك العهد إلا ما خرجت من أرضنا فرد عليهما سعد بن عبادة رضي الله عنه فأسكته صلى الله عليه وسلم وأذن بالرحيل
جاء في البخاري من حديث البراء فلما دخلها ( 2 ) ومضى الأجل ( 3 ) أتو عليا رضي الله عنه فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
_________
( 1 ) الإضطباع الذي يؤمر به طائف البيت أن يدخل الرداء تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على يساره ويبدي منكبه الأيمن ويغطي الأيسر . سمى بذلك لإبداء أحد الضبعين
( 2 ) يعني مكة
( 3 ) الأيام الثلاثة


زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بميمونة رضي الله عنها


- تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث الهلالية وكان أسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهي أخت أم الفضل زوج العباس رضي الله عنهما وأخت أسماء بنت عميس لأمها زوج حمزة رضي الله تعالى عنه
وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبد المطلب وأصدقها عنه صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار وأراد صلى الله عليه وسلم أن يبني بها في مكة فلم يمهلوه يبني بها وقال لها ماعليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما ؟ فقالوا لا حاجة لنا في طعامك أخرج عنا من أرضنا . هذه الثلاثة قد مضت فخرج فبنى بها بسرف قريب مكة وهي أخر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أيرافنج في كتابه حياة محمد " أن النبي لم يتزوج بميمونة بنت الحارث إلا سياسة يريد بها أستمالة رجلين قويين لأن ميمونة كانت أرملة مسنة تبلغ من العمر إحدى وخمسين سنة وهذان الرجلان هما خالد بن الوليد ابن أخت ميمونة وهو البطل المشهور الذي حارب محمدا صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ولما أسلم سمي " سيف الله " وصديقه عمرو بن العاص "
وهذا ما قلناه في سبب تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإن خالد بن الوليد أسلم بعد زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بخالته ميمونة بقليل وأسلم معه في يوم واحد عمرو بن العاص وميمونة رضي الله عنها أخر زوجاته صلى الله عليه وسلم


ما قبل سرية مؤتة من الحوادث


- في خلال الصيف أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة سرايا قبل غزوة مؤتة وهي :
- 1 - سرية الأخرم : في ذي الحجة سنة سبع ( أبريل سنة 629 م ) في خمسين رجلا إلى بني سليم . خرج الأخرم يدعوهم إلى الإسلام فعلموا بخروجه فأمطروا المسلمين وابلا من النبل وأحاطوا بهم من كل ناحية حتى قتل عامتهم وجرح أميرهم ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في أول صفر
- 2 - سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح بالكديد ( 1 ) في صفر سنة ثمان ( يونية سنة 629 م ) خرج المسلمون حتى إذا كانوا بقديد لقوا الحارث بن مالك الليثي المعروف بابن البرصاء وهي أمه فأخذوه . فقال إنه جاء يريد الإسلام ولكنهم أوثقوه وخلفوا عليه رجلا وشنوا عليهم الغارة واستاقوا النعم وحملوا ابن البرصاء وعادوا إلى المدينة وأسلم ابن البرصاء وتوفي آخر خلافة معاوية رضي الله عنه وله حديث واحد وهو قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوما يوم الفتح " لا تغزي مكة بعد اليوم إلى يوم القيامة "
- 3 - سرية أخرى لغالب بن عبد الله الليثي : لما رجع غالب بن عبد الله الليثي من سريته الأولى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك ( وقد تقدم ذكر سرية بشير التي جرح فيها ) ومعه 200 رجل وذلك في صفر سنة ثمان . وقد نجحت هذه السرية نجاحا تاما فقد قاتل المسلمون ساعة ووضع فيهم السيف وقتلوا منهم قتلى وأصابوا منهم نعما وشاء وذرية فساقوها وعادوا إلى المدينة
- 4 - سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى جمع من هوازن يقال لهم بنو عامر بالسيء ( 2 ) في شهر ربيع الأول سنة ثمان ( يولية سنة 629 م ) ومعه أربعة وعشرون رجلا فأصابوا نعما كثيرة وشاء وأستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة وكانت غيبتهم خمس عشرة ليلة
- 5 - سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح من أرض الشام وراء ذات القرى في ربيع الأول سنة ثمان في خمسة عشر رجلا فوجدوا جمعا كثيرا فجاءوا على الخيل فدعاهم المسلمون إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل فقاتلهم الصحابة أشد القتال حتى قتلوا ولم ينجوا منهم غير رجل جريح في القتلى . قال ابن سعد هو الأمير . فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فشق عليه ذلك وهم بالبعث عليهم لكن بلغه أنهم ساروا إلى موضع آخر فتركه
_________
( 1 ) ماء بين عسفان وقديد
( 2 ) ماء من ذات عرق على ثلاثة مراحل من مكة

0 commentaires:

إرسال تعليق